عودة "طالبان" لتطبيق الحدود الشرعية: كيف ينظر لها الأفغان؟

12 ديسمبر 2022
تخوّف من توسع الحركة في تطبيق أحكام الحدود (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -

ينقسم الشارع الأفغاني تجاه عودة حركة طالبان إلى تطبيق الحدود الشرعية بشكل رسمي في البلاد، بعد نحو 16 شهراً من استيلائها على السلطة إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021.

ونفذت حكومة "طالبان" أول عملية إعدام علني في السابع من الشهر الحالي، وهو الأمر الذي قوبل بانتقادات دولية كبيرة، فيما تفاوتت ردود الفعل في الداخل بين من طالب الحركة بالاهتمام بأولويات أكثر ضرورة، مثل الوضع المعيشي الصعب وحقوق المرأة وتطبيع علاقاتها مع العالم، وبين من رأى الخطوة ضرورية لفرض القانون ووقف عمليات القتل والخطف والسرقة المستشرية في البلاد.

أول حكم إعدام في عهد "طالبان" الجديد

وكان زعيم "طالبان" الملا هيبت الله أخوند زاده قد طلب من القضاة في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تنفيذ الحدود على من اكتملت قضاياهم ومرّت بكل المراحل. ومنذ ذلك الحين تم البدء بتنفيذ الأحكام التعزيرية ومعظمها متعلقة بالجلد، وقد طُبّقت على الرجال والنساء في مختلف المناطق بتهم مختلفة.

ولكن حكم الإعدام الأول الذي نُفذ كان في 7 ديسمبر/ كانون الأول الحالي في ولاية فراه، بحق مواطن يدعى تاج مير، كان قد قتل شخصاً بهدف سرقة دراجته النارية وجواله. وحضر مراسم تنفيذ حكم الإعدام كبار المسؤولين في الحركة، منهم نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر، ورئيس المحكمة العليا الملا عبد الحكيم حقاني ومسؤولون آخرون. وأطلق والد الضحية ثلاث رصاصات على القاتل.

وأثار هذا الإعدام انتقادات دولية، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن "طالبان عادت إلى ممارساتها التي كانت سائدة في التسعينيات، بما فيها من إهانة لكرامة وحقوق جميع الأفغان. إنه فشل واضح من قبل طالبان في الوفاء بوعودها".

كما نددت الخارجية الفرنسية في بيان "بأشد العبارات" بهذا الإعدام العلني، قائلة إن "هذا القرار الشنيع يُضاف إلى العديد من الانتهاكات الاخرى للحريات الأساسية التي ترتكبها طالبان بحق أفغانيات وأفغان منذ تسلمها السلطة بالقوة في أغسطس 2021".

وأعربت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، والبعثة الأممية في أفغانستان، عن قلقهما إزاء تنفيذ حكم الإعدام، لكن المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد قال في بيان رداً على ذلك إن الشعب الأفغاني شعب مسلم ويريد تطبيق الشرع، وهو أمر ضروري لإرساء الأمن والسلام في البلاد، كما أن الأمر يحدث في بلدان العام الكثيرة وفق قوانينها.

من جهته، قال نائب المتحدث باسم "طالبان" بلال كريمي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الأفغانية تعي جيداً التزاماتها إزاء الشعب في كل الجوانب، وهي لم تتغافل عن أي جانب، وتدرك الأولويات وتفهم ما عليها من الواجبات. وأضاف: "كل القضايا مهمة، وتطبيق أحكام الشريعة والحدود من الضروريات المهمة، من هنا لجأت إلى تطبيقها".


نائب المتحدث باسم "طالبان": الآلية المعتمدة لتطبيق الأحكام الشرعية دقيقة ولا توجد فيها أي ثغرة

ولفت كريمي إلى أن "الشعب الأفغاني شعب مسلم ضحى بالغالي والنفيس من أجل الدين، وجزء أساسي من الدين هو تطبيق الحدود، بالتالي هي لجأت إلى ما يقوله الشرع، وهي تطمئن الجميع أن الآلية المتخذة في الشأن مضبوطة وراسخة ودقيقة ولا توجد فيها أي ثغرة".

وأوضح أن "عملية تنفيذ الأحكام تمر عبر ثلاث محاكم، وكلها فيها قضاة ماهرون لديهم كفاءة عالية، ثم يتم التحقيق والدقيق في القرار، قبل أن يوقّع عليه زعيم الحركة، ويتم تنفيذه".

وكانت "طالبان" خلال فترة حكمها الأولى في أفغانستان في التسعينيات تنفذ الأحكام والحدود بشكل مكثف، لكنها تبدو أكثر تريثاً منذ العودة لحكم أفغانستان العام الماضي، وهو ما ردّه البعض إلى محاولتها انتزاع الاعتراف الدولي، غير أن بلال كريمي قال إن التأخر حصل بسبب تكملة الآلية والعملية الإجرائية.

وفي السادس من الشهر الحالي وقبيل تنفيذ حكم الإعدام، بدأ أنصار الحركة يروّجون على منصات التواصل الاجتماعي أن يوم الغد (السابع من هذا الشهر) يوم عظيم، وسيسمع الشعب الأفغاني نبأ ساراً. حينها ظن كثيرون أن الأمر يتعلق بفتح مدارس البنات، ولكن الخبر جاء بإعلان إعدام أول شخص بشكل رسمي بتهمة القتل.

انقسام في الداخل الأفغاني

وتنقسم آراء الشارع الأفغاني حول العودة إلى تطبيق الحدود الشرعية. وبرأي الحقوقية الأفغانية آلهة محمد نصير، لـ"العربي الجديد"، فإن ما تقوم به "طالبان" من تنفيذ أحكام متشددة بالإعدام وغيرها هو انتهاك لحقوق الإنسان، وإشارة واضحة إلى أن الحركة لا تريد التماشي مع العالم، وأنها ستدفع البلاد إلى الوضع الذي كان قائماً في التسعينيات.

وقالت: "تتحدث طالبان عن الشريعة، لكن قصدها فهم خاص للشريعة، لا يقتنع معه الأفغان ولا العالم". واعتبرت أن "نظام التقاضي ناقص، إذ لا يوجد قانون مدوّن ولا آلية لتعيين القضاة، في حين أن الحركة ألغت دستور البلاد"، معتبرة أن "على الشعب الأفغاني، إذا لم يستطع تغيير طالبان، ألا يساند خطواتها غير المرغوب فيها".


ناشط أفغاني: هناك أولويات لا بد من معالجتها ونحن بحاجة لدعم المجتمع الدولي

بدوره، قال الناشط الاجتماعي عبيد الله خان، لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب الأفغاني ضحى بالغالي والنفيس خلال العقود الأربعة الماضية من أجل الدين ومن أجل الإسلام، ولكن ثمة أولويات لا بد من إدراكها"، مضيفاً "الناس يموتون اليوم جوعاً، وحكومة طالبان غير معترف بها من المجتمع الدولي، وفي هذا الشتاء القارس ثمة شرائح تعاني من ويلات، كالمتضررين جراء الزلزال في الجنوب الأفغاني ومن الفيضانات، إضافة إلى استشراء البطالة".

وتابع: "نحن بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي بشكل متواصل، وتطبيق الحدود هو من الإسلام وجزء أساسي، لكن على طالبان أن تهتم بأمور أخرى أيضاً".

وتساءل "أليس تعليم النساء جزءاً من الدين؟ لقد أمر الله بفرضية التعليم للجميع، بالتالي لماذا طالبان حتى الآن لم تسمح للبنات فوق الصف السادس أن يذهبن إلى المدارس ولو بشروطها ومع الحجاب"، معتبراً أن "المشكلة الأساسية أن طالبان ترى الشريعة الإسلامية بنمطها الخاص".

ولفت خان إلى تصريحات وزير التعليم العالي الشيخ ندا محمد نديم، أخيراً، والذي قال إن علماء الدين لا بد أن يتم تعيينهم مدرّسين في الجامعات من دون امتحان، لأن الامتحان في حقهم تحقير لهم. وتابع الوزير أن في الامتحان لتعيين المدرسين في الجامعات الأفغانية ستكون الأولوية لمن فجّر أكثر خلال مقاومة المحتل الأميركي.

وتساءل خان تعليقاً على ذلك "هكذا تدار شؤون الإسلام؟ أهذا ما يقول به الإسلام والشريعة الإسلامية؟ ألم يقل الله أن يسود أمور المسلمين من لديهم أهلية وكفاءة؟ وليس من فجّر أكثر وأكثر، طبعاً لهم مجالهم المعلوم، ولكن ليست الجامعات العلمية".

كذلك كتب الكاتب الأفغاني شفيق أفغان منشوراً على صفحته في "فيسبوك" حول القضية، قال فيه إن "الشريعة الإسلامية تأمر بتطبيق الحدود، لكن قبل ذلك نحن نحتاج إلى آلية واضحة لتعيين القضاة الأكفاء، تكون لديهم كفاءة عالية كي يتمكنوا من تطبيق الحدود".

وأضاف: "في الوقت الراهن كل التعيينات في حكومة طالبان لا توجد لها آلية واضحة، من هنا وضع القوانين أولاً أمر ضروري، ومنها آلية تعيين القضاة في المناصب المهمة". وأعرب الكاتب عن تخوفه من أن قضاة "طالبان" قد لا تكون لديهم كفاءة كبيرة من أجل أن يتمكنوا من تطبيق الحدود على الناس في الوقت الراهن.

في المقابل، قال المحامي الأفغاني عبد الحفيظ عبد الجبار، لـ"العربي الجديد"، إن أفغانستان التي سادتها حالة من الحرب خلال 40 عاماً، نجمت عنها مساوئ وويلات من عداءات وقتل وخطف وأعمال السرقة تفشت في كافة أرجاء البلاد وكافة القطاعات، تحتاج لوجود رادع. واعتبر أن "تطبيق الحدود الشرعية، لا سيما في ما يتعلق بإعدام القاتل ومعاقبة السارقين، خطوة مهمة ومفيدة".

المساهمون