عودة ملف القوات الأجنبية في ليبيا للواجهة وسط تجاوب روسي.. هل تنقذ جهود الحكومة الانتخابات؟
عاد ملف القوات والمرتزقة الأجانب إلى الواجهة ليستحوذ على المشهد مجددا، في خضم حرب البيانات بين الأطراف الليبية على خلفية مطالبة اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 الحكومة الليبية بتجميد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم العسكرية "لأي دولة" ذات صلة بالتواجد العسكري الأجنبي في البلاد. ورغم التصريحات المطمئنة من الجانب الروسي، فإن مراقبين يرون أن الأوضاع ستشهد مزيدا من الانسداد.
وجاءت زيارة وزيرة الخارجية بالحكومة نجلاء المنقوش، لموسكو، والتصريحات التي نتجت عن المؤتمر الصحافي الذي عقدته أمس الخميس، مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، لتخفف من حدة لهجة بيانات الأطراف الليبية التي حملت في بعضها وعيدا بعودة الحرب.
بدأ التوتر في الجانب العسكري بعد تصريحات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن عدم خضوعه وقواته "لأي سلطة مدنية"، خلال خطاب له الأسبوع الماضي شهد إصداره قرارات لتعيين قادة جدد في قواته وترقية رتبهم العسكرية، في رسالة تحمل في مضمونها تأكيدا عمليا على رفضه الخضوع لسلطة المجلس الرئاسي، الذي يحمل صفة القائد الأعلى للجيش الليبي. وقابل الأخير قرارات حفتر بقرارات مماثلة عيّن فيها أمراء لمناطق عسكرية في غرب البلاد، ورقّى ضباطا من جانبه إلى رتب عسكرية متقدمة.
بدأ التوتر في الجانب العسكري، بعد تصريحات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن عدم خضوعه وقواته "لأي سلطة مدنية"
لكن مطالبة اللجنة العسكرية، السبت الماضي، الحكومة بتجميد الاتفاقات العسكرية مع الدول الأجنبية، زادت من حدة التوتر، فقد أكدت المنطقة العسكرية الوسطى ومنطقة طرابلس العسكرية وغرفة العمليات في المنطقة الغربية وغرفة تحرير سرت – الجفرة، في بيانات منفصلة، على رفضها لمضمون البيان، لا سيما المطالبة بتجميد الاتفاقيات العسكرية، واعتبرت أن اللجنة تقصد الاتفاق العسكري الموقع بين حكومة الوفاق السابق والحكومة التركية وهو مؤشر على فقدانها لحيادها وميلها لمصالح حفتر، فيما شدد رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على شرعية الاتفاق العسكري الليبي التركي، مستنكرا المساواة في الشرعية بينه وبين الوجود الروسي إلى جانب مليشيات حفتر.
وفي المقابل، رحب بيان موقع من 13 تكتلا سياسيا بمطالب اللجنة العسكرية، وشدد على السلطات الليبية في ضرورة تنفيذها.
وارتفع مستوى التوتر لدرجة مطالبة البعثة الأممية، الأربعاء الماضي، الأطراف الليبية بـ"الامتناع عن أي عمليات تحشيد أو نشر للعناصر والقوات الأمنية مما قد يعتبر تصعيدا"، واحترام "خطوط التماس"، كما طالب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند، خلال اتصال هاتفي بينهما ليل أمس الخميس، بالامتناع عن أي تعبئة قد ينظر إليها على أنها تصعيد من شأنه أن يقوض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وفقا لمنشور للسفارة الأميركية على موقعها الرسمي.
وعلى الرغم من حدة البيانات المنتقدة لبيان اللجنة العسكرية 5 + 5، واتهامها بانحرافها عن مسارها الفني إلى التدخل في الشأن السياسي بسبب مطالبتها البعثة الأممية بالضغط على أعضاء ملتقى الحوار السياسي من أجل إنجاز القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إلا أن مطالبتها بتجميد الاتفاقات العسكرية رافقتها تسميتها لـ"تركيا وروسيا" كدولتين معنيتين بالتواجد العسكري في ليبيا، ما خفف من حدة الحملة عليها خصوصا بعد تسرب صور مراسلتها الموجهة للحكومة في هذا الشأن.
ولأول مرة، تسمي جهة رسمية في ليبيا روسيا ضمن الدول التي تحتفظ بتواجد عسكري في البلاد، ما عدّه الباحث الليبي في الشأن السياسي بلقاسم كشادة خطوة متقدمة من جانب السلطات الليبية في ملف القوات الأجنبية والمرتزقة، مشيرا إلى أن زيارة المنقوش لموسكو جاءت لتوضح بشكل أكثر جلاء عزم الحكومة على البدء في خطوات عملية في هذا الشأن.
لأول مرة، تسمي جهة رسمية في ليبيا روسيا ضمن الدول التي تحتفظ بتواجد عسكري في البلاد
التواجد الروسي في ليبيا
وطالبت المنقوش، خلال مؤتمر صحافي عقدته في موسكو مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، روسيا بلعب دور أكبر في إخراج المرتزقة، مشيدة بتجاوبها واستعدادها للتشاور حول وضع آلية لانسحاب المرتزقة.
وفي المقابل، اعترف لافروف ضمناً بوجود عسكري لبلاده في ليبيا، خلال تعليقه على الوجود التركي العسكري في البلاد بطلب من حكومة الوفاق السابقة، قائلا إنه "كان مساعدة عسكرية في جزء من المنطقة، لكن الجانب الثاني الذي لا يقل شرعية وهو البرلمان في طبرق، طلب مساعدة عسكرية من مصادر أخرى"، في إشارة إلى أن الوجود العسكري الروسي جاء بطلب من مجلس النواب.
وفيما انتقد لافروف "محاولات تحويل النقاش إلى الحديث عمّن هو الشرعي ومن غير الشرعي"، معتبرا أن الأهم هو أن ينظم الانسحاب "خطوة بخطوة وفي تزامن، دون خلق أي ميزة في صالح أي أحد"، لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي تركي حيال هذه التصريحات في موسكو. لكن وزارة الخارجية الليبية نشرت بيانا قبل سفر المنقوش إلى موسكو أوضحت فيه أن الأخيرة التقت السفير التركي لدى ليبيا، لمناقشة مذكرات التفاهم الليبية التركية وتنفيذ عدد منها يتعلق بجوانب خدمية واقتصادية دون الإشارة إلى الاتفاق العسكري.
وكل تلك خطوات إيجابية من جانب الحكومة الليبية يمكن استشراف جهودها الفعلية في حلحلة ملف القوات الأجنبية والمرتزقة، وفق رأي كشادة، لكنه في ذات الوقت يرجح أن يكون التجاوب من أجل التماهي مع الضغوط الدولية خصوصا من جانب واشنطن، وقال: "لا يمكن فصل الموقف الروسي عن الزيارات التي قام بها نور لاند إلى القاهرة، والتقى خلالها حفتر برفقة مسؤولين مصريين بينما في أنقره التقى مسؤولين أتراكاً".
ويرى كشادة أن تبدلا في المواقف والحسابات الإقليمية جدد الضغوط في هذا الملف، وقال: "الخطوات العملية التي يشهدها الملف تبدو على علاقة وثيقة برؤية مصرية لحله قد تكون تحمل تصورا يخدم حفظ مصالح الجميع في ليبيا، لكن لا يبدو أن ذلك سيتجاوز حد التوافق على خطة معينة لخروج القوات الأجنبية والمرتزقة قبل ضمان النتائج الفعلية لمصالح تلك الدول من خلال الانتخابات المقبلة"، معبّرا عن خشيته من التشابك الحاصل بين الانتخابات والملف العسكري.
والثلاثاء الماضي، أعلن مجلس النواب عن موافقة أعضائه على مشروع قانون انتخابات رئيس الدولة بشكل مباشر، غير أن الإعلان لم يلق أي موقف مرحب أو معارض في الأوساط الليبية، خصوصا من جانب المجلس الأعلى للدولة الرافض لاستفراد مجلس النواب في إصدار التشريعات اللازمة للانتخابات.
جدل حول شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة وصلاحياته
وشهدت جلسة مجلس النواب مشادات كلامية واشتباكا بالأيدي بين النواب، ما اضطر رئاسة المجلس إلى تعليق الجلسة قبل أن تعود للإعلان عن الموافقة على مشروع قانون الانتخابات، ثم ترجع مجددا، من خلال تصريحات المتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، لتعلن عن إحالة المشروع إلى اللجنة التشريعية لصياغته وطرحه للتصويت استعدادا لإصداره في جلسة لم تحدِّد موعدها.
وتعلق الجدل خلال جلسات النواب لمناقشة مشروع القانون بالمواد الخاصة بشروط الترشح لمنصب رئيس الدولة وصلاحياته، فبينما ينص المشروع على فتح الباب أمام أي مترشح دون قيود ولا شروط، طالب عدد من الأعضاء بتقييد أوضاع المترشحين العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهي القضية ذاتها التي دارت حولها خلافات بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي، خلال الجلسات العديدة التي عقدها الملتقى لإنجاز قاعدة دستورية للانتخابات دون أن يتوصل إلى توافق حولها.
وفي مقابل الفشل البادي على الجهود الليبية لإنجاز التشريعات اللازمة لإجراء الانتخابات، لا تزال تصريحات مسؤولي عدد من العواصم الكبرى، ومن بينها واشنطن، بالإضافة للبعثة الأممية، تشدد على ضرورة إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، لكن كشادة يرى أنه تفاؤل دولي لا يستند إلى الواقع الذي لا يزال مفتوحا على كل السيناريوهات، ومنها التصعيد العسكري، إذا شعرت الأطراف المسلحة في البلاد بفقدانها لحلفائها الداعمين لها، أو جاءت نتائج الانتخابات متعارضة مع مصالحها.