سمحت قوات الجيش المصري المنتشرة في مدينة الشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء شرقي البلاد، لعشرات المواطنين، بالعودة إلى قراهم وتجمعاتهم السكنية، بعد غياب دام سبع سنوات، بسبب الحرب التي كانت دائرة بين الجيش وتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش".
وكان السكان اضطروا إلى النزوح، بعد خسارتهم العشرات من أبنائهم بين قتيل وجريح ومفقود، نتيجة للرصاص العشوائي والقصف المدفعي والجوي، وكذلك هجمات التنظيم الإرهابي. إلا أن هذه العودة المفاجئة للقرى، تحمل في طياتها قراراً عسكرياً بإعادة ترسيم حدود سيناء، بالسماح للمدنيين بالوصول إلى كافة المناطق، عدا تلك التي حددها القرار الجمهوري، ووضعها تحت تصرّف وزير الدفاع، قبل أشهر.
هناك حالة من القلق في صفوف المواطنين من الإسراع بالعودة إلى قراهم
وفي التفاصيل، قال أحد مشايخ مدينة الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، إن قيادة عمليات الجيش المصري أبلغت عدداً من المشايخ، أصحاب العلاقة بالقيادة العسكرية والأمنية، أنه جرى إقرار عودة المواطنين إلى قراهم بعد تهجير لمدة سبع سنوات. وأشار إلى أن القرى هي أبو العراج، وأبو طويلة، والعكور، والسكادرة، وتجمعات الحاج نايف، والجغامين، وعكور البراوى، والزهريات، وتجمع العرجاني، والعطاوين، وأبو هولي، وأبو عيطة، وتجمع الشتويين، وحي أبو رفاعي، وأبو خوار، والدراوشة، والقرعان، وحي أبو فرج، وحي الترابين، وذلك في ظل الهدوء الأمني الذي تشهده المدينة والمناطق المحيطة بها منذ أشهر، وتمهيداً لعودة الحياة إلى طبيعتها بعد سنوات طويلة من الحرب، قدّم خلالها سكان المدينة ومحافظة شمال سيناء التضحيات الجسام على طريق طرد الإرهاب. ولفت إلى أن هناك حالة من القلق في صفوف المواطنين من الإسراع في العودة إلى قراهم، إلى حين التأكد من أمان العملية، وعدم تعرّضهم للأذى على يد الجيش أو التنظيم، كما حصل قبل تهجيرهم.
وأوضح الشيخ أن المواطنين يطالبون القيادة السياسية والعسكرية بضرورة تقديم كل الدعم اللازم لإعادة الحياة للقرى، التي تضررت بشكل كامل نتيجة المعارك بين الجيش والتنظيم، إذ صدموا عند عودتهم بتدمير منازلهم وتسويتها بالأرض، وكذلك مزارعهم، بالإضافة إلى خسارتهم مصدر رزقهم، من محال تجارية وورش صناعية. وأشار إلى أنه لم يجرِ تقديم سوى بعض المعونات الطارئة، كالطعام والشراب، في حين أن الكثير من العائدين لم يجدوا مأوى ليناموا فيه ليلاً، خصوصا في ظل البرد القارس الذي يضرب شمال سيناء في هذه الفترة، وكذلك التخوف من تعرّضهم للأذى في أي لحظة، نتيجة لالتصاقهم بالظهير الصحراوي الذي لجأ إليه تنظيم "داعش" بعد خروجه من مراكز المدن وقراها الأساسية.
وتأتي عودة المواطنين بشكل جزئي إلى قرى بنطاق الشيخ زويد، في حين لم يسمح الجيش المصري بعودة عشرات الآلاف من سكان مدينة رفح، وقراها، وكذلك أطراف الشيخ زويد الملاصقة لرفح، بالإضافة إلى تجمعات بدوية وقرى في الظهير الصحراوي وسط سيناء، مثل الحسنة والمغارة. وتقع كل هذه المناطق في نطاق القرار الجمهوري، بتوسيع المنطقة الممنوعة والمحظورة في شمال سيناء. كما تقع ضمن الصلاحيات الجديدة التي منحها الرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير الدفاع، وهي صلاحيات تشبه بنود قرار الطوارئ، من حيث التحكم في كل تفاصيل الحياة في مناطق شمال سيناء، خصوصاً الحدودية منها، ما يشير إلى أن ثمة تغييرا على حدود المناطق التي يسمح للمصريين بالتحرك فيها، مع إنشاء طرق ومشاريع حيوية ضخمة في المناطق الفاصلة بين تواجد المصريين وتلك التي يحظر عليهم التواجد فيها.
بدأت قوات الجيش المصري بناء سلسلة من الجدران لتطويق المنطقة المحددة في القرار 420
وكانت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان قد أكدت، أخيراً، أن القرار الذي أصدره السيسي في سبتمبر/أيلول الماضي، بتحديد نحو 2700 كيلومتر مربع من الأراضي في شمالي شرق شبه جزيرة سيناء، كمناطق حدودية تخضع لقيود صارمة، يعني عملياً ابتلاع المزيد من أراضي المنطقة، ضمن مخططات غامضة للجيش لإفراغ المنطقة من سكانها، إذ تقوض تلك القيود حياة من تبقى من السكان فيها. ووصفت المؤسسة القرار، الذي يحمل رقم 420 لسنة 2021، بالخطير. ويشمل القرار الكثير من القرى والتجمعات السكنية ومدنا رئيسية لا زالت تضم آلاف السكان، ضمن المناطق "المحظورة". وتبلغ المنطقة المحددة فيه بنحو 2655 كيلومترا مربعا، فيما أظهرت صور فوتوغرافية، حصلت عليها المؤسسة، وكذلك صور الأقمار الصناعية، أن قوات الجيش المصري قد أشرفت على بناء سلسلة من الجدران العازلة الضخمة، تمتد عشرات الكيلومترات وبارتفاع نحو 6 أمتار، لتطويق المنطقة المحددة في القرار 420.
وكان القرار 444، الصادر في عام 2014، شدد على تواجد القوات المسلحة والأمنية فقط في المناطق "الممنوعة". أما المناطق "المحظورة" فيسمح للمدنيين بالتواجد فيها بعد الحصول على تصريح كتابي من الجيش. وأدخلت التعديلات الواردة في القرار 420 مدينة الشيخ زويد بالكامل و11 قرية تابعة لها، و7 قرى جديدة تابعة لمنطقة رفح، ومناطق جنوب مدينة العريش، وأجزاء واسعة تابعة لمدينة الحسنة، في إطار المناطق "المحظورة". ولم يقدم القرار أي استثناءات للقرى والمدن والتجمعات السكنية الموجودة في شمال سيناء أو ما تبقى منها. كما لم يوضح ما إذا كان ضم تلك المساحات إلى المناطق "المحظورة" سيُرتب أي قواعد جديدة على السكان فيها، ولم يقدم أي تفسير لاعتبار تلك المساحات الشاسعة كمناطق حدودية. ويتحدث سكان شمال سيناء عن خشيتهم من أن تستخدم الحكومة المصرية المناطق التي تم إخلاؤها ضمن خطط إقليمية لأجل أنشطة اقتصادية تخص سكان قطاع غزة.
وفي التعقيب على ذلك، قال سلامة رياش، الذي يعمل مفتشاً للتمريض بوزارة الصحة المصرية وأحد سكان مدينة الشيخ زويد: "مبروك عودة أهالينا في قرى وتجمعات الشيخ زويد، وكل الشكر للقيادة السياسية ولقواتنا المسلحة وشرطتنا المدنية وشباب اتحاد قبائل سيناء والمواطنين الشرفاء، لما قدموه من تضحيات بالأرواح لأجل الوصول بنا إلى بر الأمان. ومع أن الدولة سمحت بعوده الغائبين إلى ديارهم، لم نر سيارات العفش اللي (التي) كانت تنزح بالعشرات، بل بالمئات، تعود إلى موطنها، ولا نرى الذين كانوا يتمنوا العودة، حتى لو على أرض فضاء، ويسكنون فيها بدلاً من الإيجارات وعيشة المدن والشعارات التي كانت، وما زالت، تحمل الحنين والعودة إلى الوطن والأرض. كل ما نراه الأهالي تذهب في رحلة، وصور من هنا وهناك، ثم العودة آخر النهار (من) حيث أتوا".
وأضاف رياش، عبر صفحته على "فيسبوك": "لا أدري ماذا ينتظر أهل القرى المحررة للإسراع في الرجوع إلى موطنهم وتعمير الأرض بالبشر والحجر. ولا أرى ماذا ينتظر رجال الأعمال اللي (الذين) كانوا يصرفوا الملايين على الانتخابات بالتبرع، لمن لا يملك، بشوية تجهيزات بسيطة. لم نر المسؤولين ووزارة التضامن (تقوم) بتوزيع خيام للأهالي، لمن تهدمت ديارهم، ليحتموا فيها من برد الشتاء وتشجيع الناس على العودة والاطمئنان. لمن ينتظر الدولة والتعويضات، أحمد ربنا على الرجوع وحقك والتعويض حيجيلك إن شاء الله، وأحمي أرضك وما تعطي فرصة لأعداء الوطن للعبث في أرضك مرة أخرى. ثم الحذر كل الحذر من مخلفات الحروب. ارجع وابني وعمر وأزرع وحافظ على أرضك مهما كان الثمن".