عندما يناقض قيس سعيّد نفسه

10 أكتوبر 2022
قرر سعيّد تعديل المرسوم الانتخابي الذي وضعه بنفسه (الأناضول)
+ الخط -

تتحول تونس شيئاً فشيئاً إلى دولة هواة، يُسيّر فيها الشأن العام بطريقة غريبة لا تخضع لأي منطق ولا رؤية واضحة ولا معقولية. أهواء تقود إلى القرار ثم إلى نقضه بعد سويعات، من دون أدنى مشاورة وفي ازدراء تام من السلطة لكل النخب. وآخر هذه الشطحات قرار تعديل مرسوم القانون الانتخابي.

تذكر الرئاسة التونسية أن الرئيس قيس سعيّد استقبل مساء الأربعاء 5 أكتوبر/تشرين الأول رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، ليؤكد لها "ضرورة فرض احترام المرسوم المتعلق بالانتخابات على الجميع حتى تكون الانتخابات القادمة معبرة بالفعل عن إرادة الشعب التونسي وتقطع نهائياً مع ما كان سائداً بمناسبة أي موعد انتخابي".

لكن بعد يومين فقط، أي الجمعة 7 أكتوبر، يستقبل سعيّد بودن، مرة أخرى، لكن ليقول لها هذه المرة "إنه يجب وضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد (في جمع التزكيات للمترشحين للانتخابات)، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات... وإذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله"، من دون أن يفصح في لحظتها عن التعديل الذي يريده تحديداً.

لكن ما الذي حدث في يومين حتى يغيّر الرئيس رأيه بهذه الطريقة، وما الجديد الذي طرأ بخصوص الانتخابات وجمع التزكيات ليتدخل "الواجب الوطني المقدس" ويغيّر قانون اللعبة قبيل أيام من الدخول جدياً في الانتخابات؟

أجمع متابعون للشأن الانتخابي في تونس أن الشروط التي وضعها سعيّد بنفسه لهذه الانتخابات مجحفة وغير قابلة للتحقيق وإنها ستدفع إلى دخول المال السياسي بقوة وستستثني كل مواطن من حق الترشح، إلا الميسورين مادياً وأصحاب النفوذ والقبلية، وأنها أقصت النساء والشباب كذلك. لكن سعيّد لم يسمع لأحد وظل يدافع لأيام عن شرط التزكيات الـ400 التي فرضها قبل أن يغيّر رأيه بشكل فجائي ويقرر تعديل المرسوم الانتخابي الذي وضعه بنفسه، تماماّ كما غيّر الدستور الذي كتبه بنفسه.

والغريب أن المتحدث الرسمي باسم هيئة الانتخابات التليلي المنصري، كان قد كشف لـ"العربي الجديد" أن عدد التزكيات الذي طُرح في البداية على هيئة الانتخابات كان 200 فقط، ثم تم تغييره بعد ذلك".

وهذا يطرح نفس الأسئلة، ما هي معايير هذه الشروط التي وضعها سعيد بنفسه ليغيرها بنفسه؟ لماذا 400 تزكية وليس 300 أو 100 مثلاً؟ ولماذا أُلغي شرط التناصف بين الرجال والنساء في الترشح للانتخابات لضمان وجود المرأة في هذا البرلمان. وفي النهاية، لماذا هذا البرلمان أصلاً وكل الأحزاب المهمة تقاطعه والرئيس في نهاية الأمر سيفعل ما يريد، وسيقرر ثم سيغيّر ما أقرّه بنفسه، بين عشية وضحاها، بدافع "الواجب الوطني المقدس "الذي لا يدرك قداسته إلا هو.

المساهمون