فاليري زالوجني... جنرال النصر الأوكراني

07 أكتوبر 2022
زالوجني عشية الغزو الروسي في كييف، فبراير الماضي (يوليا أوفسيانيكوفا/Getty)
+ الخط -

يتردد في وسائل الإعلام الأوكرانية والدولية منذ عدة أشهر اسم الجنرال الأوكراني فاليري زالوجني، بوصفه "رجل الحرب"، الذي تنبأ بالغزو الروسي قبل عام من وقوعه. وينسب له الكثير من المراقبين والخبراء الفضل في إفشال الخطة الروسية في الاستيلاء على العاصمة كييف مع بدء الغزو في 24 فبراير/شباط الماضي، وكان هدفها الأساسي إسقاط الحكم في هذا البلد، وإعادة إلحاقه بروسيا مثلما كان عليه الوضع قبل عام 2014.

وفي 12 فبراير الماضي، حين كانت التقارير الاستخباراتية الأميركية تؤكد اقتراب موعد غزو أوكرانيا، خاطب زالوجني القوات الروسية المنتشرة على حدود بلاده بالقول: "أهلاً بكم في الجحيم"، مؤكداً أن "420 ألف جندي أوكراني، بمن فيهم القادة، مستعدون للموت".

وكلما تقدم الوقت، أخذت الحرب في أوكرانيا شكلاً جديداً، لكن الثابت فيها حتى الآن هو أن القوات الأوكرانية استعادت المبادرة على الأرض منذ عدة أشهر، وبدأت النتائج بالظهور شيئاً فشيئاً. ومنذ مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعطى الهجوم الأوكراني المضاد مفعوله، وساهم في تحرير مساحات واسعة من الأراضي.

ولا يزال الهجوم متواصلاً وتتسع رقعته، كما حصل مع تحرير مدينة ليمان الاستراتيجية السبت الماضي، ومن المرجح أن يتحول إلى رأس جسر للمواجهة الكبرى المقبلة في الأراضي التي أعلنت روسيا عن ضمها، وهي تشكل 20 في المائة من مساحة أوكرانيا.

تنبؤات زالوجني للمرحلة المقبلة من الحرب

شعر قائد الجيوش الأوكرانية الجنرال زالوجني بالقلق من نتيجة الحرب، حين يتحدث بصدق عن الموقف الميداني، الذي يعتبره حساساً ومعقداً وقابلاً للتحسن، تبعاً لوضع قوات بلاده التي تحتاج، أكثر من أي وقت مضى، لدعم غربي. وهو يرى أن الحرب لن تنتهي في هذا العام بأي حال من الأحوال، بل ستتجه نحو مرحلة جديدة من المواجهة يصعب التكهن بشكلها ومآلاتها.

ويرى الرجل الذي تنبأ بفشل الهجوم الروسي الخاطف على كييف، أن الصراع سيكون طويل الأمد، وستتخلله خسائر بشرية ومادية هائلة. وبقدر ما يبتعد عن التنبؤ بنتيجة نهائية للنزاع، فإنه حاسم لجهة عدم تقدم الروس.

منع زالوجني سقوط كييف بيد الجيش الروسي في بدايات الغزو

وفي مقال نادر لـ"وكالة الأنباء الأوكرانية الوطنية" (أوكرينفورم)، حذر العسكري الذي يوصف بقليل الكلام، ولكن الموهوب للغاية، من أن نزاعاً نووياً "محدوداً لا يمكن استبعاده بالكامل، وبالتالي يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة".

ورصد المقال الذي استعرض الأشهر الستة الأولى من الحرب، الأشكال التي يمكن أن تتخذها الحرب في المستقبل. وشارك في كتابته مع الليفتنانت جنرال ميخايلو زابرودسكي، النائب الذي يرأس اللجنة العسكرية في البرلمان الأوكراني.

الجنرال البالغ من العمر 49 عاماً، هو أحد الذين تحدثوا مبكراً عن الحرب الروسية على أوكرانيا في سبتمبر 2021، بعد شهرين على تعيينه قائداً للجيوش الأوكرانية، بوصفه أحد العارفين باتجاهات النزاع المسلح، من موقعه كعسكري محترف تولى العمليات العسكرية ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق، بدءاً من عام 2014.

وبفضل خبرته الميدانية، يُعدّ زالوجني أحد المهندسين الرئيسيين لتحرير أجزاء واسعة من بلاده في الهجوم المضاد الأخير، الذي شنته قوات بلاده في مطلع الشهر الماضي. وتولى إعلان هزيمة القوات الروسية: "لقد عدنا إلى بيوتنا الآن، ولن نعطيها لأي شخص"، هذا ما قاله على صفحته على "فيسبوك"، التي تضم نحو نصف مليون متابع. وبعد ساعات قليلة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحرير أكثر من 6 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية في الشرق والجنوب.

وينسب الأوكرانيون لزالوجني الفضل في إفشال محاولات الجيش الروسي إسقاط كييف في وقت مبكر من الهجوم في فبراير الماضي. وبفضل المقاومة الشرسة للقوات الأوكرانية، سحبت موسكو قواتها من محيط كييف للتركيز على الشرق. ونشر زالونجي على "فيسبوك"، بعد أسبوعين من بدء الغزو، الخطط الروسية لـ"الحرب الخاطفة" لتغيير حكم أوكرانيا و"توجهها الجيوسياسي".

وقال: "بغض النظر عن مدى صعوبة الأمر بالنسبة لنا، هذه الحرب لن تكون عاراً علينا بالتأكيد". وقد أدى التراجع الروسي عن دخول كييف إلى رفع ثقة الأوكرانيين بجيشهم، إلى مستوى قياسي بلغ 97 في المائة حسب استطلاعات الرأي. "إنها ليست ثقة في شخصيته، ولكن في القوات المسلحة"، بحسب النائب سيرغي راخمانين، عضو لجنة الدفاع.

إلا أنه بعد مضي سبعة أشهر على هذه الحرب جعلت المقاومة الأوكرانية من هذا الجنرال أحد أكثر الشخصيات شعبية في أوكرانيا، ولم يكن ليصل إلى ما وصل إليه، لو لم يطور دفاعاً فعالاً خلال الأشهر الأولى للحرب باستخدام موارد محدودة، وبدقة لتحقيق الاستقرار في خطوط المواجهة.

وتحدثت وسائل إعلام أوكرانية عن أن عيد ميلاده التاسع والأربعين في 8 يوليو/تموز الماضي تحول إلى تعبير جماعي عن الحب، إذ غمره الأوكرانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالثناء. حتى أن شعبيته جلبت له، وفقاً للعديد من وسائل الإعلام، غيرة حاشية الرئيس، على الرغم من أن زالوجني لم يعرب قط عن طموحات سياسية.

وتجدر الإشارة إلى أنه في أوائل الشهر، انتقد زيلينسكي للمرة الأولى قرار جيشه، الذي أعلن فرض قيود على حركة الاحتياط بين المناطق. ومع ذلك، فقد قلل الأخير على الفور من تأثير هذا النقد، مؤكداً أنه كان "تفصيلاً، لا شيء على الإطلاق"، مشدّداً على أنه "ليس هناك سوء تفاهم بيني وبين الأركان".

وقال: "نحن نظهر وحدة كبيرة في مواجهة التهديد الروسي"، وهذه هي الإشارة إلى وجود قرار للعسكر في مجرى النزاع مع روسيا، ما يعني أهمية ودور المؤسسة العسكرية.

أناتولي أوكتيسوك: زالوجني وطني وليس فاسداً وتلقى تعليماً جيداً، خصوصاً في الغرب".

وحتى لو لم يجر أي مقابلة منذ بداية الغزو الروسي، فإن ذلك لم يمنع الصحافة الأوكرانية من التركيز على زالوجني، الذي أطلقت عليه لقب "الجنرال الحديدي". وتتحدث عنه وسائل إعلام أوكرانية، ومنها "كييف بوست"، أنه بات يحضر في كل مكان في أوكرانيا، حتى في ألعاب الأطفال، والمجلات النسوية، مثلما حصل في الطبعة المحلية من مجلة الموضة "فوغ"، التي خصصت مقالاً لما وصفته بـ"الشخصية الأسطورية".

واعتبر وزير النقل السابق فولوديمير أوميليان على "فيسبوك" أنه "بفضل القائد العام للقوات المسلحة زالوجني، عادت ثقتنا بأنفسنا وبانتصارنا".

وصنّفت مجلة "تايم" الأميركية زالوجني واحداً من 100 شخصية مؤثرة في العالم في العام الحالي. وكتب رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي: "فاليري زالوجني أصبح الروح العسكرية التي تحتاجها بلاده"، مؤكداً أن التاريخ "سيسجل ذلك".

وبالنسبة لمحلل مركز الديمقراطية الأوكراني أناتولي أوكتيسوك، فإن زالوجني "مؤهل لقيادة الجيش والتخلص من العقلية السوفييتية القديمة". وأشاد به لثلاثة أسباب: "إنه وطني وليس فاسداً وتلقى تعليماً جيداً، خصوصاً في الغرب".

بدايات فاليري زالوجني 

ولد فاليري زالوجني في 8 يوليو 1973 في حامية عسكرية سوفييتية في نوفوغراد فولينسكي، شمال غربي أوكرانيا. وكانت خطواته الأولى نحو العسكرية في سن العشرين، في معهد القوات البرية في أوديسا.

هو نجل جندي، غادر من أسفل السلم ليصبح في أعلى المراتب كونه أحدث ثورة في العقيدة العسكرية بأوكرانيا، بعد أن وضع جانباً جمود العقيدة السوفييتية، ودفن التراث السوفييتي، باعتماد أساليب القيادة الحديثة وفق نظريات حلف شمال الأطلسي، التي تعتمد على أسلحة حديثة، ووحدات متحركة صغيرة وأهداف واضحة تسمح في مرونة حركة الجنود ميدانياً.

زالوجني للقوات الروسية في 13 فبراير الماضي: أهلاً بكم في الجحيم

وكانت هذه هي عقيدة زالوجني منذ أن تولى قيادة القوات المسلحة في بلاده، عبر إعطاء الأولوية لإصلاح الجيش. ولذلك أعاد تشكيله من أسفل، وراهن على ذوي صغار الرتب العسكرية، المتعلمين البارعين في التكنولوجيا، ويمكنهم التحدث بلغة أجنبية. وهو أب لابنتين، إحداهما جندية في حامية كييف.

يصفه جنوده بأنه رجل بسيط وصريح، وقلق على سلامتهم، ويريد التخلص من الخرائط والأوامر المكتوبة وإعداد قواته لما ينتظرها حقاً. ولهذا السبب يجيدون التعامل مع طائرات "بيرقدار" التركية وصواريخ "جافلين" الأميركية المضادة للدبابات.

ويدعو زالوجني إلى مضاعفة القوات لعكس اتجاه الحرب، ولا يرى سوى طريقة واحدة: "سيتعين على الجيش الأوكراني شن عدة هجمات مضادة متتالية ومتزامنة بشكل مثالي خلال عام 2023". وهذا يتطلب من أوكرانيا إنشاء فرقة أو أكثر، تتألف كل منها من عشرة إلى عشرين لواء. وفي الوضع الحالي، يمكن القيام بذلك حصرياً عن طريق استبدال الأنواع الرئيسية من الأسلحة المتاحة للألوية الموجودة، بمعدات حديثة يقدمها الشركاء الغربيون.

وبغض النظر عن ذلك، يجدر التأكيد على الحاجة إلى اقتناء المزيد من الصواريخ والذخيرة وأنظمة المدفعية وقاذفات الصواريخ. وكل هذا سيتطلب جهوداً مشتركة من جميع الدول الشريكة، وسيستغرق قدراً كبيراً من الوقت والموارد المالية.

وهناك شيء واحد مؤكد هو أن روسيا متفوقة عسكرياً على أوكرانيا. وهذا أمر يدركه زالوجني، ويعرف أنه من المستحيل حرمان العدو من مثل هذه الميزة الهامة على الفور، بالنظر إلى حجم الموارد المتاحة للجيش الروسي، وبالتالي إن احتمال إبطال مفعولها بالكامل يكاد يكون معدوماً.

ومع ذلك، سيكون من الممكن تماماً مواجهة روسيا إذا حصلت أوكرانيا على قدرات مماثلة. ومن أجل ذلك، يتعين على الشركاء الغربيين تزويد أوكرانيا بأنظمة التسلح والذخيرة المناسبة. حينها ستكون آفاق عام 2023 مختلفة تماماً.

المساهمون