فجأةً، باتت محافظة شمال سيناء المصرية هادئة أمنياً، بعد ثماني سنوات من ضوضاء الحرب بين تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" وقوات الأمن المصرية. فمنذ ثلاثة أشهر تقريباً، لم تسجل سوى هجمات معدودة في كافة مدن المحافظة، للمرة الأولى منذ عام 2013، ما يشير إلى تراجع ملحوظ في عمل التنظيم أو قد يكون تجميداً مؤقتاً لنشاطه، وهو الأمر الذي كان يحدث لفترات قصيرة قبل ذلك، وفق مراقبين للأوضاع في سيناء. وقال أحد هؤلاء المراقبين لـ"العربي الجديد": "يشعر المواطنون في سيناء بغياب التنظيم لفترة، من ثمّ يعود مجدداً أقوى من ذي قبل، إلا أنه في هذه المرة غاب نشاطاً وحضوراً، إذ لم تعد تسجل مشاهدات لعناصر التنظيم في غالبية مناطق شمال ووسط سيناء كما جرت العادة طيلة السنوات الماضية، ما يشير إلى انسحاب قد يكون تكتيكياً للتنظيم، أو انتهاء حضوره في المنطقة".
قوات الجيش والشرطة باتت تعمل بأريحية كبيرة
وكانت مصادر قبلية تعمل مع قوات الجيش المصري في سيناء، قد كشفت عبر منابرها خلال الفترة الأخيرة، عن تسليم عدد من أفراد التنظيم أنفسهم لقوات الأمن، وكذلك فرار عدد آخر في اتجاهات متعددة داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى تعرض التنظيم لخسائر بشرية، بالتزامن مع نقص في الإمداد والتمويل.
وتعقيباً على ذلك، قال مصدر قبلي من شمال سيناء لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الجيش والشرطة باتت تعمل بأريحية كبيرة، وهذا ما نلاحظه في شكل انتشارها العسكري على الكمائن (الحواجز) والمواقع العسكرية، ولم يعد هناك قلق وحذر على مدار الساعة من إمكانية وقوع هجمات من قبل تنظيم ولاية سيناء. كما نلاحظ ذلك في طبيعة تعامل قوات الجيش مع المواطنين، إذ إن هناك تسهيلات لمرور المواطنين عبر الكمائن، مع بعض الإجراءات الروتينية التي تسير بشكل طبيعي يومياً، وكذلك السماح لعشرات المواطنين بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم الزراعية في مناطق متفرقة من شمال سيناء خلال الفترة الأخيرة، بينما كانت قوات الجيش سابقاً تطلق النار على كل من يتحرك خارج منزله، في حين أنه اليوم يمكن للمواطن التحرك في القرية والحي بشكل طبيعي، ويمر عبر الكمائن العسكرية في حال أراد الخروج إلى مناطق أبعد".
وأضاف المصدر أن "مشاهد انتشار مسلحي التنظيم في الطرقات والمفترقات كما كان الحال سابقاً، لم تعد موجودة، فالسبب يعود إما إلى أن التنظيم أعاد انتشاره خارج الكتل السكانية والمناطق التي يتحرك فيها المواطنون، وربما في مناطق في الظهير الصحراوي لمدن شمال سيناء، أو أن هناك تراجعاً حقيقياً في عدد أفراد التنظيم وبالتالي يقتصر انتشار مجموعاته على مناطق محددة". وأوضح أنه "على صعيد مدن رفح والشيخ زويد والعريش، هناك انخفاض ملحوظ في مشاهد ظهور عناصر التنظيم، وهذا ما يشعر به سكان تلك المناطق كافة، بينما باتت حركة المواطنين بين مدن المحافظة أكثر سهولة ويسراً مما كانت عليه سابقاً. كذلك، تُلاحظ عودة الحياة إلى طبيعتها إلى حد كبير على صعيد حركة فتح المحال التجارية والمطاعم وإحياء المناسبات الاجتماعية في مدن المحافظة، بعد سنوات من الإغلاق والتشديد".
مشاهد انتشار مسلحي التنظيم في الطرقات والمفترقات لم تعد موجودة
وكان التنظيم الإرهابي قد شن مئات الهجمات ضد قوات الجيش والشرطة في كافة مدن شمال سيناء على مدى سنوات، أدت إلى مقتل وإصابة مئات العسكريين والمدنيين. وكانت بعض الأسابيع تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في هجمات التنظيم، من ثم تمر المنطقة بفترة هدوء تتخللها بعض الهجمات ذات القدر المنخفض من الخسائر البشرية والمادية، إلا أنه في هذه المرة غاب نشاط التنظيم وحضوره بشكل تام عن المشهد، في سابقة غير معهودة لدى الأمن والسكان، ما يدفع للسؤال حول خطة التنظيم في هذه المرحلة للتعامل مع الوضع الجديد في سيناء المتمثل في حركة بناء وتعمير غير مسبوقة.
وتعقيباً على ذلك، قال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، لـ"العربي الجديد"، إن "تذبذب نشاط تنظيم ولاية سيناء من الناحية العسكرية، هو أمر عهدناه طيلة السنوات الماضية، ولكن لا يمكن إخفاء تراجع أداء التنظيم خلال الفترة الأخيرة، إذ لا يوجد زخم في نشاطه الميداني. ومع ذلك، ما زال يحتفظ بالحد الأدنى من العمل، مع غياب الكثافة والعمليات النوعية منذ أشهر طويلة". وعبّر أبو هنية عن اعتقاده بأن خفوت نشاط التنظيم "يعود إلى أنه يحاول الاقتصاد في استخدام القوة المتبقية لديه، بما يضمن له الحفاظ على نفسه من الاندثار، فضلاً عن محاولته لملمة هياكله التنظيمية بشكل مستمر". وأضاف أن "الثابت في هذه المرحلة أن التنظيم في مرحلة واضحة من تراجع الأداء، بل قد تكون أكثر المرات التي يضعف فيها بهذا الحجم، ويتدنى فيها مستوى عملياته ضد قوات الأمن المصرية في شمال سيناء".
التنظيم يحاول الاقتصاد في استخدام القوة المتبقية لديه
ورأى أبو هنية أن هذا التراجع "متوقع في ظلّ عمل التنظيم في منطقة محدودة جغرافياً، وفي بيئة محدودة الموارد، إلا أنه ما زال تنظيماً حياً لم ينته، وهنا يكمن الخطر". ولفت إلى أنه "في ظل عمليات إعادة الإعمار للبنى التحتية وإطلاق المشاريع الاستراتيجية في شمال سيناء، فإن ذلك يساعد على إنهاء وجود أي حاضنة اجتماعية لوجود التنظيم الإرهابي في المحافظة، لأن الإرهاب مرتبط بشكل أعمق بالتنمية والمسار السياسي. كما أن غياب العدالة والفوضى يشكلان بيئة خصبة للجماعات الإرهابية لتترعرع، وكلما تقدمت مسارات التنمية انخفضت قدرة هذه الجماعات على الاستقطاب والتجنيد، وبالتالي فإنها تبقى في انتظار ظروف مثالية تكون أسهل لعملها".