أعلن عدد من المكونات المدنية والاجتماعية جنوبي ليبيا إنشاء "الإدارة الذاتية" للجنوب الليبي، بهدف انتزاع حقهم في توفير الخدمات من أجل عيش كريم.
جاء هذا الإعلان، الثلاثاء الماضي، في سبها؛ أكبر مدن الجنوب، بحضور قيادات اجتماعية ونشطاء سياسيين ومدنيين، وذلك بعد أيام من إغلاقهم أكبر حقلَين نفطيَين في الجنوب (الشرارة والفيل في منطقة أوباري)، وتصاعد السخط الشعبي حيال تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار وشح السلع الأساسية.
صحيح أن الإغلاق النفطي في الجنوب ليس الأول من نوعه، وقد سبق أن هددت فاعليات اجتماعية فيه عديداً من المرات بإنشاء إدارات ذاتية، إلا أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفاً، إذ لا يشبه الإغلاقات السابقة، والتي كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر وراءها، من أجل مكاسبه الخاصة.
في السابق كانت الإغلاقات تشمل منابع النفط وموانئ تصديره معاً، أما الآن فالإغلاق في منابع النفط أقصى الجنوب، فيما عبّرت إدارات الشركات النفطية في بنغازي وموانئ تصدير النفط عن قلقها حيال الإغلاق، محذرة من استمراره.
ولأول مرة يتضمّن بيان مكونات اجتماعية في الجنوب احتجاجاً صريحاً على تردي الوضع الأمني، وربطه بعدم اكتراث مليشيات حفتر بتعزيزه في مناطق الجنوب، بل وقرن البيان تردي الوضع بتحوّل الجنوب إلى ساحة للتوغل الأجنبي.
عبارة "سلطتنا المحلية" التي وردت في البيان تعبيراً عن الرغبة في إدارة شؤون المنطقة بسلطة محلية لا تبدو مقلقة تحديداً لجهة إمكانية أن تكون طريقاً لعودة الحديث عن الفيدراليات مجدداً، فالوضع العام لا يشير إلى جهوزية المنطقة لمثل هذا الحديث، خصوصاً أن الجنوب مرتبط بالشرق الليبي ضمن سياسات دول كبرى، مثل روسيا، والتي تعتبره مجالاً مهماً للتوغل في العمق الأفريقي.
كذلك من الممكن أيضاً أن يفشل مشروع "الإدارة المحلية"، وألّا يلقى قبولاً إذا ما تطوّر بتسمية شخصيات على علاقة بالنظام السابق ضمن قياداته. فأنصار سيف الإسلام القذافي لهم ثقلهم وكلمتهم في الجنوب الليبي، لكن الواقع السياسي في البلاد لا يزال غير مستعد لاحتضانهم حتى الآن.
كل تلك الأسباب وغيرها قد تجعل من مشروع "الإدارة المحلية" خالياً من عوامل نجاحه، لكن مما لا شك فيه أن الجديد في حراك الجنوب هذه المرة أن في صوته نبرة جديدة تشير إلى اتجاه الأوضاع لرفض سلطة حفتر.
يأتي ذلك على الرغم من أن الأخير لا يزال يلزم الصمت، إما تجاهلاً أو جهلاً بتقدير الأوضاع، والتي من الواضح أنها تتجه إلى مزيد من الغضب المجتمعي، بدليل أن بلدتَي جالوا وأوجلة النفطيتَين، الواقعتين على حواف الشرق حيث تتركز سلطة حفتر، انضمتا إلى احتجاجات الجنوب وأوقفتا تدفق النفط من أراضيهما.