عمران خان أمام اختبار سحب الثقة: ربع قرن من العمل السياسي

03 ابريل 2022
مناصرون لعمران خان في إسلام أباد أمس (أمير قرشي/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، اليوم الأحد، تصويتاً في البرلمان على سحب الثقة من حكومته، في إجراء يهدد حكمه المستمر منذ عام 2018. وعلى الرغم من أن الحكومة الباكستانية حاولت مراراً إرجاء عملية التصويت على القرار. لكن يبدو أن تلك المحاولات قد باءت بالفشل، بعد أن فقد الحزب الحاكم، "حركة إنصاف"، الأغلبية في البرلمان، وانفض معظم المتحالفين معه من حوله، كما غيّر 22 من أصل 155 من نواب الحركة نفسها ولاءهم، وأعلنوا الانضمام إلى المعارضة والتصويت لصالح سحب الثقة من خان.

ويصطدم خان، بطل رياضة الكريكت السابق، بهذا الإجراء اليوم، بأخطر أزمة سياسية منذ انتخابه عام 2018، ويتهمه خصومه بسوء الإدارة الاقتصادية في ظل تسارع ارتفاع التضخم وضعف عملة الروبية، فضلاً عن خلافات بشأن سياسته الخارجية. كما تواجه الحكومة تهديداً متزايداً من حركة طالبان باكستان التي أعلنت الأربعاء الماضي عن عزمها شن "هجوم" على قوات الأمن خلال شهر رمضان.

يُتهم خان من قبل خصومه بسوء الإدارة الاقتصادية

فقدان تحالف خان الأغلبية في البرلمان

ولم تعد "حركة إنصاف" وحلفاء خان يتمتعون بأغلبية في البرلمان، بعد انشقاق حزب "الحركة القومية المتحدة" وإعلان نوابه السبعة عن نيتهم التصويت لصالح حجب الثقة، بالإضافة إلى نواب الحركة الذين سيصوتون لصالح المقترح.

وتشكل التحالف المؤيد لعمران خان قبل سنوات من "الرابطة الإسلامية الباكستانية" جناح قائد أعظم، والحركة القومية المتحدة (أو حركة متحدة قوامي)، وحزب "بلوشستان عوامي"، وعدد من النواب المستقلين قبل أن تتبدل الأحوال تباعاً حتى وجد حزب خان نفسه شبه وحيد.

ويمتلك حزب "حركة إنصاف"، في مجلس النواب المؤلف من 342 عضواً، 155 مقعداً، وكان يعتمد على حلفائه لنيل الأغلبية البسيطة المقدرة بـ172 مقعداً، بيد أن خان فقد هذه الأغلبية البسيطة اليوم. وبتأييد 177 عضواً، باتت المعارضة الآن تمتلك العدد الكافي من النواب في الجمعية الوطنية، بينما أصبحت الحكومة تمتلك 164 صوتاً فقط.

وفي مقابل تحالف خان، هناك بشكل خاص حزبا المعارضة الرئيسيان "الشعب الباكستاني" و"الرابطة الإسلامية الباكستانية" جناح نواز شريف، اللذان هيمنا على السياسة لعقود تخللتها انقلابات عسكرية، إلى أن شكّل عمران خان تحالفاً تعهد باجتثاث الفساد.

ويرى بعض المحللين أن عمران خان فقد أيضاً دعم الجيش النافذ في السياسة الباكستانية، والذي ينظر إليه من قبل المعارضة على أنه الداعم الأول لحكم خان. مع العلم أن تحركات خان مع المؤسسة العسكرية أخيراً، لا تدعم كثيراً هذا الاعتقاد. 

وفي حال إطاحة خان، فمن المرجح أن يقود الحكومة الجديدة شهباز شريف من "الرابطة الإسلامية الباكستانية"، وهو شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أطيح عام 2017 بتهم فساد مزعوم وسُجن قبل إطلاق سراحه بكفالة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 لدواع طبية.

كما لا يستبعد أن يتولى المنصب بيلاوال بوتو زرداري من حزب "الشعب الباكستاني"، وهو نجل رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو والرئيس السابق آصف زرداري.

وينص دستور باكستان على أنه "في حالة تمرير قرار حجب الثقة عن رئيس الوزراء بأغلبية أعضاء مجلس النواب (172 من أصل 342)، يتوقف رئيس الوزراء عن تولي منصبه".

خان: سترون كيف سأُفشل ما يدور في البلاد بإشارة دول أجنبية وبدعمها المالي

لكن خان كعادته لم يستسلم إلى الآن، وقال في مقابلة خاصة مع قناة "أي أر واي" المحلية، المعروفة في الأوساط الإعلامية الباكستانية بولائها للمؤسسة العسكرية، أول من أمس الجمعة، إنه "بطل رياضي، ومعروف أن رئيس الفريق (الكابتن) دوماً لديه خطة معالمها خفية، ولكنها تغيّر الموازين".

وتابع "لذا سترون كيف سأُفشل ما يدور في البلاد بإشارة دول أجنبية وبدعمها المالي"، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي اتهمها أخيراً بـ"التدخل في شؤون البلاد والعمل على إطاحته".

وملاحظ أن قائد الجيش الجنرال جاويد قمر باجوه، ورئيس الاستخبارات الجنرال نديم أحمد أنجم، التقيا أخيراً، أكثر من مرة بخان، المتهم من قبل معارضيه بأن المؤسسة العسكرية أتت به، وهي التي تحافظ على حكومته.

الصورة
عمران خان
اتهم خان واشنطن بالسعي إلى إطاحته (فاروق نعيم/فرانس برس)

مسيرة عمران خان السياسية

بدأ عمران خان، نجم الكريكت الباكستاني، الذي تمكن من الفوز في كأس العالم عام 1992، مسيرته السياسية قبل 25 عاماً، وقد كان حينها يحظى بشهرة واسعة ويعد صاحب ثروة، كونه نجم رياضي وأحد رواد الأعمال الاجتماعية في البلاد.

خاض السياسة في سعي منه لـ"تغيير حالة باكستان الاقتصادية والمعيشية، والسياسة النمطية، مع سيطرة بعض الأسر الخاصة المدعومة من قبل دول غربية على الحكم"، وفق ما يقول، ذلك علاوة على "تغيير مسار السياسة الخارجية".

وقد قال في خطاب له عبر التلفزيون الوطني في 31 مارس/آذار الماضي "كنت أملك الكثير من الأموال والشهرة، وما كنت بحاجة إلى الحصول على أي شيء من خلال المجيء إلى السياسة، ولكني اخترت هذا الطريق لأجعل باكستان دولة تتمتع بالرفاهية والأمن في الداخل، والاستقلال في السياسة الخارجية، لأني لاحظت أن أسراً معينة تسيطر على سياسة البلاد منذ عقود، وقد أفقدت باكستان كرامتها على مستوى العالم".

ويشير خان في حديثه عن الأسر المسيطرة على سياسة البلاد، إلى أسرة الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري، وهو زعيم حزب "الشعب الباكستاني"، وكذلك أسرة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، زعيم حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية".

نشاط خان السياسي بدأ فعلياً بعد الغزو الأميركي لأفغانستان

وعلى الرغم من صيته الذائع في أوساط الشباب ومحبي الرياضة وانخراطه في السياسة منذ التسعينيات، إلا أن نشاط خان السياسي بدأ فعلياً بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، إذ كان ممن عارضوا انضمام باكستان إلى "الحرب على الإرهاب" التي أطلقتها الولايات المتحدة غداة اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.

وكان يقول إن القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس العسكري السابق برويز مشرف، بالانضمام إلى هذه الحرب "لن يأتي بخير لباكستان".

وبشأن هذا الأمر، أشار خان في خطابه الأخير إلى أن برويز مشرف "جمعنا وكنت من بين رؤساء الأحزاب، من أجل التشاور بشأن الانضمام إلى دول حلف الحرب على الإرهاب، وقد قلت آنذاك إننا سندفع أثماناً باهظة، ولكن مشرف قال إن أميركا كالأسد الجريح إن لم نقف معها سنخسر الكثير، ولكنني عارضت الأمر حتى النهاية، وما زلت أعارض الانحياز إلى دولة ضد أخرى في الصراعات الدولية".

أسس خان حزبه السياسي في إبريل/نيسان 1996، تحت اسم "حركة إنصاف"، وشعار "الإنصاف والإنسانية واحترام الذات". لكن لم يحظ هذا الحزب بحضور لافت أو بنفوذ في الأوساط الباكستانية قبل الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001.

ففي انتخابات عام 2002، حصل حزب خان على مقعد واحد في البرلمان، وتخلى عنه في عام 2007، احتجاجاً على سياسات حكومة مشرف. وكانت السمة الغالبة لحزبه آنذاك، معارضة حكومة مشرف وكذلك معارضة مساندة أميركا.

لم يشارك حزب خان في انتخابات عام 2008، كما حال الكثير من الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد وقتها، لكنه كان بدأ يبرز أكثر في المعسكر المعارض لحكومة مشرف. وقد وُضع خان تحت الإقامة الجبرية لفترات طويلة، خاصة أنه كان يرفع الصوت ضد أميركا في أفغانستان والمنطقة.

بعد عام 2010، أشتهر خان سياسياً برفع شعار معارضة الغارات الجوية الأميركية بطائرات بدون طيار في المناطق القبلية الباكستانية. حينها، وقفت القبائل إلى حد كبير إلى جانب خان، علاوة على سكان شمال غرب باكستان ومعظمهم من قبائل البشتون.

وكان معارضو خان (الرئيس برويز مشرف في البداية، ثم حكومتي زرداري ونواز شريف لاحقاً) يطلقون عليه وصف "طالبان خان"، في إشارة إلى أنه يتبنى فكر حركة "طالبان" ويعارض السياسة الأميركية.

لكن خان استغلّ هذا الأمر بنجاح وذلك للحصول على دعم أبناء القبائل والشمال الغربي من البلاد، وكل من عارض الوجود الأميركي في أفغانستان. وبطبيعة الحال، كانت تلك النقطة لاحقاً محط توافق بين خان والمؤسسة العسكرية.

يقول معارضو خان إن حزب حركة إنصاف أسسته المؤسسة العسكرية والاستخبارات الباكستانية

ارتباط عمران خان بالمؤسسة العسكرية

قيل الكثير بشأن ارتباط تحركات خان بالمؤسسة العسكرية، بل إن معارضيه يقولون إن حزب رئيس الوزراء الحالي أسسته المؤسسة العسكرية والاستخبارات الباكستانية. غير أن خان يرى أن باكستان بحاجة إلى جيش قوي وأن الحكومة المدنية عليها أن تقف إلى جانب المؤسسة العسكرية.

وقد أشار في حوار في الأول من إبريل الحالي مع قناة "آي آر واي"، إلى أن "الأحزاب السياسية الأخرى خاصة حزبي الشعب والرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، إحدى مشكلاتهم أنهم يعارضون الجيش من أجل البقاء في السلطة ويتربصان به".

وأضاف "بينما أنا لن أخالف سياسات الجيش، إيماناً مني بأن باكستان، وفي ظل الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، بحاجة إلى مؤسسة عسكرية قوية".

وبفضل سياسة معارضة أميركا والوقوف مع الجيش، حصل حزب خان في انتخابات عام 2013، على نسبة لا بأس بها من أصوات الباكستانيين، إذ حصد 7.5 ملايين صوت وقتها، محتلاً المركز الثاني لناحية عدد الأصوات، والثالث لناحية عدد المقاعد في البرلمان.

في تلك الفترة، حاول خان من خلال مسيرات كبرى، إسقاط حكومة نواز شريف، ومارس عليها الكثير من الضغوط، غير أنه لم ينجح في مسعاه.

ولاحقاً، في انتخابات عام 2018، حصل حزب خان على الأغلبية الساحقة من المقاعد في البرلمان، فيما وصف معارضو حركة إنصاف هذا الإنجاز بأنه "ملفّق لأن إنجاح خان وحزبه، جاء بدعم من الاستخبارات والمؤسسة العسكرية".

شكّل خان الحكومة عبر التحالف مع بعض الأحزاب السياسية الصغيرة مثل حزب "الرابطة الإسلامية" جناح قائد أعظم، الذي كانت له خمسة مقاعد في البرلمان، و"حركة القومية المتحدة" المعروفة بـ"حركة المهاجرين" ولديها سبعة مقاعد في البرلمان، علاوة على "حركة باب" البلوشية و"الحركة الوطنية البلوشية"، ولكل واحدة من هاتين الحركتين أربعة نواب في البرلمان.

لم يكن المتحالفون مع الحكومة راضين عن كامل سلوك خان منذ اليوم الأول لتحالفهم معه، ولكن لاحقاً تدهورت الأمور وبدأت تظهر التباينات بشكل أكبر، وهو ما استغله "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي يجمع جميع الأحزاب السياسية والدينية المعارضة لحكومة خان.

واليوم أعلنت جميع الأحزاب المتحالفة مع خان، عدا حزب الرابطة جناح قائد أعظم، الولاء للمعارضة بعد أن أكدت هذه الأخيرة عن مضيها بتوجه سحب الثقة عن حكومة خان في الثامن من مارس الماضي.

استخدمت الحكومة كل الطرق والسبل من أجل إرجاء عملية التصويت على سحب الثقة

واستخدمت الحكومة كل الطرق والسبل من أجل إرجاء عملية التصويت على سحب الثقة، كما لعبت المؤسسة العسكرية دور الوسيط لتقنع المعارضة بسحب التصويت من البرلمان، والتوافق على انتخابات مبكرة، ولكن المعارضة أصرت على مسار سحب الثقة عن رئيس الحكومة.

خشية لدى المعارضة من خطوات خان لإفشال سحب الثقة

وعلى الرغم من أن خان قد أعلن في خطابه الأخير أنه لن يستقيل، بالقول "أنا لا أستقيل، بل أكمل اللعبة إلى آخرها وننتظر إلى يوم الأحد لنرى عما سيتمخض التصويت في البرلمان"، إلا أن هناك خشية لدى المعارضة من أن خان "قد يتخذ خطوات غير دستورية من أجل إفشال عملية سحب الثقة منه".

ومن بين هذه الخطوات التي تتخوف منها المعارضة "فرض حالة الطوارئ، واعتقال رموز المعارضة وبعض أعضاء البرلمان بالتذرع بملفات عدة كالحصول على أموال خارجية من أجل إرباك الأمن"، خاصة أن حكومة خان ادعت أن عملية سحب الثقة من الأخير بدأت بإشارة ودعم أميركي.

إذ قال خان أخيراً إن واشنطن وجهت في السابع من مارس الماضي، رسالة إلى الخارجية الباكستانية، تطلب فيها إزاحة خان، وذلك تعبيراً عن غضبها من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني إلى موسكو، في اليوم الثاني للحرب الروسية على أوكرانيا.

سيرة عمران خان

وُلد عمران خان نيازي في مدينة لاهور، شرقي باكستان، في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1952، ضمن أسرة من عائلة نيازي البشتونية التي استقرت لفترة طويلة في منطقة ميانوالي في شمال غرب البنجاب. وعائلة نيازي الباكستانية هي أحد فروع قبيلة نيازي الرئيسية في ولاية غزنة الأفغانية.

درس خان في كلية أيتشون في لاهور، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا ليلتحق بمدرسة القواعد الملكية في ورسستر. ثم دخل عام 1972 كلية كيبل في جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد. أنهى دراسته بالحصول على المرتبة الثانية في السياسة والثالثة في الاقتصاد على دفعته.

انضم إلى فريق الكريكت الوطني عام 1972، وقاده إلى الفوز بكأس العالم في عام 1992.

لديه مشاركات في عدد من الأعمال الاجتماعية، كتأسيسه مستشفى شوكت خانم للأمراض السرطانية (نسبة إلى اسم والدته التي توفيت بالسرطان)، وقد تم تدشين هذا المشروع في ديسمبر/كانون الأول عام 1994، ويعد من أكبر المشاريع في مجاله على مستوى باكستان.

كما أسس جامعة نمل للتقنية في مدينة ميانوالي، وقد تم تدشين هذا المشروع عام 2018. ولكن بعد انشغاله بالسياسية، ترك خان الأعمال الاجتماعية كلياً، ولم يعد يهتم حتى بمستشفى شوكت خان ولا بجامعة نمل، كما يقول معارضوه.

المساهمون