بعد نحو شهرين من الاتفاق السعودي الإيراني في بكين في 10 مارس/ آذار الماضي على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لا تزال الأسئلة مطروحة حول كواليس هذا الاتفاق، وما تحقق منه، والمؤمل من تبعاته على المسار الثنائي بين البلدين وتبعاته على دول المنطقة.
وعن كواليس المباحثات الإيرانية السعودية، والرؤية الإيرانية لمستقبل الاتفاق مع السعودية وتأثيره على ملفات المنطقة، يتحدث مساعد وزير الخارجية الإيراني عليرضا عنايتي، لـ"العربي الجديد"، وهو الذي شارك في جميع جولات الحوار مع السعودية في بغداد ومسقط وأخيراً في بكين.
دعنا نبدأ من انطلاق المباحثات بينكم وبين السعوديين، من طلبها في البداية؟ طهران أم الرياض أم طرف ثالث؟
قبل سنتين تلقينا إشارة من رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي بإمكانية الحوار بين إيران والمملكة العربية السعودية. الجمهورية الإسلامية تجاوبت سريعاً لأنها تهمها العلاقات الجيدة مع الجيران. وعندما جاءت حكومة آية الله إبراهيم رئيسي أكدت استراتيجية دبلوماسية الجوار ومنحت الأولوية للعلاقات مع الجيران من دون انتقائية واستثناء. ثم جلسنا معهم وزرعنا وحصدنا. المباحثات انطلقت في عهد الحكومة الإيرانية السابقة واستمرت في عهد الحكومة الحالية وفي نهاية المطاف تحققت النتيجة التي كنا نرغب بها.
الشيء الثاني هو أن الجمهورية الإسلامية لم تقطع هي العلاقة مع المملكة العربية السعودية والإخوة السعوديين في 2016 نتيجة لما ألمّ بالسفارة السعودية، هم قرروا قطع العلاقات ونحن متأسفون لما حصل للسفارة.
يعني تفهمتم الموقف السعودي عندما تمت مهاجمة سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد؟
في الحقيقة الذي حدث كان مؤسفاً ونحن قلنا إن الحكومة لها مسؤولية في هذا المجال وما حصل كان غير مقبول ورفضناه.
أشرتم إلى إرسال العراق إشارة إلى إيران بشأن إطلاق الحوار مع السعودية. هل الرياض طلبت من بغداد ذلك؟
لا نعلم إن كانت السعودية هي التي طلبت أو العراق. ذلك لم يهمنا، بل المهم هو أننا تلقينا إشارة بإمكانية الحوار مع السعودية واستجبنا لها.
ما هي العوامل التي دفعت الطرفين لإطلاق الحوار بعد نحو ست سنوات من القطيعة؟ هل فعلاً تغيّرت إيران أم تغيّرت السعودية؟
في الحقيقة الأصل والجوهر هو وجود العلاقات واستمرارها، ولو حصل عكس ذلك فهو شيء عرضي خارج ما هو الأصل. ولذلك نحن عدنا إلى ما هو الأصل أي وجود العلاقات. والأمر الثاني أن تجربة سنوات القطيعة أدت إلى التفكير بأنها لن تجدي نفعاً ولم يستفد أحد من هذه القطيعة، لا نحن ولا السعوديون ولا المنطقة.
الأمر الثالث هو حسب ما أعتقد أنه تم تغليب منهج على منهج آخر، أي تغليب منهج الحوار على اللاحوار. أي جميعنا نعرف أنه توجد مشاكل وأزمات في المنطقة لكن كيف تتم معالجتها وإدارتها؟ الحوار ليس فقط لجلب المنفعة، بل أيضاً لدرء المفسدة.
إيران دائماً كانت تنادي بالحوار باعتباره السبيل الأوحد. في نهاية المطاف بدأ الحوار بيننا وأثمر. وهنا أود أن أشير إلى أن الشيء الذي تمتاز به قطر هو تركيزها على الحوار وتنمية ثقافة الحوار، وقطر من رواد هذه الفكرة. وفي كل اجتماعاتنا مع إخواننا القطريين كانوا يؤكدون على ترسيخ هذه الثقافة وعلى الحوار بين إيران وجيرانها. وما حصل بين إيران والسعودية كان نتيجة لتنمية ثقافة الحوار وإعطاء الأولوية للحوار.
هناك من يقول إن هذا الحوار جاء نتيجة إرهاق الطرفين والوصول إلى قناعة بأنه لا يمكن لطرف تغيير سلوك الطرف الآخر وسياساته. ما رأيكم؟
أنا لا أنظر للموضوع من هذا المنظار. الحديث عن هذه الأمور يعيدنا إلى ما قبل الحوار. نحن اليوم نؤكد أنه يجب أن نجلس ونتحاور لضمان المستقبل للإقليم، وما يهمنا هو النظر إلى المستقبل وليس إلى الوراء، وطيّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة. نحن لم نغير نهجنا، ولما دخلنا الحوار الذي كنا ننادي به كنا جادين للخروج بنتيجة ترضي الجميع، إيران والسعودية والمنطقة.
الجميع كان ينتظر اجتماع وزيري خارجية إيران والسعودية في بغداد بعد خمس جولات من الحوار الذي قيل إنه سينتقل من طابعه الأمني إلى السياسي، لكنه استؤنف بطابعه الأمني وفي بكين. لكن لماذا في بكين وليس بغداد أو مسقط؟
أرى أن ما زرعناه في بغداد ومسقط، حصدناه في بكين، وما حصل في الصين لم يكن وليد الصدفة، بالعكس ما تم من جولات حوارية خمس في بغداد وعدة جولات في مسقط مهدت الأرضية والفهم المشترك بين الطرفين الإيراني والسعودي.
ما زرعناه في بغداد ومسقط، حصدناه في بكين، وما حصل في الصين لم يكن وليد الصدفة
قد تكون مبادرة الرئيس الصيني أعطت دفعة قوية للمباحثات. عندما زار الرئيس رئيسي الصين (في يناير/ كانون الثاني الماضي) دار الحديث حول الحوار مع السعودية، والطرف الإيراني كان حريصاً على حصد النتيجة، وبالفعل وافقنا على المبادرة الصينية كما وافقت عليها السعودية بأن تكون بكين آخر محطة وهو ما حصل.
خمس جولات في العراق وجولات أخرى في عمان على مدى عامين لم تفض إلى نتيجة، لكن ستة أيام من المفاوضات في بكين أثمرت. يبدو أن ذلك حصل لأن المستضيف أصبح مختلفاً؟
كما شرحت في الإجابة السابقة، ما حصل في بكين كان استمراراً للحوار في بغداد ومسقط. يعني نحن لم نكن أمام مسارين. الاتفاق في بكين كان نتيجة الحوارات في بغداد ومسقط. كل ما ناقشناه طيلة تلك الجولات في سنتين في العراق وعمان أفضى في نهاية المطاف إلى الاتفاق في بكين.
متى ستستأنف سفارتا البلدين وقنصليتاهما أعمالها؟
الفريق الفني الإيراني الذي ذهب إلى كل من الرياض وجدة يعمل حالياً على إعمار وترميم المباني بعد سبع سنوات عجاف. هم موجودون هناك حالياً ويمارسون عملهم الفني ويحظى عملهم بتسهيلات سعودية.
لكن استئناف العمل الرسمي للسفارات قد يستغرق وقتاً لأن المباني سواء في الرياض أو جدة بحاجة إلى الترميم. بالنسبة إلى السعودية، زار وفد فني سعودي طهران ومشهد وتفقد المباني وعاد إلى السعودية نهاية رمضان، ليقرر ويرجع. من المقرر عودة الوفد السعودي. نأمل أن تعاد نشاطات السفارات. نحن الآن أمامنا موضوع الحج وهو الأولوية.
استئناف العمل الرسمي للسفارتين قد يستغرق وقتاً لأن المباني بحاجة إلى الترميم
هل تتوقعون إعادة فتح السفارتين قبل بدء موسم الحج؟
إذا ما زادت سرعة الخطوات الإدارية، يمكن ذلك. لا يمكنني القول إنه سيحصل قبل الموسم أو بعده. أكد البيان الثلاثي في بكين على أن تتم إعادة فتح السفارات خلال شهرين. نحن والسعوديون اتخذنا إجراءات، لكن ليس مهماً أن تتأخر يوماً أو يومين، بالنسبة للسفراء فالبيان ينص على الترتيب لعودة السفراء خلال شهرين وليس أن تتم عودتهم خلال هذه الفترة.
هناك دعوات متبادلة بين كبار المسؤولين الإيرانيين والسعوديين. من سيبدأ أولاً بزيارة بلد الآخر؟ هل يمكن أن نشهد أول زيارة لملك سعودي إلى إيران بعد الثورة الإسلامية؟
هذا ما نأمله. سبق أن زار رؤساء إيرانيون السعودية، كما زار الأمير عبد الله بن عبد العزيز إيران كولي عهد للمشاركة في قمة مؤتمر التعاون الإسلامي. كما حصلت زيارات أخرى لإيران على مستوى الأمير سلطان والأمير نايف. قوبلت هذه الزيارات بترحاب إيراني.
الآن هناك دعوات متبادلة. فخامة الرئيس رئيسي قبِل الدعوة وقال إنه سيلبيها. وأنا أتصور أن المهم هو تبادل الزيارات بين الطرفين ونحن نرحب أجمل الترحاب بزيارة الملك السعودي إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك إذا قام فخامة الرئيس بزيارة إلى السعودية فهذه الزيارة ستكون محل ترحاب كبير من قبل إخواننا في السعودية.
هل بدأت فعلاً الترتيبات لهذه الزيارات؟
الآن الحديث يدور حول الدعوات والقبول بها. ترتيبات زيارة فخامة الرئيس بحاجة إلى عمل أكثر لكن ترتيبات زيارة وزراء الخارجية أسهل من ذلك.
حدثنا عن الملفات الثنائية والإقليمية التي شكّلت محور مباحثات بكين والاتفاق بين الطرفين؟ على ماذا اتفقتم؟
الجمهورية الإسلامية كانت تنظر إلى الحوار من منظار ثنائي وأكدنا إعادة العجلة إلى طبيعتها وأن تكون المباحثات مع السعودية مبنية على المحاور الثنائية فقط، وهو ما حصل بالفعل. نحن تحدثنا عن أمور عدة، تفعيل اتفاقيتين سابقتين بين البلدين، وهو ما نص عليه البيان الثلاثي في بكين، أي اتفاقية التعاون الأمني الموقّعة في 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقّعة في 1998. وهناك أيضاً اتفاقيات أخرى مثل اتفاقية النقل الجوي.
هنا أود القول إنه بعدما انطلق الحوار مع السعودية تحققت بعض النتائج العملية مثل تفعيل الممثلية الإيرانية لدى منظمة التعاون الإسلامي في جدة عام 2021. أما في بكين فقد تم الاتفاق على استئناف العلاقات وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية للبلدين. كما اتفقنا على تفعيل الرحلات الجوية بين البلدين والعمرة للمواطنين الإيرانيين وتمكين السعوديين من زيارة العتبات الدينية والمواقع السياحية الإيرانية. كل ما تم الاتفاق عليه كان في الشأن الثنائي بين الطرفين.
يعني تريد القول إنه لم تتم مناقشة ملفات أخرى غير الملفات الثنائية في بكين؟
لم يناقش أي ملف آخر غير الملفات الثنائية.
حتى الملف اليمني؟
طُرح الملف اليمني، لكن الجمهورية الإسلامية أكدت أن هذا الملف يخص أبناء اليمن وأنه لا يمكننا الحديث نيابة عنهم، وأن هذا الملف يمني بحت ولا نريد أن نخوض فيه. ولم يناقش أي ملف إقليمي آخر لا في المباحثات ولا في الاتفاق.
طُرح الملف اليمني لكننا أكدنا أنه يمني بحت ولا نريد أن نخوض فيه
لكن الملف اليمني شهد تطورات باتجاه الهدنة بالذات بعد يوم من اجتماع وزيري خارجيتي إيران والسعودية. يعني ليس لهذا الأمر أي علاقة بمحادثات واتفاق بكين؟
لا توجد صلة بين الأمرين. لأن الجولة الأولى للحوار اليمني (الحوثي) السعودي انعقدت في يناير 2023، أي شهرين قبل مباحثات بكين.
في مسقط؟
لا، تمت في صنعاء.
يعني زيارة الوفد السعودي الأخيرة إلى صنعاء لم تكن هي الأولى وسبقتها زيارة أخرى؟
نعم. حصلت الزيارة الأولى في يناير ونوقشت ملفات تخص الطرفين. لكن من منظور آخر، ستكون للاتفاق الإيراني السعودي تداعيات إيجابية، وسيفتح آفاقاً للتعاون في المنطقة وازدهارها وتنميتها. عندما تتحسن العلاقات بين دول المنطقة، بطبيعة الحال سينسحب ذلك على المنطقة وملفاتها وتُخلق أجواء إيجابية وظروف مناسبة للتعاون المشترك.
مستقبلاً بعد تبادل السفراء وفتح السفارات هل يمكن أن تناقش إيران والسعودية ملفات إقليمية؟
تصعب الإجابة عن هذا السؤال. الملفات تخص أبناء كل منطقة على حد سواء. لكن بصورة عامة، سيتحقق الأمن والتنمية في المنطقة، ويجب أن ينتهي وجود القوات الأجنبية. فعندما يستتب الأمن في المنطقة لا داعي لوجود هذه القوات التي زعمت أنها جاءت لتحقيق الأمن، وستزول المبررات والمسوغات التي استخدموها للحضور في المنطقة. مثل هذه الملفات العامة يمكن أن تناقش مع جميع الدول.
لكن هذه الصورة الإقليمية العامة التي أشرت إليها لن تنضج ما لم يتم حل الأزمات في ساحات الاشتباك في المنطقة، في اليمن وفي لبنان وفي سورية وفي العراق وغيرها، لأن الوضع في هذه الساحات في نهاية المطاف هو الذي سيرسم الصورة العامة في المنطقة. فكيف يمكن أن يستتب الأمن في المنطقة بشكل عام بينما تلك الساحات مازالت مشتعلة؟ خصوصاً أن إيران والسعودية بشكل أو آخر على صلة بتلك الساحات؟
أؤكد أن هذه الساحات وجميع الملفات فيها تخص أبناءها، وهم إذا قاموا بمعالجة الأمور وإدارتها وحلحلة الأمور فسيساهم ذلك في رسم الصورة العامة أو البانوراما في المنطقة بشكل متكامل. الجمهورية الإسلامية ليست مخوّلة للحديث باسم هذا الطرف أو ذاك. لكن نحن نساعد في تهيئة الأجواء والبيئة لحلحلة هذه الأزمات ونشجع الجميع على ذلك، ندعم الحلول السياسية. فعلى سبيل المثال في الملف اليمني، رحبنا بالهدنة في اليمن بمجرد الإعلان عنها في إبريل/نيسان 2022. نرى أن الحل السياسي هو مربط الفرس في قضية اليمن. والحرب لم ولن تكون مجدية.
نحن سبق أن قدّمنا مبادرة مكونة من أربعة بنود، هي وقف الحرب وإقامة الهدنة وحل الأزمة عبر الحلول السياسية وإرسال المساعدات الإنسانية والحوار اليمني - اليمني وتشكيل حكومة انتقالية. عندنا تواصل مع "أنصار الله" وحكومة "الإنقاذ الوطني" والمبعوث الأممي الحالي والسابق والأمين العام للأمم المتحدة. ونرحب بالخطوات التي اتُخذت في صنعاء أخيراً، والتي أدت إلى إطلاق سراح السجناء والانتقال المرحلي في الحلول السياسية.
دعنا نكرر السؤال، الملف اللبناني لم يُطرح على طاولة المباحثات بين إيران والسعودية؟
لا لم يُطرح.
إذاً كيف سيستفيد لبنان من ذوبان الجليد بين إيران والسعودية؟ ماذا عن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان وعلاقتها بالاتفاق مع السعودية؟
الآن الأجواء طيبة وجيدة، وسابقاً هذه الأجواء لم تكن موجودة، لكن اليوم الأجواء مُرضية وهي يمكن أن تساعد. الأزمة اللبنانية شأنهم الداخلي البحت وبإمكانهم تفعيل قدراتهم وإمكاناتهم وأكفيائهم للوصول إلى النتيجة. وزيارة وزير الخارجية جاءت في إطار ثنائي والعلاقات الثنائية. حل الأزمة بيد اللبنانيين لكن الأجواء التي نحن اليوم نتنفس فيها هي غير ما كانت قبل سنة أو سنتين، فيمكنهم اختيار نهج لانتخاب رئيس الجمهورية ونحن سنرحب بذلك.
الملف اللبناني لم يُطرح على طاولة المباحثات بين إيران والسعودية
الأميركيون أعلنوا أنهم كانوا على علم بما يجري في أروقة المباحثات في بكين وأن السعوديين كانوا يطلعونهم على مسار المفاوضات. برأيكم لماذا لم تتدخل واشنطن لتعطيلها؟
هذا ما ادّعوه. أنا أتصور أن عجلة الكون لا تدور على أصابع الأميركيين. الحكومات والدول في منطقتنا، لها مصالحها ورؤاها وكل واحد يقرر حسب مصالحه. والعالم اليوم ليس أحادي القطب.
بعدما أُعلن عن استئناف العلاقات الإيرانية السعودية، رحب الجميع كثيرا بالاتفاق، ورأوا أنها تخدم العلاقات الإقليمية والعلاقات الإسلامية وساحات عدة تتأثر بهذه العلاقات.
أصدقاء إيران رحبوا بالاتفاق، لكن وجدنا تذمراً من الكيان الصهيوني تجاه العلاقات. والكيان رأى أن العلاقات بين إيران والسعودية ستقطع عليه الوجود في المنطقة ومسار التطبيع. بكل تأكيد، الإسرائيليون والأميركيون سيتحركون ويخططون لإفشال هذا المسار الجديد. وهم لا يحبذون وجود علاقات طبيعية وجيدة في المنطقة وبين إيران والسعودية، وهم يريدون دائماً الاصطياد من المياه العكرة وخلق تبريرات لمواصلة حضورهم في المنطقة. لذلك يجب أن نكون يقظين للحفاظ على هذا المكسب الكبير أي الاتفاق بين إيران والسعودية. والبلدان اتخذا خطوات جريئة وإن شاء الله سيحافظان على هذا المسار.
الإسرائيليون والأميركيون سيتحركون ويخططون لإفشال هذا المسار الجديد
بالتوازي مع المصالحة بين إيران والسعودية، تتطور العلاقات بينكم وبين الإماراتيين. ما وراء ذلك؟ هل له صلة باتفاق بكين؟
العلاقات مع الإمارات سبقت اجتماع بكين، ليس فقط الإمارات وإنما الكويت أيضاً. شهدت علاقاتنا مع هذين البلدين تطوراً. وعاد السفراء إلى سفاراتهم.
علاقاتنا مع دولة قطر أيضاً جيدة ومبنية على الثقة المتبادلة. فخامة الرئيس رئيسي زار قطر العام الماضي وكانت هناك زيارة متبادلة أيضاً لسمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران. وفي كلتا الزيارتين تم التأكيد على تمتين العلاقات في مختلف المجالات. هناك تواصل مستمر بين كبار المسؤولين الإيرانيين والقطريين وبين وزير خارجيتي البلدين.
علاقاتنا مع دولة قطر مبنية على الثقة المتبادلة
كيف تتوقعون في إيران أن يكون شكل المنطقة بعد استئناف العلاقات مع السعودية؟
يبدو أننا مقبلون على نظام إقليمي جديد بناء على التعاون بين الدول وأبناء المنطقة. نحن نراهن على نتائج هذا الاتفاق بتكوين نظام إقليمي جديد يحوي على ثماني دول، ونتمنى أن يكون اليمن الضلع التاسع للعمل الإقليمي. هذا النظام يبني التعاون والتنمية والتعاون الثقافي والاقتصادي والحضاري والشعبي والطاقة والممرات المائية والبرية. ولما لا يكون هكذا؟ ولماذا لا يتمكن المواطن الإيراني من السفر بمركبه إلى العراق ثم الكويت ويدخل السعودية؟ ولم لا يتخذ المواطن العماني مركباً أو سيارة من عمان فيدخل الإمارات والكويت والعراق ويدخل الجمهورية الإسلامية؟
نحتاج إلى عمل إقليمي متكامل كتكتلات أخرى، فهل هي حلال لهم وحرام علينا؟ مثل شنغهاي وبريكس. كلها مبني على عمل اقتصادي مشترك. نحن أيضاً في المنطقة الأحوج إليها لبناء نظام إقليمي واحد ومتكامل في الخليج الفارسي. الموارد متوفرة من النفط والغاز والزراعة. بإمكان إيران أن تؤمن الأمن الغذائي في المنطقة. الشرق الأوسط هو الإقليم الأخضر كما سماه سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ودعا إلى زرع مليار شجرة نخل. هي تفيد السعودية كما قطر كما الإمارات وإيران وبقية الدول.
الجميع سيتضرر من اللاأمن، والكل ينتفع بوجود الأمن. بإمكان جيراننا العرب الوصول عبر الأراضي الإيرانية إلى آسيا الوسطى والقوقاز ودول بحر قزوين وغيرها بتكلفة أقل ووقت أقصر.
لكن السؤال هنا هو عن مدى استعداد الطرف الآخر للتعاون الاقتصادي مع إيران في ضوء استمرار العقوبات الأميركية عليكم، خصوصاً أن الأطراف الأخرى التي أشرتم إليها تربطها علاقات اقتصادية قوية مع أميركا؟
نحن لا نتحدث عن افتراضيات بأن هذه العقوبات تؤثر أو لا. أولاً نريد القول إن هذا هو التوجه السليم لبناء علاقات إقليمية متكاملة. ومثلما قلنا، الأميركيون ليسوا هم أسياد المنطقة وكثير من هذه العقوبات أحادي.
قبل الاتفاق بين طهران والرياض كان التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، خصوصاً بينها وبين السعودية، حديث الساعة مع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم. بعد هذا الاتفاق كيف تتوقعون مستقبل هذا التطبيع؟ هل يمكن أن توقف عجلته عودة العلاقات بين إيران والسعودية
نتصور هكذا. نتوقع انحسار وجود الكيان الصهيوني في منطقتنا. هذا الكيان وُجد لخلق الفتنة وفي ذاته الفتن. الإقليم بغنى عنها بحجج وذرائع. نتمنى أن تتعاون إيران والسعودية وقطر والإمارات والكويت وعمان والعراق وكل هذه الدول فيما بينها. نحن أبناء المنطقة يجب أن نعيش مع بعضنا البعض.
النظام الإقليمي الذي أرادت أميركا إنشاءه بمحورية الكيان الصهيوني قد فشل قبل أن يولد. فكرة بناء شرق أوسط جديد موجودة قبل أكثر من عقدين من الزمن، وفكرة دمج الكيان الصهيوني في المنطقة قد فشلت. لا يمكن أن يكون الكيان الصهيوني جزءاً من نظامنا الإقليمي.
التوتر العربي الإيراني يعود بالأساس إلى غياب الثقة بين إيران ومحيطها العربي بسبب سياسات وسلوك هنا أو هناك. ماذا ستفعل إيران من خطوات عملية لبناء هذه الثقة؟
بشكل عام الثقة لا بد أن تكون متبادلة. لا نريد أن ندخل في متاهات التزام طرف ببناء الثقة وعدم التزام طرف آخر به. كلنا مطالبون بضرورة بناء الثقة. كلنا علينا الابتعاد عن خطوات من شأنها أن تهدم الثقة، ويجب اتّباع نهج يبني هذه الثقة. والجميع عليهم الالتزام بهذا المبدأ وليس على طرف من دون الآخر. وكذلك الالتزام بالاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول. نتمنى الابتعاد عن المفردات التقليدية السابقة. اليوم المطلوب هو كيف يمكننا أن نخطو خطوات تجاه المستقبل وليس رمي اتهامات متبادلة. هناك إيرانوفوبيا مدفوع من جهات خارج المنطقة لتخويف المنطقة. لا أحد منا يدعي أننا ملائكة. لنا ما لنا وعلينا ما علينا. علينا أن ننظر إلى مستقبل واعد.
سيرة
الدكتور عليرضا عنايتي (61 عاماً)، دبلوماسي مخضرم، كرس حياته المهنية للعمل في السلك الدبلوماسي الإيراني، وإلى جانب تقلّده مناصب مختلفة في الخارجية الإيرانية على مدى عقود، مثّل بلاده سفيراً في الكويت وقائماً بالأعمال للسفارة الإيرانية في جدة.
يشغل عنايتي حالياً منصب مساعد وزير الخارجية الإيراني.
يتردد في أوساط إعلامية وسياسية أن عنايتي من أبرز المرشحين لتولي منصب السفير الإيراني في السعودية في خطوة إن تمت حسب المراقبين فإنها تدل على الأهمية التي تعطيها طهران للعلاقات مع السعودية، ما استدعى تعيين مساعد الوزير سفيراً لها في الرياض.