عقد على تهجير مدن عراقية: الفصائل تمنع عودة أهاليها

24 أكتوبر 2024
مسلحون في جرف الصخر، 25 أكتوبر 2014 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التهجير والمعاناة المستمرة: منذ عقد، تعاني مدن عراقية مثل جرف الصخر من التهجير القسري بسبب سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، حيث يعيش السكان في مخيمات نزوح دون خدمات أساسية.

- السيطرة المسلحة والتوترات: تسيطر أكثر من 20 فصيلاً مسلحاً على المناطق المهجورة، مما يفاقم التوترات مع واشنطن التي نفذت هجمات جوية على مواقع داخل المدينة.

- الوعود الحكومية والتغيير الديمغرافي: لم تتحقق وعود الحكومة بإعادة المهجرين، حيث استولت الفصائل على جرف الصخر، مما يتطلب تدخل الدولة لإعادة الأهالي.

يمر اليوم عقد على عملية تهجير مدن عراقية إذ تدخل أكثر من 10 مناطق وبلدات عامها العاشر على التوالي من دون حياة فيها، حيث ما زالت أكثر من 20 جماعة وفصيلاً مسلحاً تسيطر عليها وترفض دعوات الانسحاب منها والسماح لأهلها بالعودة إليها. هذه المناطق باتت تُحرج الحكومات العراقية المتعاقبة، حيث تُكرر كل حكومة وعودها بحل أزمتها وتجعلها ضمن بنود برنامجها العام، غير أنها تُرحل في نهاية المطاف بدون أن تحقق شيئاً منها. ويوافق اليوم 24 أكتوبر/تشرين الأول مرور عقد كامل، على خلو مدينة جرف الصخر العراقية من أهلها، حيث أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في مثل هذا اليوم عام 2014، استعادة السيطرة على المدينة التي تضم نحو 200 ألف نسمة، وتقع إلى الجنوب من بغداد بنحو 70 كيلومتراً، وتتبع إدارياً محافظة بابل، بعد مواجهات مع مسلحي تنظيم داعش، حظيت بدعم إيراني بري مباشر.

عقد على تهجير مدن عراقية

منذ ما يقرب من 10 سنوات على تهجير مدن عراقية وبقرار من فصائل مسلحة حليفة لإيران، ما زال سكان جرف الصخر البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة مُهجّرين في مخيمات ومعسكرات نزوح، علماً أنها تُعتبر معقل عشيرة الجنابيين العربية في العراق إلى جانب عشائر أخرى مختلفة. وعلى الرغم من وعود متكررة لحكومات حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، بإعادتهم، إلا أن أياً منها لم يتحقق.

محمد جدوع الجنابي: المُهجرون من جرف الصخر يعانون من قلة الخدمات

ومنذ ذلك الحين، أُغلقت بلدة جرف الصخر، (تزيد مساحتها على 50 كيلومتراً مربعاً)، ولم يَعد الأهالي إلى مدينتهم، وهم خليط اجتماعي حضري وريفي، من عشائر الجنابيين والدليم والقراغول والزبيد وغيرها. وتلتحق بالمدينة التي تأسست كناحية إدارية في خمسينيات القرن الماضي، عدة ضواح، أبرزها صنيديج والفارسية والقرة غول، وحديثاً منطقة المنشآت. إلى جانب جرف الصخر، تتواصل عملية تهجير مدن عراقية أبرزها العوجة وهي مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتقع في ضواحي تكريت مركز محافظة تكريت، وكذلك العويسات الواقعة جنوب شرقي الأنبار، وبلدات ذراع دجلة والثرثار في صلاح الدين، ويثرب وسلمان بيك، وقرى آمرلي وطوزخورماتو، ومناطق الوقف والحوض والسعدية ومناطق قرى المقدادية مثل نهر الإمام والخيلانية.

جميع هذه المناطق لم تشهد عودة الحياة إليها مجدداً، ويتوزع أهلها الذين يقدر عددهم بين 400 ألف إلى 500 ألف مواطن على مخيمات ومعسكرات، وآخرين يقيمون في مدن مجاورة أو داخل إقليم كردستان العراق، واستطاع الكثير منهم التكيف مع الوضع الجديد وإيجاد عمل له. ولا تُقدّم الحكومات العراقية المتعاقبة أي ردود مُقنعة بشأن عملية تهجير مدن عراقية وما إذا ستستمر خارجة عن سيطرة الدولة، غير أنها لا تتجاوب مع وسائل الإعلام في الرد على الأسئلة المقدمة لها حولها.

وبعد عمليات دامت عدة أسابيع، تحدثت في وقت سابق فصائل عراقية عن مشاركة قوات من الحرس الثوري الإيراني فيها، تمت استعادة السيطرة على جرف الصخر، التي يؤكد سكان محليون فرّوا منها، تنفيذ المليشيات عمليات إعدام ميدانية على الهوية. غير أن المدينة ظلت مغلقة منذ ذلك الحين، وانسحبت القوات العراقية النظامية بشكل كامل منها، لتبقى داخلها عدة فصائل، ليتم لاحقاً منع الدخول إليها حتى بالنسبة للقوات العراقية.

وعلى مدار السنوات الأربع الأخيرة من تواصل عملية تهجير مدن عراقية تحولت جرف الصخر إلى منطقة تصعيد عسكري بين واشنطن والفصائل المسلحة، حيث نفذت واشنطن أكثر من 10 هجمات جوية على مواقع لفصائل مسلحة داخل المدينة المُغلقة، يقول الجيش الأميركي إنها تستهدف مصانع طائرات مسيّرة وصواريخ. وكان آخر تلك الهجمات في 31 تموز/يوليو الماضي، حيث نفذت مقاتلات أميركية سلسلة غارات على جرف الصخر، أدت إلى مقتل وإصابة 15 عنصراً من كتائب حزب الله العراقية، كما تم الكشف لاحقاً عن مقتل عنصر واحد في جماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية، في الهجوم ذاته. وسببت خطوة منع الفصائل لسيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ من الدخول للمدينة وحصر عمليات الإخلاء في الفصائل ذاتها، جدلاً عراقياً في ذلك الوقت أكثر من القصف ذاته.

فعلياً هناك 20 فصيلاً مسلحاً تسيطر على البقع العراقية المعتمة منذ 10 سنوات، وهي ذات الفصائل التي تمنح نفسها تصنيفاً مستقلاً داخل مؤسسة "الحشد الشعبي"، وهو عنوان "المقاومة الإسلامية"، العابرة للحدود والتي تمتلك أجنحة مسلحة لها تقاتل مع نظام بشار الأسد في سورية منذ عام 2012، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"الإمام علي"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"سرايا عاشوراء"، و"الخراساني"، و"البدلاء"، وفصائل عراقية أخرى تُعرف أيضا على أنها الأكثر ارتباطا أو تحالفا مع إيران.

معاناة أهالي جرف الصخر

وبشأن تهجير مدن عراقية قال الناشط السياسي محمد جدوع الجنابي، إنه "خلال 10 أعوام لم تتمكن الحكومات العراقية من تحقيق العدالة الاجتماعية وإرجاع الأهالي النازحين من منطقة جرف الصخر، بسبب سيطرة جماعات مسلحة على المنطقة والفشل الحكومي، بما فيها حكومة محمد شياع السوداني، في الوفاء بوعودها لحل هذا الملف الإنساني".

وأضاف الجنابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المُهجرين من جرف الصخر يعانون من قلة الخدمات والمساعدات الأساسية، مما فاقم معاناتهم اليومية، ووزيرة الهجرة زادت الأمر سوءا عندما أغلقت المخيمات التي كان النازحون يعيشون فيها، بدون تأمين عودتهم إلى ديارهم أو توفير بدائل مناسبة لهم. هذا الإجراء تسبب في كارثة إنسانية كبيرة، حيث توقفت المنظمات الدولية عن التعامل معهم كنازحين رسميين بسبب تصرّف الوزيرة الذي يفتقر إلى المهنية، مما جعلهم في مواجهة مصير مجهول بدون أي دعم".
وعود زائفة

ظافر العاني: جرف الصخر استولت عليها عصابات السلاح المنفلت وحولتها إلى مقرات لعملياتها

من جهته، أشار النائب العراقي ظافر العاني إلى أن "الوعود الزائفة والتبريرات المخادعة لسياسة التطهير الطائفي والتغيير الديمغرافي الذي طاول عدداً من المدن السنّية في أطراف بغداد وفي صلاح الدين وديالى، مستمرة منذ 10 سنوات. ولا شك أن منطقة جرف الصخر وحدها قصة مأساوية تكشف عن السياسات التي تقوم بها المليشيات المسلحة تجاه ما يقرب عن مائة ألف مواطن مهجرين عن بيوتهم ومزارعهم".

وقال العاني، لـ"العربي الجديد"، إن "المنطقة (جرف الصخر)، استولت عليها عصابات السلاح المنفلت وحولتها إلى مقرات لعملياتها ومنطلق صواريخها ومسيراتها ومخازن عتادها، بينما ينام سكان المدينة في خيام على أطراف مدينتهم ومزارعهم، بانتظار قرار العودة الذي لم يأت بعد، بالرغم من تضمين ذلك في البرامج الحكومية مع تشكيل كل حكومة جديدة". وأوضح أن "الحل يمكن أن يكون من خلال الدولة والقوات الأمنية الرسمية التي عليها أن تخرج المليشيات من المقرات غير الرسمية، وأن تعيد الأهالي وفق سياقاتها الرسمية، والأمر ينطبق على باقي المدن منزوعة السكان".

وفي وقت سابق، وصف رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي، في مقابلة إعلامية، جرف الصخر بأنها "معسكر"، مُستدركاً: "معسكر للفصائل المسلحة، ولا أحد قادر على دخولها". كما أشار رئيس الحكومة العراقية الأسبق إياد علاوي، في تصريحات متلفزة، إلى أن "جرف الصخر أصبحت مستقلة، فيها معامل ومصانع ومعتقلات". وكانت هذه التعليقات تثير جماعات الفصائل المسلحة، حتى أنهم يشنون هجمات إعلامية ضد كل من يتحدث بخصوص جرف الصخر، معتبرين إياها منطقة تشكل تهديداً أمنياً ولا بد من حمايتها وعدم السماح للنازحين منها بالعودة إليها.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون