غزة والتهدئة المجانية: هل تدفع إسرائيل "حماس" للحرب؟

20 ديسمبر 2020
تحاول الحركة السيطرة قدر الإمكان على تفشي كورونا في غزة (Getty)
+ الخط -

تضع الضغوط المتزايدة التي يتعرض لها قطاع غزة حركة "حماس"، الحاكم الفعلي للقطاع، في وضع صعب، مع تزايد تفشي وباء كورونا، والتهديدات الإسرائيلية المتزايدة أخيراً، والإشارات المتعددة إلى ربط المساعدة الإنسانية لغزة بحلحلة ملف الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة. ويشهد القطاع الذي يقطنه مليونا فلسطيني حصاراً مطبقاً، زادت من أعبائه الضغوط الصحية مع بدء تفشي كورونا مجتمعياً، إضافة إلى غياب الاهتمام الدولي والعربي في القطاع، بالتزامن مع حراك التطبيع المتنامي في المنطقة. ووصل الوضع الصحي والاقتصادي إلى حافة الانهيار، ما شكّل عبئاً إضافياً على صانع القرار في "حماس"، الذي يخشى من تآكل الحاضنة الشعبية، في ظل الضغوط المعيشية وبلوغ معدلات الفقر والبطالة والعوز في غزة أرقاماً قياسية.

ما يتعرض له القطاع يأتي في سياق خطة تستهدف ضرب المقاومة

ويبدي محللون فلسطينيون اعتقادهم أنّ الاحتلال يدفع بسياساته المستمرة ضد القطاع حركة "حماس"، ومعها الفصائل المسلحة، إلى الانفجار، لا سيما مع توقف الحديث عن تفاهمات التهدئة، واستمرار الهدوء المجاني على الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة.

في السياق، يقول عضو مكتب العلاقات الدولية في حركة "حماس" باسم نعيم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنّ غزة تشهد ظروفاً إنسانية في غاية الصعوبة، وإنّ الحصار والاحتلال استنزفا كل مقدرات المجتمع الفلسطيني. وزاد الانقسام الفلسطيني الوضع الإنساني سوءاً، بسبب المناكفات وعدم مراعاة السلطة الفلسطينية في رام الله لظروف غزة الخاصة. ويلفت نعيم إلى أنّ القطاع "على حافة الهاوية"، على الرغم من النداءات المتكررة والتقارير الدولية الكثيرة حول الأوضاع الإنسانية، وعلى الرغم من الاهتمام الظاهر لأكثر من جهة دولية بالأوضاع في القطاع، إلا أن رد الفعل العملي ضعيف جداً ولا يتناسب مع حجم المأساة.

ويشير القيادي في "حماس" إلى أنّ الاحتلال يعمل على مسارين تجاه غزة: الأول محاولة تشويه صورتها وحرف الأنظار عنها، والثاني إعاقة وصول المساعدات المطلوبة، وتأخير وصولها إلى ما بعد الوقت المطلوب لها. ويوضح أنّ "حماس" تعمل على أكثر من مستوى لتجاوز الظروف الحالية، بدءاً من الاتصالات على المستوى الوطني لإنجاز المصالحة، والتخفيف من تداعيات الانقسام على حياة الفلسطينيين، إضافة إلى التحرك مع الوسطاء والمجتمع الدولي لطلب المساعدة ووضعهم في صورة الكارثة الإنسانية.

من جهته، يوضح الكاتب، المحلل السياسي حسام الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ ما يتعرض له قطاع غزة يأتي في سياق خطة طويلة الأمد، تستهدف ضرب حاضنة المقاومة وتدجين الفصائل. كما حصل مع حركة "فتح" ومنظمة التحرير ما قبل اتفاق أوسلو (1993)، من أجل دفعها للقبول بالأمر الواقع. ويشير الدجني إلى أنه بعد فشل استراتيجية الاحتلال في استهداف سلاح المقاومة، بدأ استهداف الحاضنة الشعبية وحاملي السلاح، موضحاً أنه يجرى دفع غزة للبحث عن حلول إنسانية ونسيان الحل الوطني. ووفق الدجني، اقتربت حركة "حماس" نتيجة كل هذا الضغط من الخيارات الصفرية، معتبراً أنّ الحركة جربت كل الخيارات، وإسرائيل تحشرها في زاوية المعركة أو الاستسلام، ولكن في الفكر الفلسطيني لن يجرؤ أحد على الاستسلام. ويلفت إلى أنّ سيناريو الانفجار العسكري تزداد مؤشراته في ظل انتشار الوباء والضغط الذي تتعرض له غزة، وتجرّع الواقع لم يعد مقبولاً لدى الرأي العام الفلسطيني، وفي ظل تردي الواقع السياسي قد تفرض هذه المواجهة فرضاً من خلال الأوضاع الإنسانية ومحاولة دفع "حماس" للاستسلام.

سيناريو الانفجار العسكري تزداد مؤشراته في ظل انتشار الوباء

وفي السياق ذاته، يلفت الكاتب، المحلل السياسي ثابت العمور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الكارثة الاقتصادية والإنسانية والصحية في قطاع غزة لها تبعات خطيرة على مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية، وكل الفلسطينيين سيتحمّلون مسؤوليتها على المدى البعيد. ويضيف أنه على المستوى القريب قد يحدث تصعيد إسرائيلي ضد غزة، ويبقى التوقيت غير معروف، منبهاً إلى أنّ إسرائيل ربما تأخذ من غزة كل ما تريده من دون أي طلقة، من خلال التطبيع الحاصل والضغط المتزايد على السكان. ويوضح أنّ هناك "حالة افتراق بين الحاضنة الشعبية والفصائل، وهذه مشكلة أكبر، قد نصل معها إلى مستوى تفلّت مجتمعي وقد تخرج الناس إلى الشوارع"، معتبراً أنّ على "حماس" العودة إلى الوراء، لأن الوضع الراهن يأكل من رصيدها. ويشير إلى أنّ إسرائيل تعيش في تهدئة مع غزة من دون أن تدفع أي ثمن، وما يجري قد يكون محاولة لدفع القطاع إلى الحرب، على الرغم من التكلفة العالية لذلك، خصوصاً أنّ الكثير من الفلسطينيين لديهم قناعة بأنّ الاشتباك مع الاحتلال هو المخرج الوحيد الذي سيجعل العالم يلتفت إلى معاناتهم.

المساهمون