استمع إلى الملخص
- تقييم العمليات العسكرية: وفقاً للخبير العسكري عامر الحسن، تمثل التحركات الأخيرة عملية هجومية كاملة تشمل مواجهات خارج ولاية الخرطوم، بهدف تطهير مركز الدولة السودانية وتأمين المناطق الاستراتيجية.
- ردود فعل قوات الدعم السريع: نفت قوات الدعم السريع تحقيق الجيش أي نجاحات، مشيرة إلى تصديها للهجمات ونشرت مقاطع فيديو تظهر جثث القوات المهاجمة، واتهمت الجيش بقتل المواطنين وتدمير منازلهم.
يكتنف الغموض نتائج كبرى المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تجري في العاصمة الخرطوم وسط صمت رسمي من قبل الطرفين.
وكان الجيش السوداني بدأ تحركاً ميدانياً نادراً، فجر الخميس الماضي، انطلاقاً من معسكراته في مدينة أم درمان عبر ثلاثة جسور رئيسة، هي الحلفايا الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري وجسرا النيل الأبيض والفتيحاب الرابطتان بين أم درمان والخرطوم، وذلك بغية إعادة السيطرة على وسط مدينة الخرطوم والربط بين معسكراته في أم درمان ومعسكرات أخرى موجودة في قلب المدينة، مثل قيادة الجيش وسلاح المدرعات وهما من المناطق العسكرية التي ظلت منذ الأشهر الأولى للحرب معزولة عن بقية المناطق، وهما معرضتان أيضاً لحصار قوات الدعم السريع، والهدف ذاته هو ما أراده الجيش بانفتاحه عبر جسر الحلفايا لإعادة السيطرة على بحري وفك حصار سلاح الإشارة ومعسكرات أخرى.
الجيش في عمليته تلك، المستمرة إلى اليوم السبت، استخدم كل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة بإسناد جوي كثيف من سلاح الطيران والقصف المدفعي بعيد المدى، كما جمع أكبر قوة له من المشاة مدعومة من متطوعين والكتائب المساندة.
وحاول الجيش في تحركه شغل قوات الدعم السريع بمعارك أخرى بولاية الجزيرة وسط السودان، وسنار جنوب شرق، والحدود الجنوبية لولاية نهر النيل شمال البلاد، فيما حاولت قوات الدعم السريع شغل الجيش بمعارك في منطقة الفاو شرق السودان.
وتمكن الجيش فعلياً من عبور الجسور الثلاثة في الخرطوم، فجر الخميس، ودارت معارك عنيفة بعد مواجهته تكتيك نشر القناصين من قبل قوات الدعم السريع في البنايات العالية وأطراف الشوارع لتحدث عمليات كر وفر، فيما تظل النتائج النهائية للمعارك في حالة تضارب للروايات، ولا سيما مع قطع شبكة الاتصالات في الخرطوم ومحاولة كل طرف تأكيد انتصاره وتقدمه، وكل ذلك وسط صمت كبير من الطرفين وعدم إصدارهما أيَّ بيانات رسمية.
وشملت ساحات المعارك منطقة المقرن بالخرطوم، محيط سلاح المدرعات، حي الشجرة في الخرطوم، منطقة الحلفايا والكدرو في الخرطوم بحري ومنطقة حجر العسل، واستمرت المعارك طوال أمس الجمعة وصباح اليوم السبت، إذ وردت معلومات عن قصف جوي عنيف من الجيش، اليوم، على تمركزات "الدعم السريع" في عدد من المحاور، ولا سيما منطقة المقرن ووسط الخرطوم، وأنباء عن قصف على نقاط مهمة في تلك المواقع.
ويوضح الخبير العسكري العميد المتقاعد عامر الحسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن التحركات الأخيرة للجيش السوداني انطلاقاً من أم درمان باتجاه مدينتي الخرطوم وبحري "هي في حقيقتها عملية هجومية كاملة تشمل مواجهات القتال خارج ولاية الخرطوم، مثل تحرك القوات في شمال دارفور بغرض السيطرة على مدن الولاية المؤثرة في خط إمداد التمرد بين مدينة الجنينة الحدودية ومدينة الفاشر عاصمة الإقليم، التي صدت أكثر من 135 هجوماً عليها وأحدثت خسائر مدمرة لقوات الدعم السريع الصلبة بالإقليم في معركة دفاعية أديرت بنجاح وتنسيق"، يشمل قيادة الفرقة السادسة والقوات المشتركة التي دخلت، اليوم السبت، إلى محلية كلبس، أحد أهم المحليات بالولاية والإقليم.
وأضاف العميد المتقاعد أن الإشارة لموقف الجيش السوداني في إقليم دارفور "هدفه توضيح أن التحول من الدفاع للهجوم، هو الملمح البارز في أغلب جبهات القتال بالنسبة للجيش السوداني"، وعد عمليات الخرطوم الهجومية قوية ومؤثرة لأنها "تستهدف تطهير مركز الدولة السودانية، وتدور معاركها في أكثر من قطاع حضري يضم مؤسسات حساسة للدولة بجانب صعوبة القتال في المناطق المبنية ذات الارتفاعات العالية والتسليح الخرساني الذي يجعل المدافع في وضع أفضل من المهاجم"، مبيناً أن العملية الهجومية في الخرطوم انطلقت من خمسة محاور رئيسية مهمة ولأهداف منسقة فيما بينها، مضيفاً أن "أول تلك المحاور هي قوات كرري بأم درمان عبر كبري الحلفايا بغرض الدخول إلى مدينة بحري ومساعدة قوات المحور الثاني بمعسكري الكدرو وحطاب في تطهير مدينة بحري الاستراتيجية والتي يعني تطهيرها في حال نجاح العملية، فتح الطريق وفك حصار سلاح الإشارة الموصول بالقيادة العامة بالخرطوم".
تقييم تحركات الجيش السوداني يحتاج لأسابيع
وأكد المتحدث أن محوري بحري حققا نتائج كبيرة "أولها السيطرة على كبري الحلفايا ما يعني تماس القوات الدائم واندفاع قوات الوثبة الثانية والثالثة في أمان لأهدافها داخل بحري، بجانب تحقيق خسائر كبيرة في قوات التمرد وعتاده وتوسيع التأمين الذي سيشمل مدن الحلفايا والدروشاب والكدرو والجيلي وهو ما سيؤمن مواطني أم درمان من خطر التدوين الانتقامي الذي تقوم به المليشيا المتمردة صباح مساء على المدنيين العزل".
ووضح عامر حسن أن المحور الثالث والرابع "شهدا هجوماً لقوات منطقة أم درمان العسكرية من سلاح المهندسين باتجاه وسط الخرطوم بالتزامن مع توسيع نطاق التأمين بواسطه القوات الموجودة في القيادة العامة بالخرطوم، ما يعني الضغط على أكبر قوة وعتاد للمليشيا المتمردة"، مشيراً إلى أن ذلك من أصعب المعارك التي يمكن أن "تستمر طويلاً وتحتاج لتفهم طبيعتها إلى مدخل لفهم المنتصر فيها"، وأكد أن الجيش بادر بالهجوم الناجح وستتراكم نتائجه مع مرور الأيام بحسب تقديره.
ويضيف العميد حسن، أن المحور الخامس "محور المدرعات" عمل على توسيع دائرة التأمين والضغط على قوات الدعم السريع في المدينة "لمنعها من الانطلاق في عمليات إمداد لقواتهم في محاور أخرى وهو نشاط متزامن ومخطط له بدقة"، ورأى أن كل محاور القتال "حظيت بغطاء جوي مساند وحاسم بالطيران المأهول بأنواعه بالإضافة إلى المسيرات الهجومية والاستطلاعية"، وجزم بأن النتائج الأولية تظهر نجاح عمليات الجيش السوداني الهجومية، وتحقق أهدافها و"حتى قيادة المليشيا المتمردة مارست ضغوطاً كبيرة علي المتمرد أبوعاقلة كيكل للقيام بعمليات هجومية في محور الفاو وشرق الجزيرة بوسط السودان لبعثرة أوراق الجيش"، مضيفاً أن كيكل استجاب للضغوط وحاول الهجوم أمس الجمعة، لكنه "تكبد خسائر مقدرة في قواته وآلياته وعتاده وانسحب من المواجهة بدون تحقيق أي هدف للعملية حتى على مستوى الحرب الإعلامية والنفسية".
وانتهى الخبير العسكري بالقول، إن "هجوم الجيش في محاوره المختلفة لا يمكن تقييمه بشكل كامل إلا بعد مرور أسابيع لأن القتال في المدن له تحديات تجعل النجاحات الميدانية ترتبط بتفاصيل صغيرة لكنها مهمة وحاسمة كتحييد قناص على مبنى أو إزالة قوة ارتكاز حاكمة".
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع تحقيق العمليات العسكرية للجيش السوداني أي نجاحات تذكر، مشيرة إلى أنها تصدت لما تسميه بـ"كتائب البرهان" في كل المحاور ونشرت على حسابها الرسمي بمنصة إكس مقاطع فيديو تقول إنها جثث للقوات المهاجمة ملقاة أعلى جسر النيل الأبيض بعد هزيمتها هناك، مشيرة إلى أن الحديث عن سيطرة الجيش على مناطق المقرن وكبري الفتيحاب غير صحيح، وكذلك حرصت أصوات إعلامية موالية لـ"الدعم السريع" على التجول في وسط وغرب الخرطوم لتأكيد بقاء الوضع كما هو لصالح قوات الدعم السريع، واتهمت الجيش بقتل المواطنيين وتدمير منازلهم في منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم.