غضب عالمي ضد روسيا للاشتباه بارتكابها "جرائم حرب" في بوتشا الأوكرانية

04 ابريل 2022
جندي أوكراني يتفقد حطام دبابة روسية في بوتشا شمال كييف (Getty)
+ الخط -

تأجج غضب عالمي، اليوم الإثنين، بسبب مقتل مدنيين في أوكرانيا، مع نشر صور جثث مقيدة لأشخاص قتلوا بالرصاص من مسافة قريبة، إضافة إلى العثور على مقبرة جماعية في مناطق جرت استعادة السيطرة عليها من قبضة القوات الروسية.

وقال تاراس شابرافسكي، نائب رئيس بلدية بوتشا، وهي مدينة تقع على بعد حوالي 40 كيلومترا شمال غربي مدينة كييف، إن 50 جثة، من بين حوالي 300 جثة عُثر عليها بعد انسحاب القوات الروسية في أواخر الأسبوع الماضي، كانت لضحايا عمليات قتل خارج نطاق القانون نفذتها القوات الروسية.

وشاهد مراسلو "رويترز" جثة ملقاة على الطريق لرجل مصاب بطلقة نارية في الرأس ومقيد اليدين خلف الظهر. ولم تستطع الوكالة التحقق بشكل مستقل من عدد القتلى أو من المسؤول عن القتل.

جثة مدني ملقاة مع دراجته في بوتشا (ماثيو هاتشر/ Getty)

وتحقق السلطات الأوكرانية في جرائم حرب محتملة. وقالت موسكو إن عمليات القتل "مدبرة" للتشهير باسم روسيا.

وأثارت صور الدمار وما يبدو أنه قتل للمدنيين صدمة وتنديدات، وستدفع على الأرجح الولايات المتحدة وأوروبا إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت العقوبات ستشمل صادرات الطاقة الروسية.

الصورة
العثور على مقبرة جماعية في بوتشا عقب انسحاب القوات الروسية (الأناضول)
العثور على مقبرة جماعية في بوتشا عقب انسحاب القوات الروسية (الأناضول)

ومن المتوقع أيضا أن تلقي الأعمال الوحشية بظلالها على محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، المقرر استئنافها عبر رابط فيديو اليوم الإثنين.

وردا على سؤال عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيُحاسب على قتل المدنيين، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن آخرين يشاركونه تحمّل المسؤولية. وأضاف لشبكة "سي.بي.إس": "أعتقد أنه تجب معاقبة كل القادة العسكريين، وكل من أعطى التعليمات والأوامر".

وزار زيلينسكي، في وقت لاحق الإثنين، مدينة بوتشا في ضاحية كييف، حيث ظهر مرتدياً سترة واقية من الرصاص ويرافقه عسكريون، متحدثاً إلى صحافيين من وسائل إعلام عدة، بينها وكالة "فرانس برس"، في أحد شوارع المدينة المدمَّرة جراء المعارك، "كل يوم حين يدخل مقاتلونا ويستعيدون مناطق، ترون ما يجري".

وقال الرئيس الأوكراني إنه أصبح من الصعب على بلاده التفاوض مع روسيا، منذ أن علمت بحجم الفظائع المزعومة التي ارتكبتها القوات الروسية على أراضيها، مضيفاً: "هذه جرائم حرب وسيعترف العالم بأنها إبادة جماعية".

وتابع "من الصعب جداً التحدث عندما ترون ما فعلوه هنا... كلما أطالت روسيا الاتحادية أمد الاجتماعات، كان الأمر أسوأ بالنسبة لهم، وبالنسبة لهذا الوضع، ولهذه الحرب". ومضى بالقول "نعرف آلاف الأشخاص الذين قتلوا وعذبوا.. أطراف مقطوعة ونساء مغتصبات وأطفال قتلوا".

بدورها، قالت المدعية العامة الأوكرانية إيرينا فينديكتوفا اليوم الاثنين إن كثيرا من الأعمال التي ارتكبتها القوات الروسية يمكن تصنيفها على أنها "جرائم ضد الإنسانية"، وإن أوكرانيا تحقق وفقا لذلك في تصرفاتها في أجزاء من منطقة كييف، بما في ذلك بوتشا.

وذكرت فينديكتوفا، في حديث للتلفزيون الوطني، أن الوضع في بلدة بوروديانكا "هو الأسوأ في منطقة كييف من حيث عدد الضحايا". ولم تذكر مزيدا من التفاصيل.

المفوضَة السامية لحقوق الإنسان تتحدث عن جرائم حرب

ونددت المفوضَة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه، الإثنين، بالمشاهد "المروعة" لجثث مدنيين في مدينة بوتشا، متحدثة عن جرائم حرب محتملة.

وأعلنت باشليه في بيان أن "المعلومات التي تتضح عن هذه المنطقة ومناطق أخرى تثير تساؤلات خطيرة ومقلقة حول احتمال وقوع جرائم حرب وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي"، داعية إلى "الحفاظ على كل الأدلة".

هل ستشمل العقوبات الغاز الروسي؟

ووصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الصور بأنها "مؤلمة للغاية"، بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى إجراء تحقيق مستقل.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز: "سيشعر بوتين وأنصاره بالعواقب"، مضيفا أن الحلفاء الغربيين سيوافقون على مزيد من العقوبات في الأيام المقبلة.

الصورة
جثة مدني قرب أحد الطرق الرئيسة في بوتشا (الأناضول)

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يبحث حظر استيراد الغاز الروسي، في ما يمثل تخليا عن مقاومة برلين السابقة لتلك الفكرة.

وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن هناك "أدلة واضحة للغاية تشير إلى ارتكاب القوات الروسية جرائم حرب"، وأنه يجب فرض عقوبات جديدة، وقالت اليابان إنها ستتشاور مع الحلفاء بشأن هذه المسألة. وذكر ماكرون أن العقوبات الجديدة يجب أن تشمل قطاعي النفط والفحم.

وقالت بعثة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، التي تتولى رئاسة مجلس الأمن المكون من 15 عضوا في إبريل/ نيسان، إن المجلس التابع للأمم المتحدة سيبحث التطورات في أوكرانيا غدا الثلاثاء، ولن يجتمع اليوم الإثنين بناء على طلب روسيا.

وكانت موسكو طلبت اجتماع مجلس الأمن اليوم لمناقشة ما سمته "استفزازاً من قبل متطرفين أوكرانيين" في بوتشا بعد اتهامات كييف.

سعي لتعليق عضوية روسيا بمجلس حقوق الإنسان

في الأثناء، قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إن الولايات المتحدة ستطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بعد أن اتهمت أوكرانيا القوات الروسية بقتل عشرات المدنيين في بلدة بوتشا.

وروسيا في العام الثاني من ولاية مدتها ثلاث سنوات في المجلس الذي يتخذ من جنيف مقراً له.

ويمكن لأغلبية الثلثين في الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً تعليق عضوية أي دولة في المجلس لارتكابها انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان أثناء عضويتها.

الاتحاد الأوروبي يناقش فرض عقوبات جديدة على روسيا

بدوره، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يناقش "بشكل عاجل" فرض مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا استجابة لطلب فرنسا وألمانيا بصورة خاصة، في أعقاب العثور على جثث مئات المدنيين في محيط كييف، ولا سيما في بوتشا بعد انسحاب القوات الروسية منها.

وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان، إن التكتل "يدين بأشد العبارات الفظاعات التي أفيد بأن القوات المسلحة الروسية ارتكبتها في عدة مدن أوكرانية محتلة باتت الآن محررة".

وارسو تدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية

من جانبه، دعا رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، اليوم الإثنين، إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن "الإبادة الجماعية" التي ارتكبها، وفق قوله، الجيش الروسي في مدن أوكرانية بينها بوتشا.

وصرّح مورافيتسكي أمام الصحافة بأن "هذه المجازر الدامية التي ارتكبها الروس، جنود روس، تتطلب أن تُسمّى باسمها. إنها إبادة جماعية، ويجب أن يُحاسبوا عليها". وأضاف: "لذلك نقترح تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جريمة الإبادة الجماعية هذه".

الصورة
جثة عامل عثر عليها ويداه مقيدتان للخلف في بوتشا (سيرغي سوبينسكي/ فرانس برس)

وتابع أن تشكيل اللجنة "لا بدّ منه إن أردنا معرفة الحقيقة حول مدى الجرائم الفاشية الروسية". كما دعا إلى فرض عقوبات غربية جديدة على روسيا، مشبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"طغاة دمويين من الماضي".

وقال مورافيتسكي: "من الضروري فرض عقوبات واضحة وحازمة. هذه العقوبات لا تأتي بنتيجة". وتابع متوجها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "كم مرّة تفاوضت مع بوتين، ما الذي حصلت عليه؟ لا نناقش، لا نفاوض مع مجرمين. المجرمون تجب محاربتهم".

وأضاف: "لم يتفاوض أحد مع هتلر. هل كنت لتتفاوض مع هتلر، مع ستالين، مع بول بوت؟"، متهما بعض القادة الأوروبيين بـ"المماطلة" وباعتماد "لغة خشبية". وقال متوجها إلى المستشار الألماني أولاف شولتز: "ليست أصوات رجال الأعمال الألمان وأصحاب المليارات الألمان، الذين يمنعونك على الأرجح من التحرك، هي التي يجب أن تكون مسموعة بقوة في برلين اليوم، بل أصوات هؤلاء النساء وهؤلاء الأطفال الأبرياء. أصوات الذين قتلوا".

إسبانيا تدعو لمحاكمة روسيا بسبب جرائم الحرب

توازياً، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إن "الأعمال الوحشية" التي ارتكبتها القوات الروسية ضد المدنيين في أوكرانيا ينبغي أن تعرض على محكمة دولية، معتبراً أنها "ربما ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية".

وقال سانشيز الإثنين: "أتمنى أن يتم عمل كل ما هو ممكن حتى لا يفلت من وراء جرائم الحرب هذه من العقاب وحتى يمثلوا للمحاكمة، في هذه الحالة أمام المحكمة الجنائية الدولية، من أجل مواجهتهم بتلك الحالات المزعومة من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولم لا نقول الإبادة الجماعية، أيضاً؟".

وأضاف سانشيز أنه يشعر بالغضب تجاه حالة "الذعر المتمثل في حالات القتل التي شاهدناها في الأيام الأخيرة".

الكرملين: روسيا تنفي "قطعاً" الاتهامات بارتكاب مذابح في بوتشا

في المقابل، نفت روسيا "قطعاً" كل الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب "إبادة جماعية" في أوكرانيا، بعد العثور على جثث عشرات المدنيين في مدينة بوتشا قرب كييف إثر انسحاب القوات الروسية منها، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف اليوم الإثنين.

وقال بيسكوف للصحافيين: "نرفض رفضا قاطعا كل الاتهامات"، مؤكدا أن خبراء وزارة الدفاع الروسية عثروا على مؤشرات تظهر "تزوير مقاطع فيديو" و"أنباء كاذبة" في المشاهد التي عرضتها السلطات الأوكرانية كأدلة على وقوع مجازر، تتهم روسيا بارتكابها في المناطق التي حُررت حول العاصمة كييف.

وكانت "هيومن رايتس ووتش" قد قالت إنها وثقت "عدة حالات لارتكاب القوات العسكرية الروسية انتهاكات لقوانين الحرب"، في مناطق تشيرنيهيف وخاركيف وكييف الأوكرانية.

ودعا وزير الخارجية الأوكراني المحكمة الجنائية الدولية إلى جمع أدلة على ما وصفه بجرائم الحرب الروسية. وقال وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا إن بلديهما سيؤيدان أي تحقيق من هذا القبيل.

لكن خبراء قانونيين يقولون إن محاكمة بوتين أو غيره من القادة الروس ستواجه عقبات كبيرة، وقد تستغرق سنوات.