عين عيسى أمام خيارات صعبة: سيناريو عفرين أو تسليم للنظام السوري؟

18 ديسمبر 2020
مقاتل من المعارضة السورية قرب عين عيسى (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

تشير كل المعطيات إلى أنّ بلدة عين عيسى السورية في ريف الرقة الشمالي ستكون محور نزاع جديد في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث وضع الروس "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أمام خيارين: إما تسليم البلدة إلى النظام السوري، أو إعطاء الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به الضوء الأخضر للتمدد أكثر في عمق الشمال الشرقي من سورية.
وفي تغريدة تشير إلى أنّ النظام فشل في الضغط على "قسد" لتسليمه عين عيسى، قال عضو ما تسمّى بـ"هيئة المصالحة" التابعة للنظام عمر رحمون، في وقت متأخر من ليل أول من أمس الأربعاء: "وداعاً عين عيسى"، في مؤشر واضح إلى أنّ البلدة ربما تتعرض لهجوم من قبل الفصائل السورية المعارضة التابعة للجيش التركي. وكانت قد سرت أنباء خلال الأيام القليلة الفائتة عن اتفاق ثلاثي بين الجانب الروسي والنظام السوري و"قسد"، يقضي بإنشاء ثلاث نقاط مشتركة في عين عيسى، على أن تؤول السيطرة للنظام على البلدة لإبعاد شبح حرب مقبلة عن المنطقة.

"قسد" ليست بصدد التفكير بالتنازل عن أي منطقة للنظام

من جانبها، أكدت مصادر مقربة من "قوات سورية الديمقراطية" أنّ هذه الأخيرة "ليست بصدد التفكير بالتنازل عن أي منطقة للنظام السوري"، مشيرةً إلى أنّ التنازل عن عين عيسى "سيكون بداية للتنازل عن مناطق أخرى تحت الحجة نفسها وهي حمايتها من الجيش التركي". واعتبرت المصادر تغريدة عمر رحمون "محاولة ضغط واضحة على قسد"، وأشارت إلى أنّه "لم يجر أي تغيير" في وضع الجبهات مع فصائل المعارضة السورية، موضحةً أنّ "هناك حالة تأهب من الطرفين، ولكن ليست هناك مؤشرات على قرب الشروع بعمل عسكري من قبل فصائل المعارضة" التي تتمركز إلى الشمال من الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4".
واعتبرت المصادر أنّ أي هجوم من قبل فصائل المعارضة "يعدّ انتهاكاً واضحاً" للاتفاق التركي الروسي حول منطقة شرقي نهر الفرات المبرم في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت، والذي منح الجيش التركي حرية التحرك بعمق 32 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات، والبالغة نحو 440 كيلومتراً، باستثناء مدينة القامشلي ذات الأكثرية الكردية من السكان. إذ أوضحت المصادر أنّ بلدة عين عيسى "تبعد أكثر من 37 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية". وأكدت المصادر أنّ الجانب الروسي يحاول وضع "قسد" أمام خيارين: إما تسليم عين عيسى للنظام أو تكرار سيناريو عفرين حين سمح الروس للجيش التركي بالسيطرة على تلك المنطقة، شمال غربي حلب، مطلع عام 2018، بعد عملية عسكرية لم تدم طويلاً انتهت بخروج الوحدات الكردية منها.
من جهته، أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أنّ "اجتماعاً عقد الأربعاء الماضي، بين قياديين من قوات سورية الديمقراطية وضباط روس وآخرين من قوات النظام بالقرب من عين عيسى"، مؤكداً أنّ "طلباً روسياً بتسليم البلدة للنظام قوبل بالرفض من قبل قسد".

وفي مؤشر إلى نيّة "قسد" الدفاع عن البلدة، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ هذه القوات "طلبت من سكان قرية الجديدة (على بعد كيلومتر غربي بلدة عين عيسى)، الخروج منها لأنها أصبحت منطقة عسكرية"، مشيرةً إلى أنّ "قسد" نصبت مدفعية في القرية، بالتزامن مع عودة عمال الحفر للعمل في الأنفاق المحيطة بالبلدة.
في السياق، أعرب الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "قسد لن تقبل بالخيار الروسي وستقاوم"، مضيفاً: "لكن بحال لم نشهد تدخلاً دولياً لوقف تركيا، فستخسر قسد عين عيسى لتصبح مثلها مثل بقية المناطق السورية تحت الاحتلال التركي".
وتقع بلدة عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، أي أنها في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يمنحها موقعاً مهماً كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة. وانتزعت "قسد" منطقة عين عيسى من تنظيم "داعش" عام 2016، وحولتها إلى نقطة تمركز عسكرية لها، إضافة إلى مقر لبعض مكاتب "الإدارة الذاتية"، قبل أن تنقل هذه المكاتب، أواخر العام الماضي، إلى مدينة الرقة مع بدء الجيش التركي عملية عسكرية مكنته من السيطرة على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وعمق 32 كيلومتراً، يضم مدينتين، هما رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، والتي لا تبعد كثيراً عن بلدة عين عيسى، مركز النزاع الحالي.

قلق لدى سكان عين عيسى والقرى المحيطة بها من عملية اجتياح

وكانت "قسد"، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية، قد أبرمت في أكتوبر من العام الماضي، اتفاقاً عسكرياً مع موسكو خوّل الروس والنظام إدخال قوات إلى منطقة شرقي الفرات، في محاولة لمواجهة زحف الجيش التركي في المنطقة. ومنحت قيادة "قسد" الروس وقوات النظام جانباً من مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، لتحويله إلى نقطة تمركز لقوات تابعة للنظام، ومن ثمّ يتم نقلها إلى نقطة تمركز أخرى في مقر "اللواء 93" في منطقة عين عيسى، والذي كان تابعاً لقوات النظام قبل أن يخرج عن سيطرتها في العام 2014.
إلى ذلك، قال مصدر محلي لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك "قلقاً وخوفاً لدى سكان بلدة عين عيسى والقرى المحيطة بها من عملية اجتياح من قبل فصائل المعارضة السورية التابعة للجيش التركي، أو عودة النظام وأجهزته الأمنية، في حال إبرام قسد اتفاقاً معه". وأشار المصدر إلى أنّ المنطقة "لم تشهد حتى صباح (أمس) الخميس عمليات نزوح واسعة من قبل المدنيين"، لكنه رجح حصول موجة نزوح كبيرة من البلدة ومحيطها "في حال انتقال السيطرة عليها من قسد إلى النظام أو إلى الجانب التركي". وأضاف المصدر: "رأينا ما حدث ويحدث في المناطق التي سيطرت عليها هذه الفصائل من اعتداءات وتجاوزات وسوء خدمات وغياب الأمان". كما لفت المصدر إلى أنّ غالبية السكان "ترفض بالمطلق عودة النظام السوري إلى المنطقة، إذ تخشى من الاعتقال أو من عمليات انتقام واسعة من قبل النظام وشبيحته وقواته وأجهزته الأمنية".

المساهمون