عقدة عين عيسى بلا حل: استعداد للسيناريوهات الأسوأ

25 ديسمبر 2020
تسيطر "قسد" على بلدة عين عيسى (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تدل المعطيات الميدانية على أن الوضع في بلدة عين عيسى، الواقعة في قلب منطقة شرقي نهر الفرات السورية، لم يشهد أي تطور يجنبها أعمالاً عسكرية بين الأطراف المتنازعة في هذه المنطقة الأكثر أهمية في البلاد، والتي تحاول روسيا وتركيا توسيع نفوذيهما فيها. وعلى الرغم من عدم انزلاق المنطقة، حتى الآن، إلى صدام عسكري بين فصائل المعارضة السورية و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على البلدة، إلا أن كافة الأطراف تستعد كما يبدو للسيناريوهات الأسوأ.
واستهدفت، مساء الأربعاء الماضي، فصائل "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية مجدداً قريتي المشيرفة وجهبل في ريف عين عيسى الشرقي، في الوقت الذي أوقف فيه الجانب الروسي رحلات المدنيين على الطريق الدولي "أم 4" بسبب القصف والاشتباكات الدائرة بين "قسد" و"الجيش الوطني". وأكدت مصادر محلية وصول تعزيزات عسكرية من قبل قوات النظام السوري إلى منطقة عين عيسى انطلاقاً من مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، وذلك بالتزامن مع وصول أكثر من 20 آلية عسكرية إلى النقطة الروسية في ريف البلدة.

سيكون المشهد أكثر تعقيداً في حال تسلم النظام عين عيسى
 

وفي مؤشر واضح على نيّة فصائل المعارضة انتزاع منطقة عين عيسى، سلماً أو حرباً، أكد رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري، في حوار مع وكالة "الأناضول" التركية نشر أمس الأول، أنه "إن لم تنسحب قسد من هذه المناطق، فإن الوضع مفتوح على كل الخيارات، والعملية العسكرية ستتوسع في الأيام المقبلة". وقال الحريري إن "قسد لم تتخل عن ارتباطها مع بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابي، ولم تتخل عن ممارساتها حيال الشعب السوري، ولم تقبل بأن تغير رؤيتها للوضع في سورية وعن الكينونات الفيدرالية". واتهم الحريري هذه القوات بعدم تطبيق "الاتفاقات الموقعة بين تركيا وأميركا، وتركيا وروسيا" في العام 2019، موضحاً "وبالتالي لم يتم الانسحاب بالشكل المطلوب من هذه المناطق، ما دفع تركيا والجيش الوطني للتحذير مطالبين بتطبيق الاتفاقيات".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتشي التطورات في منطقة عين عيسى الواقعة في ريف الرقة الشمالي، أن أطراف الصراع متحفزة استعداداً لجولة قتال جديدة مع انسداد الأفق أمام حلول ترضي تركيا وروسيا و"قوات سورية الديمقراطية"، التي لا تزال تعوّل على تدخل أميركي شبيه بالذي حدث مع مدينة منبج غربي في 2018 عندما هدد الأتراك بالسيطرة عليها بالقوة. لكن مصدراً مطلعاً، فضل عدم كشف اسمه، أشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الموقف السلبي من قبل الأميركيين ربما يكون سببه عدم انصياع قسد لمطالب أميركية بعدم فتح باب حوار مع النظام السوري".
وكان تفجر نزاع حول منطقة عين عيسى الاستراتيجية، حيث يطالب الجانب الروسي بتسليمها للنظام السوري لتفادي عمل عسكري واسع النطاق من قبل الفصائل المدعومة من الجيش التركي، والمتمركزة على بعد عدة كيلومترات إلى الشمال من البلدة. ومن الواضح أن الجانبين، التركي والروسي، يسعيان إلى توسيع دائرة نفوذهما في شرق نهر الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، وتعد المنطقة الأكثر غنى بالثروات في البلاد. لكن "قسد" لا تزال تقاوم الضغوط الروسية، مؤكدة على لسان قياديين فيها أنها ستدافع عن البلدة ولن تسلمها لأي طرف. ورفض قياديون في "الجيش الوطني"، اتصلت بهم "العربي الجديد"، الخوض في تفاصيل ما يجري حول عين عيسى، إلا أنه من الواضح أن هذا "الجيش" مصر حتى اللحظة على السيطرة على هذه المنطقة.

استبعد البكور قيام النظام بعملية واسعة النطاق في إدلب

وبرأي الباحث السياسي المقرب من "قوات سورية الديمقراطية" آزاد حسو، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإنّ ما يجري في منطقة عين عيسى "خطة من قبل النظام السوري والدولة التركية بهدف انتزاع المناطق التي تقع تحت سيطرتنا". واعتبر أن روسيا تضغط على الطرفين لتوسع من نفوذها في المنطقة من خلال السيطرة على عين عيسى بالكامل، إضافة إلى الطريق الدولي "أم 4" وتسليمه بعد ذلك للنظام السوري. وقال حسو إن "تركيا سلمت السلاح الثقيل إلى الفصائل المسلحة التابعة لها، وحشدتها على خطوط القتال"، مضيفاً "كنا على دراية بالوضع ونحن محتاطون جيداً، ونرد بقوة على محاولات هذه الفصائل للتقدم" وأكد أن "قسد" لن تسلم المنطقة. وأضاف "نكون أو لا نكون، وسنقاوم بقوة لنحافظ على مكتسباتنا".
وسيكون المشهد أكثر تعقيداً في حال قررت "قوات سورية الديمقراطية" تسليم عين عيسى للنظام لتفادي عمل عسكري ضدها من قبل الجيش التركي. وسيفتح هذا الأمر الباب واسعاً أمام مواجهة عسكرية مباشرة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في شرق نهر الفرات، إلا إذا تدخلت موسكو وأنقرة لضبط إيقاع الأحداث في الشمال الشرقي من سورية، والتي من الواضح أنها بدأت تنعكس على الشمال الغربي من سورية، حيث عاود الطيران الروسي التحليق في سماء محافظة إدلب. وقصفت قوات النظام والمليشيات التابعة لها، أمس الخميس، أطراف بلدتي كنصفرة والفطيرة في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي. وتزامن هذا الأمر مع قصف طائرة حربية روسية منطقة الكبينة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، الذي يشهد قصفاً ومواجهات مستمرة بين قوات النظام والمجموعات المسيطرة على تلك المنطقة. وكان نصر الحريري أبدى، في الحوار مع "الأناضول"، مخاوف من إقدام النظام، بدعم روسي، على شن عمل عسكري ضد محافظة إدلب. وقال "لدينا شك كبير في أن النظام، وإن طال الوقت، سيفكر بهذه العملية".
لكن القيادي في فصائل المعارضة في شمال غربي سورية العقيد مصطفى البكور استبعد قيام النظام بعملية واسعة النطاق في محافظة إدلب في الوقت الراهن. وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه ليس هناك تصعيد حقيقي، موضحاً أن طلعات الطيران تأتي في إطار النشاط التدريبي والاستطلاع. وقال إن الوضع الداخلي في مناطق سيطرة النظام من سيئ إلى أسوأ، و(بشار) الأسد يسعى إلى تهدئة الموالين له قبل الانتخابات، وليس استفزازهم بخسارة الآلاف من أبنائهم في معركة جديدة. وفيما أعرب عن اعتقاده بأنه لا يوجد عمل عسكري للنظام قبل الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن يجريها الأسد منتصف العام المقبل، لفت إلى أن القصف المتقطع سيتواصل من قبل النظام والروس على محافظة إدلب ومحيطها كما جرت العادة.