عن محمد صلاح

09 يونيو 2023
من تظاهرة ضد التطبيع، تونس 15 سبتمبر 2020 (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يقرأ ساسة وكتّاب الاحتلال الإسرائيلي بعمق عملية الجندي المصري محمد صلاح على حدود سيناء، مع ربط الحدث بنمطية المشتكي من محدودية "التطبيع"، لتشكل العملية مؤشراً إلى الفشل العميق في اختراق الضمير الجمعي للشعب المصري، وغيره عربياً.

وعلى الرغم من اختلاف التقييم، الظاهر أقله في تناول ما قام به الشاب المصري، فهناك حالة متكررة تفضح الفارق بين تعاطي الاحتلال مع قتلاه وخبثه في التعامل مع جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب: إما الاحتفاظ بها أو دفنها بسرعة في جنح الظلام.

محاولات التجهيل هي محاولات يائسة وبائسة للقفز عن حقيقة فشل مساعي "التطبيع" المتلاحقة، الهادفة لمحاصرة القضية الفلسطينية والاستفراد بها لجعلها مجرد قضية "سكان" و"مخرّبين". فبعد مرور عقود على "كامب دافيد"، يجد الاحتلال نفسه أمام الحقيقة المزعجة: أجيال شعب مصر ترفض التطبيع. والحقيقة التي يجهلها المطبّعون الجدد خبرتها سلطات مصر المتعاقبة، إذ لا يمكن إجبار الملايين على التطبيع مع احتلال يغرق في دماء الجرائم يومياً.

القصة هنا ليست فقط قضية فلسطين، التي لا تحتاج للكثير لمعرفة عمقها الشعبي العربي، ففي ذاكرة مصر ما هو كافٍ، مضاف إليه استفزاز إسرائيل لحاضر وتاريخ هذا الشعب الذي خبر إجرامها على جسد أسراه وأطفاله في جريمة مدرسة بحر البقر وغيرها.

محاولات شيطنة أفعال من واجه الاحتلال لم تُنسِ شعب مصر أحبّتهم. وما هو مؤسف أن صلاح أريد تجهيله، فلا يقام له عزاء حتى، وأُخضع لحسابات وممارسات لا تجدها حتى مع مرتكبي المذابح الصهاينة، الذين يوصفون بأنهم "مختلون عقلياً"، مثل باروخ غولدشتاين، مرتكب مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994.

في كل الأحوال، من الواضح أنه مثلما كان مستحيلاً محو سيرة الجندي المصري سليمان خاطر والأردني أحمد الدقامسة، يستحيل في الذاكرة الشعبية المصرية إحالة محمد صلاح إلى "المجهول". وبفعل الممارسات التي رافقت دفنه والتضييق على اسمه، تحوّل الشاب إلى أيقونة أخرى، بغض النظر عن مواقف الناس المتعارضة من السلطة في القاهرة. فنظرة متفحصة إلى متنفس شعب مصر، والعرب عموماً، على وسائل التواصل الاجتماعي، ستكشف أن المهمة مستحيلة.

أحلام يقظة دولة الاحتلال برؤية طوابير الشباب العربي تهلل للتطبيع، أو تدين "المخربين"، قلبها محمد صلاح بين شعبه إلى كابوس آخر من كوابيس دولة الأبرتهايد الصهيونية.