فرانشيسكا ألبانيز لـ"العربي الجديد": تقرير المصير حق كل الحقوق للفلسطينيين

06 نوفمبر 2022
ألبانيز في الأمم المتحدة، مايو 2018 (أتيلغان أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

ركزت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، في أول تقرير لها منذ توليها منصبها على قضية حق تقرير المصير للفلسطينيين.

واعتبر مختصون تركيز ألبانيز على هذا الموضوع في تقريرها الذي قدمته  الأسبوع الماضي أمام الجمعية العامة وعدم الاكتفاء بتقديم تقرير يوثق انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين أمراً لافتاً، مقارنة بتقارير الأمم المتحدة السابقة.

وتحاول ألبانيز في تقريرها، الصادر في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، الوقوف عند جذور القضية الفلسطينية بما فيها الاستعمار الاستيطاني. وفي مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك تحدثت حول السبب وراء اختيارها هذا الموضوع، وعدد من الأمور المتعلقة بالنهج الدولي تجاه فلسطين والفلسطينيين.

* سأبدأ من تقريرك الأول الذي قدمته هنا في نيويورك أمام اللجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان. التقرير ركز بشكل رئيسي على قضية "حق تقرير المصير" للشعب الفلسطيني. دعينا أولاً نتطرق إلى ما يعنيه ذلك؟

اخترت موضوع حق تقرير المصير لعدد من الأسباب. بداية لأنه حق كل الحقوق، من دون أن يكون الفلسطينيون أحراراً كشعب لا يمكنهم أن يكونوا أحراراً كأفراد.

والفلسطينيون ليسوا أحراراً بسبب الاحتلال. تقتصر ولايتي على تقارير متعلقة بالأراضي المحتلة عام 1967، والتي يوجد إجماع دولي حول وحدتها الإقليمية وحول حق الشعب الفلسطيني فيها كشعب، وليس كأقلية، وأنه يجب أن يتحقق. لقد منعت إسرائيل هذا الحق، من خلال تفتيت وضم الأراضي والاستيلاء عليها واستغلال تلك الأراضي والموارد الطبيعية ومياههم، ليس لصالح السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال، بل زادت من فقر الفلسطينيين، كما منعت تشكيل حركة سياسية طبيعية وحرة وإرادة سياسية... الحق في تقرير المصير، والقدرة على تشكيل إرادتهم السياسية والتعبير عنها والعيش، من خلال استهداف زعمائهم السياسيين، والاغتيالات، والاعتقال، والاحتجاز، وغيرها.


الأبارتهايد هو جزء من السلوك الإجرامي الذي تمارسه إسرائيل

والآن هناك الاضطهاد الشنيع للمدافعين عن حقوق الإنسان (منظمات مدنية فلسطينية ومدافعة عن حقوق الإنسان تتهمها إسرائيل بالإرهاب)، وهناك طبعاً القمع المتعلق بأي شيء حول الأصلانية الفلسطينية، وهو ما نلاحظه في كل الأنظمة الاستعمارية الاستيطانية، إذ يتم قمع أي رموز للشعوب الأصلانية في ما يخص ثقافتها وهويتها.

يوجد دلالات كثيرة للهجوم (من قبل قوات الشرطة الإسرائيلية) على حاملي نعش شيرين أبو عاقلة والاعتداء عليهم بالضرب العنيف أثناء حملهم الكفن والعلم الفلسطيني الذي كان يغطيه وتحت أنظار العالم.

إن حق تقرير المصير هو أمر بالغ الأهمية ولم يجرِ الوفاء به (تجاه الشعب الفلسطيني)، هناك مسؤولية تقع على عاتق كل الدول، بما فيها إسرائيل، والتي عليها أن تلتزم بالقانون الدولي، وإن لم تفعل ذلك فعلى الدول الأخرى المساعدة في إلزامها وإلا فإن تلك الدول متواطئة.

إذاً، يجب أن تكون هناك عواقب لتصرفاتها. أمر آخر متعلق بطريقة الحديث في المحافل السياسية عن هذا الحق (حق تقرير المصير)، إذ يُقال إنه على الفلسطينيين التفاوض أولاً وبعدها سيحصلون على حقوقهم. كلا، هذا شرط مسبق للذهاب للمفاوضات. في تقديمي لتقريري أمام الجمعية العامة سألت الحضور، من ممثلي الدول المستعمرة سابقاً والذين حاربوا ضد الاستعمار وانتصروا، هل طلب منكم التفاوض مع مستعمريكم حول شروط تحرركم؟ والجواب كلا، إذا لماذا يطلب من الفلسطينيين ذلك. ومن المهم أن نتحدث (عن فلسطين) في هذا السياق.

هناك أمر آخر، أعتقد أن الحديث عن إطار/ نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) ضروري لوصف الواقع، ولكن مهما كانت التسمية، فإن الأبارتهايد هو جزء من السلوك الإجرامي الذي تمارسه إسرائيل. والنتائج يجب أن تقاس بحسب هذ الإطار. ولكن في الوقت ذاته هذا لا يحل قضية الهيمنة.

مخاوفي، كمحامية، هي أن يؤدي تفكيك نظام الفصل العنصري إلى الاعتراف بالحكم الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. هذه الأراضي الفلسطينية خصصت بكامل وحدتها كدولة فلسطينية والأمر متروك للفلسطينيين ماذا يريدون أن يفعلوا بها. وقد تكون هناك يوماً ما مفاوضات حول تأسيس دولة واحدة، مهما يكن هذا ليس من شأن الحقوقيين الدوليين (المجتمع الدولي) كي يقرروا ذلك.

* في هذا السياق، هل تعتقدين أن إسرائيل تمارس ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بفعل الأمر الواقع؟

نعم، أعتقد هذا ما يحاولون فعله. لذلك أصر على أنه يجب ألا يكون هناك اعتراف (بالاحتلال) لأنه لا يمكن أن نعترف بشيء بواقع ما قانونياً عندما يكون نتيجة لفعل غير قانوني. على سبيل المثال نقلت بعض الدول سفاراتها إلى القدس. وهذا تواطؤ مع الجرائم الدولية.


لا يمكن لإسرائيل أن تدعي بأنها تقوم بالدفاع عن نفسها

* دعيني أعود لقضية "حق تقرير المصير" والتقرير الذي قدمته وتحدثت فيه كذلك عن مجالات مختلفة لهذا الحق التي ربما لا ترد إلى الذهن مباشرة عند الحديث عن ذلك، وأقصد هنا مثلاً الثقافة، أو المصادر الطبيعية كالمياه وغيرها. ما هي أهمية ذلك؟

نعم، لأن الحق في تقرير المصير كما قلت في البداية هو "حق كل الحقوق" لأنه حق الشعوب بأن تكون شعوباً، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وأن يكونوا أحراراً من أي تدخل.

قد يكون لدولة ما "سلطة" على وزارات أو تعليم أو خدمات، ولكن إذا كانت لا تتحكم بأراضيها ولا يمكنها حماية شعبها أو التقرير من يدخل أو يترك أراضيها أو لا يمكنها حتى ربط مناطقها بعضها ببعض، فأي دولة هذه؟ هذا جنون، ولهذا أشجب هذا التناقض لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

من ناحية تتحدث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن حل الدولتين، ولكن كيف نريد تطبيق ذلك؟ أقول إنهم يحتاجون (المجتمع الدولي) لبناء ذلك عن طريق التزام واحترام الدول للقانون الدولي. ونحن لسنا حتى قريبين من هذا. لم نكن بعيدين عن تحقيق حل الدولتين كما نجد أنفسنا الآن.

* في تقريرك تتحدثين عما سمّيته "نزع الفلسطينية" (de-Palestinianization) كما تعارضين استخدام مصطلح صراع لوصف ما يحدث في فلسطين. هل لك أن تشرحي؟

صحيح أن هناك صراعاً في الشرق الأوسط وربما حتى نوعاً من الحرب الباردة. وهناك كذلك عملية السلام وغيرها. ولكن ما تبقى منها ليس صراعاً بين طرفين. إنه قانونياً مختلف.

ولهذا أعتقد أنه علينا أن نكون أكثر دقة في اختيار مصطلحاتنا. وصحيح أن هذا الوضع تتخلله كذلك أعمال عدائية وصراعات، بما فيها تلك التي شهدناها مثلاً في غزة. ولكننا نتعامل هنا مع احتلال تحول إلى دولة فصل عنصري. لا يمكن لإسرائيل أن تدعي بأنها تقوم بالدفاع عن نفسها.

يخضع استخدام القانون لتنظيم صارم بموجب القانون الدولي. ويمكن أن يكون فقط بإذن من مجلس الأمن، وهذا لم يحدث هنا، أو كإجراء للدفاع عن النفس. ولكن عندما تحتل، وتحاول الهيمنة على شعب آخر وتعامله بوحشية، لا يمكنك الادعاء بأنك تقوم بذلك كدفاع عن النفس، فكل حياة تفقد، بما في ذلك مواطنوك، تقع مسؤوليتها على عاتقك.


الاحتلال الاستعماري الاستيطاني يعطي الفلسطينيين الحق في الدفاع عن النفس

وفي ما يخص "نزع الفلسطينية"، فإن هذا متأصل في طبيعة الاستعمار الاستيطاني. وأعني، مرة أخرى، أن هذا ليس شيئاً يمكنني كجزء من عملي (مقررة خاصة) التحقيق فيه، لأن التقارير تقتصر على الأراضي المحتلة عام 1967، ولكنني سأخون دوري كحقوقية إن لم أر الربط والاستمرارية بين ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفلسطين التاريخية، لأن هناك محاولة لمسح أي أثر للفلسطينيين، بما فيها تدمير القرى وعدم السماح للاجئين بالعودة.

وهذا النهج مستمر كذلك في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيه تدمير القرى وخلق أوضاع بحيث تصبح شروط العيش للفلسطينيين مستحيلة.

ومن ذلك هدم الرموز المعمارية أو الأثرية أو التاريخية واضطهاد من يحاول الحفاظ على المنهاج الدراسي الفلسطيني، واستهداف تاريخ الشعب الفلسطيني وتأطيره كشيء ضد إسرائيل. هذا إضافة إلى محاولة لتهجير الفلسطينيين وإخلائهم كسكان أصليين من أراضيهم، ناهيك عن تهجير اللاجئين (في الضفة وشرق القدس خصوصاً) الذين هُجّروا في عامي 1947 ـ 1948 من أراضيهم، واستبدالهم بمواطنيها (مستوطنين)، إنه الاستعمار الاستيطاني من دون منازع.

* تحدثت عن وجود قيود/ حدود في استخدام وصف النظام الإسرائيلي بنظام الفصل العنصري (أبارتهايد) ماذا تقصدين؟

هناك قيود من أجل أن نفهم أي نوع من الحل نريد. لا شك في أن إسرائيل تمارس جريمة حرب الأبارتهايد. ونلاحظ أن الدول حول العالم في حالة من الإنكار.

وعلينا أن نفكك العقلية الاستعمارية للدول لأنه في اللحظة التي ترى فيها الحقيقة لا يمكنك العودة وعدم رؤيتها. ولكن يجب القيام بمجهود كي يروا الواقع على حقيقته. ومن الواضح أن الانتشار الواسع النطاق والمنهجي للانتهاكات الإسرائيلية، التي يجسدها نظام الهيمنة هذا، سببه نية متعمدة وليس مجرد نتيجة للاحتلال.

يمكن أن يكون لديك احتلال عسكري، لا يترجم إلى فصل عنصري. لكن هذا احتلال غير قانوني جرى التنديد به. ويمكن أن تزيل نظام الفصل العنصري، ولكن تبقى هناك هيمنة أو حكم إسرائيلي للأراضي المحتلة. يجب أن تنسحب القوات كشرط مسبق. سينهار نظام الفصل العنصري في اللحظة التي تسحب إسرائيل فيها قواتها العسكرية من الأراضي، وتوقف دعم المستوطنات، وتوقف امتصاص الموارد الفلسطينية.

على سبيل المثال إذا توقف الأوروبيون عن تسويق المنتجات القادمة من المستوطنات فإن ذلك سيساعد. إنهم يضعون على المستهلكين عبء الالتزام بالمعايير الدولية والقانون الدولي.


من دون أن يكون الفلسطينيون أحراراً كشعب لا يمكنهم أن يكونوا أحراراً كأفراد

* ماذا عن القائمة الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان وتشمل أسماء الشركات التي لها كيان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هل هذه كافية؟

الضغط الذي مورس على المفوضة السامية لحقوق الإنسان كي تمتنع عن نشرها كان مهولاً. ولكنها نشرت القائمة في النهاية، بعد سنتين من اتخاذ القرار، أي في عام 2018. برأيي إسرائيل انتقمت من إصدار مكتب المفوضة لتلك القائمة عن طريق منع جميع العاملين الدوليين ضمن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان من دخول الأراضي الفلسطينية، وعدم منحهم تأشيرات منذ ذلك الوقت.

أعتقد أن هذا كان عملاً انتقامياً، لتنفيذ مكتب المفوض السامي القرار الذي صدر عن مجلس حقوق الإنسان. يجب أن يكون هناك وعي عام كي يجري التوقف والتعامل مع هذه الشركات. الكثير من هذه الشركات إسرائيلية، ولكن هناك الكثير من الشركات الدولية. وأتوقع أن يأخذ النقاش حول الموضوع حيزاً أكبر (في الدول الغربية) في ظل ازدياد الزخم حول نظام الأبارتهايد (الإسرائيلي).

* ولكن ما الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد الأوروبي مثلاً أو الدول الغربية؟

لقد أجرى سلفي، مايكل لينك، قبل سنوات دراسة خلصت إلى أن المستوطنات تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني. وهي غير قانونية كما تؤدي إلى خرق خطير للقانون الجنائي الدولي وهناك مسؤولية جنائية. كيف يمكن أن يُسمح للبضائع التي تنتج في المستوطنات غير القانونية وتخرق القانون الدولي دخول الأسواق العالمية؟

وهنا مجدداً تجري التضحية بحقوق الإنسان من أجل المصالح السياسية. وشخصياً أفضل تسميتها مستعمرات، كما في المصطلح الفرنسي، وليس مستوطنات لأنها مستعمرات، وعلينا ألا نعقم اللغة، بل أن نصف الأشياء كما هي، وأدرك أن هذه لغة جديدة (مستوطنات) ولكنها خاطئة.


نقل بعض الدول سفاراتها إلى القدس تواطؤ مع الجرائم الدولية

* في تقريرك للجمعية العامة تحدثت عن التغييرات الشاملة في التقييم والمداولات، وقلت إنه يجب مراعاة الطبيعة الاستعمارية للاحتلال. ما الذي قصدته؟

قمت بانتقاد التوجهات الحالية (الدولية في ما يخص التعامل مع الملف الفلسطيني) وعلى مستويات عدة، منها السياسي الذي يتحدث عن ضرورة "التفاوض" أولاً، وتطرقت لهذا في إجابتي السابقة. وهناك توجه أو نهج اقتصادي، والاعتقاد أن الازدهار الاقتصادي سيحل الأمر، ولكن هذا توجه فوقي. وهناك التوجه الإنساني، ويريدون تقديم المساعدات للفلسطينيين، لكن ما يريده الفلسطينيون هو حقوقهم.

وكثيراً ما تربط هذه "المساعدات" بشروط معينة كعدم الانخراط في نشاط سياسي وأجد أن هذا مهين، خصوصاً في الوضع الحالي. نلاحظ من جهة المانحين (يقدمون المساعدات) ولكنهم غير منخرطين في التوصل لحل سياسي، أي أنهم لا يقومون بواجبهم، بما فيه عدم التزامهم بالقانون الدولي. لا يتخذون أي إجراءات، (ضد إسرائيل) ومرة أخرى يقع العبء على عاتق الفلسطينيين، لكنهم لا يستطيعون التحرك وإلا سيفقدون مساعدات المانحين.

وإذا نظرنا إلى كل هذا، فما أردت القيام به من خلال تقريري (أمام اللجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة) هو كشف نفاق المجتمع الدولي والقول إن هناك حاجة ماسة للتغيير. وما داموا مستمرين في الحديث عن "الصراع" والدعوة إلى "التفاوض" و"التنمية" فإنهم يفوتون الأمر الأساسي، وهو احتلال استعماري استيطاني ويجب أن نتعامل معه كما هو. إنه عنف ضد شعب آخر ويعطيهم الحق في الدفاع عن النفس ويرفض الادعاء الإسرائيلي بالحق في الدفاع عن النفس.

نبذة مختصرة

فرانشيسكا ألبانيز حقوقية وباحثة إيطالية اختيرت مقررة خاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل مجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار الماضي. وهي باحثة منتسبة إلى معهد دراسة الهجرة الدولية في جامعة جورجتاون الأميركية، وكبيرة المستشارين المعنية بالهجرة والتشريد القسري.

لها العديد من المقالات حول القضية الفلسطينية. وصدر كتابها الأخير "اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي" (مطبعة جامعة أكسفورد، 2020). عملت لسنوات مختصة وخبيرة في مجال حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية وقضايا أخرى.