غضب درعا المتصاعد: احتجاجات يغذيها ضعف النظام والأزمة المعيشية

01 يناير 2023
النظام عاجز عن فرض سيطرته على درعا (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد محافظة درعا جنوبي سورية منذ أسابيع تصعيداً ملحوظاً في الاحتجاجات الشعبية، وعمليات الاستهداف، سواء ضد قوات النظام السوري، أو بحق الناشطين ضد النظام.

ويتزامن ذلك مع تصعيد مشابه في محافظة السويداء المجاورة، ما يخلق وضعاً قلقاً في الجنوب السوري، يرتبط بالأوضاع والمطالب الداخلية في المحافظتين، وفي سورية بشكل عام، فيما يذهب البعض إلى ربطه بمشاريع الحل السياسي.


"تجمع أحرار حوران": 27 عملية ومحاولة اغتيال، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي

وفي إطار الاحتجاجات المتواصلة تقريباً منذ مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شهد العديد من بلدات حوران، مثل غباغب وابطع والصنمين وجاسم، تظاهرات مناهضة للنظام السوري خلال الأيام الثلاثة الماضية، رفع خلالها المتظاهرون لافتات تدعو إلى إسقاط النظام ومواصلة الثورة ضده، وتطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

تظاهرات واغتيالات في درعا

وكان العديد من مدن وبلدات محافظة درعا، مثل جاسم وداعل والنعيمة والمزيريب، قد شهد خلال الأيام الماضية تظاهرات مماثلة، وذلك بعد دعوات أطلقها ناشطون في درعا للتظاهر ضد قوات النظام، وخصوصاً فرع الأمن العسكري، ورئيسه لؤي العلي، الذي يتهمونه بإدارة شبكات من المليشيات والخلايا الأمنية التي تنفّذ عمليات الخطف والاعتقال والاغتيال، ويصفونه بأنه عرّاب المشروع الإيراني في الجنوب السوري.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد وتيرة الاغتيالات التي تشهدها المحافظة، إذ قُتل خلال الأيام الثلاثة الماضية 3 أشخاص في مدينة داعل بريف درعا الأوسط، في عمليتين منفصلتين، وهم ينتمون إلى مجموعة مسلحة في المدينة، تعمل في تجارة المخدرات. كما جرى استهداف سيارة عسكرية لقوات النظام بعبوة ناسفة بالقرب من تل الجابية غربي مدينة نوى في ريف درعا الغربي.

كذلك قُتل الأربعاء الماضي شابان على يد مجهولين في مدينة طفس وبلدة بصر الحرير بريف درعا. وكان قد قُتل 6 عناصر من قوات النظام، بينهم 3 ضباط، وأصيب 7 آخرون في هجمات متفرقة في درعا خلال الأسبوع الماضي، فيما اختطف مجهولون مدير ناحية بلدتي الجيزة وغصم شرقي درعا بعد اشتباك أدى إلى مقتل أحد مرافقيه وجرح آخرين، بهدف مبادلته بمقاتلين من الفصائل المحلية معتقلين لدى النظام.

وأحصى مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" 27 عملية ومحاولة اغتيال، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أسفرت عن مقتل 21 شخصاً، وإصابة 9، ونجاة 4 من محاولات الاغتيال. كما وثّق المكتب خلال الشهر نفسه اعتقال 17 شخصاً من قبل قوات النظام في محافظة درعا، إضافة إلى اختطاف 7 من المحافظة، عثر على جثث 2 منهم، وأفرج عن 3 آخرين.

ويؤكد المكتب أن فروع النظام الأمنية والمليشيات المدعومة من إيران تقف وراء الكثير من عمليات الخطف في محافظة درعا، من أجل الحصول على الفدية المالية، إذ تُعتبر مصدرا مهما للتمويل الذاتي، إلى جانب تجارة المخدرات.

ووثق المكتب بيانات 4360 معتقلاً من أبناء درعا في معتقلات النظام حتى سيطرة النظام على المحافظة في صيف 2018، معظمهم باتوا في عداد المختفين قسرياً. وبعد سيطرة النظام على المحافظة، وثق المكتب 2723 حالة اعتقال من أبناء المحافظة.

محافظة مضطربة

وعلى الرغم من عودة قوات النظام إلى محافظة درعا من خلال المعارك، أو عبر اتفاقيات التسوية عام 2018، فإن تلك القوات ما تزال عاجزة عن فرض سيطرتها الكاملة عليها. ونصت اتفاقيات التسوية، التي تمت آنذاك برعاية روسية، على سحب السلاح الثقيل والمتوسط، مقابل وعود روسية بتنفيذ مطالب أهالي المنطقة، بالإفراج عن المعتقلين، وإيقاف ملاحقة النشطاء والمعارضين العسكريين والمدنيين، وسحب الجيش إلى ثكناته، وعودة الموظفين المفصولين.

أحد منظمي الاحتجاجات في مدينة جاسم: التظاهرات في درعا ستتواصل وتتوسع

غير أن سلطات النظام لم تنفذ معظم هذه البنود، لكنها لم تتمكن من تهجير أعداد كبيرة من أبناء المحافظة إلى الشمال السوري، كما فعلت في مناطق أخرى، الأمر الذي أبقى على الكثير من الناشطين والقادة المحليين، الذين أسهموا في بقاء جذوة الثورة متقدة في المحافظة، على الرغم من استهدافهم المستمر من جانب النظام عبر الاعتقالات والاغتيالات وعمليات الهجرة والتهجير.

توقعات بتوسع الاحتجاجات

وقال أحد منظمي الاحتجاجات في مدينة جاسم من عائلة الزعبي، لـ"العربي الجديد"، إن الاحتجاجات في محافظة درعا ستتواصل وتتوسع "لأن الأهالي وصلوا إلى قناعة تامة بأن النظام وأجهزته الأمنية لا يمكن الثقة بوعودهم، وأنهم اتخذوا من محافظة درعا عدواً لهم، ولا مفر تالياً من المواجهة مع هذا النظام بكل السبل المتاحة".

وتوقع الناشط أن "نشهد خلال أسابيع قليلة توسعاً في التظاهرات وزيادة كبيرة في أعداد المشاركين فيها، على نحو مشابه لانطلاقة الثورة السورية في العام 2011"، مشيراً إلى أن هجرة كثير من الشباب والناشطين ومقتل بعضهم أو اعتقالهم، وراء البطء النسبي في توسع الحراك الشعبي.

وأرجع عودة الناس إلى التظاهر والاحتجاجات إلى عوامل عدة، إضافة إلى عدم تصديق وعود النظام بشأن إطلاق سراح المعتقلين، منها تدهور الوضع المعيشي والضائقة الاقتصادية التي يعيشها أغلب الناس، وعجزهم عن تأمين أبسط احتياجاتهم اليومية، وهو ما أوجد أرضية خصبة لنمو مشاعر الاحتقان والغضب لدى غالبية الأهالي، سواء في درعا، أو في باقي المناطق السورية.

وأعرب عن اعتقاده أن العوامل الخارجية، مثل قانون "الكبتاغون" الذي صدر في الولايات المتحدة أخيراً، تسهم أيضاً في تأليب الناس على النظام وتمنحهم أملاً بقرب الخلاص منه. وكانت التظاهرات في مدينة درعا قد بدأت من مدينة جاسم بعد التخلص من تنظيم "داعش" وقتل خليفته، وهو ما أشعل مجدداً شرارة الثورة ضد نظام بشار الأسد، لتنتقل الاحتجاجات تباعاً من بلدة إلى أخرى.

النظام السوري ضعيف

ورأى الناشط محمود الحمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه التظاهرات كشفت حالة الضعف الكبير التي يمر بها النظام السوري، إذ لم يسبق أن تجمّع المتظاهرون في سورية أمام أحد المقرات الرئيسية لقوات الأمن، كما حصل في بلدة جاسم، ورددوا هتافات تنادي بإسقاط النظام، ورفعوا علم الثورة على سور المركز.

ولاحظ الحمادي أن قوات النظام اكتفت بإطلاق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين أظهروا التحدي لها، خلافاً لتصرفها حيال المتظاهرين في الأشهر الأولى للثورة، إذ كانت تبادر إلى إطلاق النار مباشرة عليهم وتلاحقهم في الأزقة، وتقتل وتعتقل العشرات منهم، على الرغم من شعاراتهم السلمية.

ومن هنا، أضاف الحمادي، أن أجهزة النظام الأمنية التي باتت تخشى المواجهة المباشرة مع الأهالي في الجنوب السوري، تلجأ إلى الأساليب الملتوية في هذه المواجهة عبر عمليات الاغتيال والخطف، التي تنسب لمجهولين، إضافة إلى إغراق المجتمع المحلي بالمخدرات.

حكم ذاتي للجنوب؟

ويترافق تصاعد الاحتجاجات مع عودة الحديث عن "وضع خاص" للجنوب السوري، إذ قد تكون الاحتجاجات الحالية، وإمكانية تصاعدها باتجاه إعلان العصيان المدني، مقدمة لحل سياسي بالتوافق مع نظام الأسد، يقر بمنح الجنوب السوري، أي محافظتي درعا والسويداء، وربما معهما محافظة القنيطرة أيضاً، قدراً أعلى من اللامركزية في إدارة شؤونها المحلية، عبر ممثلين منتخبين.


أسعد الزعبي: جميع الصيغ التي طرحت حتى الآن لا تنطلق من مصلحة السوريين إلا جزئياً

كما قد يتضمن الحل انكفاء قوات النظام إلى قواعدها، وسحب أجهزتها الأمنية، والاكتفاء بوجود عناصر الشرطة المدنية، مع ترك المجال للمجالس المحلية لتولي المهام الأمنية، حيث الأهالي ما عادوا يطيقون وجود أجهزة النظام الأمنية التي عانوا منها الأمرين.

وفي السياق، قال الشيخ فيصل أبازيد من وجهاء محافظة درعا، وخطيب الجامع العمري في درعا البلد، إن هناك أكثر من إشارة استفهام حول ما يحدث في درعا، و"قد يكون الأمر صراعات بين أجهزة النظام الأمنية، أو بين أجهزة مخابرات دولية، لكن يبدو أن له علاقة بحسابات دولية".

وأضاف أبازيد، في حديث مع "العربي الجديد": "ما هو ثابت وحقيقي أن الأهالي يطالبون النظام بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين، الذين وعد النظام بإطلاقهم منذ العام 2018، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، بل زادت وتيرة الاعتقالات".

وحول ما إذا كان ما يحدث اليوم قد يكون له علاقة بمشاريع الحل النهائي، حيث ثمة تسريبات أن هذا الحل سيكون فيه نوع من التقسيم لسورية، بما يتضمن إقامة حكم ذاتي لشرق البلاد وشيء أقل منه للجنوب السوري، قال أبازيد إنه "لغاية الآن لا معلومة موثوقة وما يتم تداوله مجرد تسريبات إعلامية".

وكانت مصادر إعلامية، ومنها صحيفة "تورك" التركية، تحدثت قبل نحو شهرين عن مخطط أميركي لإنشاء كيان عسكري جديد يضم القنيطرة والسويداء ودرعا، مدعوم أميركياً، عبر قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية لفتح الجبهة في الجنوب، ضد النظام وإيران.

وأضافت أن قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عرضت تقديم رواتب لمقاتلي المعارضة، مع الاعتراف بالوضع في الجنوب كـ"كيان مستقل" يتمتع بالحكم الذاتي، ستوفر له إسرائيل الحماية الجوية.

غير أن العميد المنشق عن قوات النظام إبراهيم الجباوي استبعد، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، صحة هذه المعلومات، معتبراً أنها "مجرد فقاعة"، فيما أشار العميد المنشق عن قوات النظام أسعد الزعبي، إلى أن هذه الطروحات قديمة، وتعود أول مرة إلى العام 2013، وتطرح كل مرة بصيغة مختلفة. 

ورأى الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جميع الصيغ التي طرحت حتى الآن "لا تنطلق من مصلحة السوريين إلا جزئياً، وقد فشلت لأنها لم تجد تربة مؤاتية لها، إضافة إلى أن الجانب الأميركي غير جاد" بتطبيقها.