غموض يلف الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في تونس

حالة غموض تضفي شكوكاً حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في تونس

03 يونيو 2023
يجري الحديث عن الانتخابات في تونس في ظل أزمات اقتصادية وسياسية داخلية (فرانس برس)
+ الخط -

تلف الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في تونس حالة غموض وارتباك، في ظل عدم وضوح في المواعيد والتشريعات، رغم استعدادات هيئة الانتخابات الوقتية.

وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للانتخابات محمد التليلي، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ الهيئة تعمل حالياً على التحضير لانتخابات المجالس المحلية، المزمع عقدها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مضيفاً أنّ "الهيئة تعوّدت تاريخياً على إجراء الانتخابات في شهر أكتوبر، حيث الطقس المعتدل، وبالتالي يؤمل أن يساهم ذلك في رفع نسب المشاركة".

ولفت إلى أنّ "هذه الانتخابات غير مسبوقة في تونس، وستجرى لأول مرة بـ2155 دائرة انتخابية، وهو رقم ضخم، مقارنة بالانتخابات البلدية التي جرت على 350 دائرة كأقصى حد، ولذلك فهي مهمة، لأنها انتخابات مباشرة من عموم المواطنين لمن يمثلهم، وهي تمهيد لانتخابات مجالس الجهات والأقاليم، حيث لا يمكن الوصول إليها إلا بانتخابات محلية".

وأشار إلى أنه "لا بد من وجود تزامن بين انتخابات الغرفة الثانية (مجلس الجهات والأقاليم) والغرفة الأولى، أي البرلمان، دون فارق زمني كبير بينهما". وبيّن أنّ "مجلس نواب الشعب انطلق في مارس/ آذار، وإطالة الموعد قد تعطل النظر في قوانين اقتصادية ومخططات التنمية التي تتطلب المصادقة الثنائية بين الغرفتين".

وحول سد الشغور بالبرلمان، قال التليلي إنّ لقاء جمع الهيئة ورئيس البرلمان إبراهيم بودربالة حول هذه المسألة، موضحاً أنه "لا يمكن النظر في سد الشغور إلا بعد معاينة من قبل مجلس النواب خلال جلسة عامة، ثم يراسل الهيئة لعقد انتخابات جزئية"، مضيفاً "القانون واضح، وحدد 3 أشهر من فترة معاينة الشغور، والهيئة جاهزة وتنتظر فقط المعاينة".

وبيّن أنّ "من بين الإشكاليات وجود شرط حصول كل مترشح على 400 تزكية، لكن المسألة بيد مجلس نواب الشعب، فإما الإبقاء على نفس الشروط أو تغييرها.. سيكون للهيئة والخبراء رأي في ذلك".

وانطلق البرلمان التونسي في العمل، منذ 13 مارس/ آذار الماضي، بـ153 نائباً فقط من أصل 161 عضواً منصوصاً عليه في دستور 2022، أي منقوصاً من 7 نواب يمثلون دوائر الخارج، بالإضافة إلى نائب ثامن سجن يوم الافتتاح.

ولم تجر الانتخابات التشريعية في 7 دوائر بالخارج بسبب عدم تمكن أي مترشح من جمع 400 تزكية خصوصاً في دوائر أفريقيا وآسيا التي تضم عدداً محدوداً من المهاجرين التونسيين.

ويقف تنقيح القانون الانتخابي الذي صاغه الرئيس التونسي قيس سعيّد بمفرده في سبتمبر/ أيلول 2021، عقبة أمام سد الشغورات، حيث يخشى البرلمان معاينة الشغور وتنظيم انتخابات جزئية يصعب الترشح لها بنفس المرسوم كما رأت المنظمات المختصة في الشأن الانتخابي.

وقال رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" بسام معطر، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنه "من الصعب إنجاز انتخابات محلية أو انتخابات تشريعية جزئية في بداية الخريف المقبل، وإذا كان القصد تنظيمها في نهاية الخريف أي شهر ديسمبر/ كانون الأول فإنّ 6 أشهر كافية لإعداد العدة لإنجاز انتخابات، علماً وأنه لم يتم استكمال تقسيم العمادات مع التقدم الذي أعلنته الهيئة".

وحول إمكانية إنجاز انتخابات تشريعية جزئية بيّن معطر أنه "لا يمكن ذلك في ظل القانون الانتخابي الحالي، والمطلوب تعديله لإيجاد حل"، مضيفاً أنّ هذا الحل سيكون صعباً لأنه سيخلق فروقات بين النواب الذين وصلوا عبر مرسوم انتخابي بكل جزئياته". وأوضح أنه وفق المرسوم لا يمكن في الوقت الحالي إنجاز انتخابات جزئية في دوائر الخارج السبع لعدم إمكانية جمع تزكيات 400 ناخب.

ولفت إلى أنّ "تغيير القانون الانتخابي لتلك الدوائر سيطرح إشكالاً قانونياً في مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين النواب المنتخبين والنواب الجدد الذين سيترشحون في الانتخابات الجزئية".

ولفت معطر إلى أنّ "تنقيح القانون الانتخابي أصبح مسؤولية النواب"، مبيناً أنّ "مجلس النواب هو من يصادق على هذا القانون ولكن يمكن لرئيس الجمهورية أن يقدم تعديلاً، كما يمكن لـ10 نواب تقديم مبادرة لتعديل المرسوم الانتخابي".

وحول تنظيم الانتخابات الرئاسية بيّن معطر أنها "تخضع للقانون الانتخابي السابق الصادر في 2014 والمنقح في 2017"، موضحاً أنّ "تعديل القانون الانتخابي في ما يخص تنظيم انتخابات الرئاسة حتى يتلاءم مع دستور 2022 يجب أن يخضع لمصادقة مجلس نواب الشعب".

وبينت نائب رئيس البرلمان المكلفة بالإعلام والاتصال سيرين المرابط، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ "مكتب المجلس لم يطرح بعد مسألة سد الشغورات ولم يجتمع بعد حول موضوع الانتخابات التشريعية الجزئية".

وحول إمكانية تعديل القانون الانتخابي، قالت المرابط إنّ "تنقيح المرسوم الانتخابي ليس مطروحاً في الوقت الحالي".

من ناحيته، قال القيادي بجبهة الخلاص الوطني المعارضة، ورئيس اللجنة الانتخابية بالبرلمان المنحل عن حركة النهضة، بدر الدين عبد الكافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "هيئة الانتخابات لا مصداقية لها بدليل ما حدث في القانون الانتخابي السابق، حيث خضعوا في النهاية لما أملاه رئيس الجمهورية، وللأسف هذه الهيئة ليست صاحبة قرار حتى تعلن عن مواعيد كما كانت الهيئة سابقاً، وبالتالي ما تم إعلانه من قبل المتحدث باسم الهيئة لا يعدو عن كونه تخمينات لمحلل وليس رأياً يعتد به".

وأضاف عبد الكافي أنّ "العودة للصندوق هي المبدأ بين المختلفين والمتنازعين في نفس البلد، ولكن ذلك يقتضي شروطاً وفق المعايير الدولية والمواثيق بما يوفر شروط المنافسة ويحمي إرادة الناخب، كما يتطلب ذلك هيئة مشرفة تتسم بالمصداقية والنزاهة وتكون مستقلة عن جميع المتنافسين، ويضاف إليها القانون الانتخابي المنظم الذي يجب أن يؤمّن كل ذلك".

وشدد القيادي المعارض على أنّ "كل هذه الشروط غير متوفرة في الوضع التونسي بسبب اتجاه قيس سعيّد للسطو على كل السلطات، سواء التنفيذية أو التشريعية، وبسبب الظروف الراهنة التي تلاحق فيها رموز المعارضة بتهمة التآمر، وفي ظل محاصرة المعارضين ومقرات الأحزاب وفي مقدمتها حزب النهضة وحزب الإرادة".

وتابع أنّ "المعارضة، برغم ما وقع في البلاد من انقلاب على الدستور، إلا أنها تطلب العودة إلى الصندوق بانتخابات سابقة لأوانها"، مشدداً على أنّ "الانتخابات المبكرة ضرورة لإنقاذ البلاد".

وأكد أنه "في غياب كل هذه الشروط لا معنى لهذه الانتخابات، وهذه المواعيد هي تكريس لنفس المسار.. وبالتالي ستكون انتخابات 8 أو 10% ولا تعبر عن إرادة الناخبين".

ورجحت المتحدثة باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، مريم الفرشيشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ "المواعيد الانتخابية المعلنة من قبل هيئة الانتخابات يمكن تحقيق بعضها في الآجال المحددة وقد لا يتم البعض الآخر، وبخصوص سد الشغورات في مقاعد الخارج قد يصعب تنظيمها نظراً لقلة المترشحين في تلك الدوائر والشروط المفروضة على الناخبين، إلا إذا تم التلاعب بالشروط الانتخابية وتم التساهل لضمان أكبر عدد من المترشحين".

وتابعت أنّ "الانتخابات المحلية سيصعب تنظيمها بسبب تعدد الدوائر الانتخابية والعزوف الملحوظ وعدم الاكتراث بالحياة السياسية في المجتمع التونسي". 

وقالت: "لا نظن أنّ السلطة القائمة اليوم جادة في الدعوة لهذه الانتخابات لتخوفها من ضعف المشاركة ومما ستفرزه الانتخابات التي قد لا تكون في المسار الذي تسعى إلى فرضه اليوم".

ورجحت الفرشيشي أن "تجرى الانتخابات الرئاسية في آجالها لأنّ الشعب ينتظرها ويرى فيها فرصة للانفراج من وضع البلاد البائس، دون نسيان الضغط الخارجي الذي يراقب المشهد التونسي وليس من صالحه عدم تنظيمها في مواعيدها".

وتوقعت الفرشيشي "ضعف الإقبال في الانتخابات الجزئية والمحلية المقبلة بسبب فقدان ثقة المواطن التونسي في هذه المؤسسات"، مضيفة: "وعلى العكس من ذلك قد تعرف انتخابات الرئاسة إقبالاً إذا وقعت في ظروف تنافسية وشفافة ولم يتم التلاعب بالقانون الانتخابي وشروط الترشح".

وقالت إنّ "الأمل المتبقي للناس هو انتخاب شخصية سياسية قادرة على إخراج البلاد من أزمتها".