عملية "طوفان الأقصى".. مزيج من الصدمة والخيبة في واشنطن

08 أكتوبر 2023
أكد بايدن تأييد واشنطن "الصلب" لإسرائيل (رويترز)
+ الخط -

تتشابه التغطية والمتابعة الأميركية المتواصلة حتى اللحظة لعملية "طوفان الأقصى"، إلى حد بعيد مع ردود فعل واشنطن السياسية والإعلامية على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إذ أثار حجمها وأسلوبها وعنصر المفاجأة فيها، حالة من الصدمة والذهول وعدم التصديق، في ضوء ما كان مستقراً في الأذهان حول جاهزية إسرائيل وقدراتها العسكرية المتفوقة.

ولعل أكثر ما كان ملحوظاً، وقع الخيبة من فشل مخابراتها في رصد أي إشارات مسبقة حول الهجوم، واستباقه وإحباطه، أو على الأقل الحدّ من خسائره. لقد هزّ عنصر المباغتة التي شُبِّهَت بمفاجأة حرب أكتوبر 1973 بعد مرور خمسين سنة، الصورة السائدة عن إسرائيل، ثم جاء حجم الخسائر والأسرى ليزيدها اهتزازاً. 

وفيما كانت النقمة عارمة على المقاومة الفلسطينية، خصوصاً في صفوف الأوساط المحافظة في الإعلام والكونغرس، كان الغمز من زاوية القصور الإسرائيلي واضحاً بين سطور الردود، إذ ثمة من يربطه ولو بشكل غير مباشر بعمق الانقسام الإسرائيلي المتزايد والمتفاقم منذ 8 أشهر حول التعديلات القضائية التي تدفع بها حكومة بنيامين نتنياهو، والذي شمل شريحة من قوات الاحتياط.

وفي هذا السياق تردد أن ثمة تحذيرات في الآونة الأخيرة نبّهت من "تردي قدرات الردع" الإسرائيلي، لكن لم يؤخذ بها.

وبدت الصدمة على الإدارة الأميركية أكثر من غيرها، إذ إن توقيت العملية وحجمها غير المسبوق غيّرا الدينامية والحسابات في المنطقة وخارجها، حيث انعكس ذلك في بيان الرئيس جو بايدن المتلفز بعد حديثه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. 

وأبدى بايدن تأييد واشنطن "الصلب" لإسرائيل، مع إدانته لـ"الإرهاب الفلسطيني" ومن دون دعوة الطرفين لضبط النفس كما كان يجري في السابق. هذا من جهة. أما من جهة ثانية، فقد حرص لأول مرة في حروب غزة، على التحذير من العمل على "استغلال" هذه الحادثة لتحقيق مكاسب.

يعكس ذلك إدراكه أنّ ما جرى من "اختراق" لخطوط إسرائيل والدخول إلى داخل ساحتها المدنية "وأخذ رهائن" ثم نقلهم إلى غزة، ليس أقل من نقطة تحول في الصراع، كان بمثابة "تطور رئيسي" كشف مرة أخرى أن "سياسة الردع الإسرائيلي لا تنفع" كما قال إدوارد دجيرجيان، السفير السابق ورئيس مؤسسة باكر في جامعة رايس بولاية تكساس. 

وأضاف أن "هذه العملية من شأنها تغيير الساحة السياسية في المنطقة"، ومن واقع تجربته كدبلوماسي لعب دوراً في موضوع المفاوضات أيام الرئيس جورج بوش الأب، ناصحاً بالعودة "إلى جوهر المشكلة" لإيجاد حل لها، مخاطباً إسرائيل بصورة مبطنة بالقول إن هذه القضية "لا يوجد حل عسكري لها"، وبالتالي لا بدّ من العودة إلى البحث عن تسوية سلمية لها.

هذا الموضوع تناولته إدارة بايدن بصورة ملتوية، حيث تكتفي بالتذكير بالتزامها حلّ الدولتين، لكن على الورق فقط. ويذكر أن جهات أميركية غير قليلة، ومنها يهودية، أبدت في الآونة الأخيرة، وبالتحديد منذ مجيء حكومة نتنياهو الحالية، تخوفها وأحياناً ضيقها من تنمّر هذه الأخيرة واستفزازاتها  وترك الحبل على غاربه لوزرائها العنصريين للإمعان في عدوانيتهم يومياً. 

ارتفعت أصوات التحذير المتتالية من استمرار إسرائيل في هذا النهج الدموي، ليس من باب التعاطف مع الفلسطينيين، بل خشية انزلاق إسرائيل إلى دولة أبارتهايد بصورة مكشوفة، لكن إدارة بايدن اكتفت كالمعتاد بالاختباء وراء كليشيهات صارت مملة وفاضحة ومكررة، مثل أنّ "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، مع دعوة الطرفين "لضبط النفس". 

وبينما نأى خطابها عن الإشارة إلى الوضع القائم في الضفة بأنه احتلال، كان يتردد بالهمس والتسريب أنّ الإدارة "منزعجة" من الحكومة الإسرائيلية وممارساتها التي لا تطاق، لكنها آثرت التجاهل مرضاةً لنتنياهو، علّه يقدم على القبول بتوسيع التطبيع، وتحديداً مع السعودية، والذي تعامل معه البيت الأبيض كأولوية في سياسته الخارجية، لحسابات لا علاقة لها بالقضية الأساس.

تراكم التجاهل أدى إلى انفجار الوضع، وسلّط الأضواء من جديد على ما يسميه مراقبون "جذور" النزاع، وجرت مداولات شملت مختلف جوانب هذه النقطة المركزية، ومنها الاحتلال، إما مباشرة وإما ضمناً. 

وفرضت نوعية العملية تناول الوضع من ناحية أعطابه الإسرائيلية، التي تحذر منها جهات يهودية أميركية أدركت مدلولات هذا التطور، إذ أشار الأستاذ الجامعي ستيفن سبيغل، في هذا السياق، إلى أهمية حصول "تغيير في الحكومة الإسرائيلية وتخليصها من التطرف". 

كذلك نقلت تقارير تحذيرات الخبير مارك هالر لجهات إسرائيلية من المراهنة على اجتياح غزة "لأنه لن يغير شيئاً على المدى الطويل". شيء من هذا القبيل انطوت عليه قراءات أميركية لما حدث. 

ورغم المزايدة بين البيت الأبيض والكونغرس في إبداء الدعم غير المحدود لإسرائيل في ردها على العملية، إلا أنّ المقاربة الأميركية المتوارثة للنزاع ولقدرات إسرائيل، تخلخلت، حتى ولو أن موازين القوة ما زالت راجحة بما لا يقاس لمصلحة الدولة العبرية، إذ إنّ الفشل الاستخباراتي بهذا القدر ليس أمراً بسيطاً، وكان وقعه كالصاعقة في واشنطن.

ونسف الهجوم حسابات أميركية إقليمية وربما دولية، ووضعت مسألة التطبيع في أحسن حالاتها، على الرف. فالمواجهة "طويلة وقد تخرج عن السيطرة"، حسب معظم التقديرات العسكرية، وثمة من لا يحذف إمكانية توسيعها، إذ إن هناك تلميحات وقراءات تحمّل إيران المسؤولية. 

وقد يستدعي الأمر إعادة حشو ترسانة إسرائيل بالأسلحة وبتأييد عارم من الكونغرس وبما قد يزيد من تردد هذا الأخير في تجديد التسليح لأوكرانيا الذي يُعَدّ أولوية لإدارة بايدن التي أخذها الحدث في غفلة وفتح المجال لأكثر من سيناريو لم يكن في الحسبان.