- المشروع يمنح فلسطين صلاحيات إضافية دون الوصول لعضوية كاملة، محاولة لعزل الولايات المتحدة وتسليط الضوء على دعم الأمم المتحدة لحق فلسطين في العضوية.
- يشير المشروع إلى استحقاق فلسطين للعضوية بناءً على ميثاق الأمم المتحدة، داعيًا لجهود لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين، مؤكدًا على دعم المجتمع الدولي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
قلق أميركي من التصويت على مشروع القرار في الجمعية العامة
مشروع القرار يحدد موعد تفعيل عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة
مشروع القرار يعيد الكرة إلى مجلس الأمن للنظر في عضوية فلسطين
من المفترض أن تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، اليوم الجمعة، على مشروع قرار يوصي بأن يعيد مجلس الأمن الدولي النظر في مسألة قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة لأنها تستوفي الشروط اللازمة لذلك، فيما من المتوقع أن يحصل مشروع القرار على تأييد عدد كبير من الدول. ولا تزال المفاوضات جارية على التفاصيل النهائية لمسودة مشروع القرار، إلا أن التوقعات في الأمم المتحدة بنيويورك ولدى عدد من الدبلوماسيين، بينهم أوروبيون، تدور حول حصول المشروع على تأييد كبير يفوق عدد الدول التي صوتت عام 2012 لصالح منح فلسطين صفة دولة مراقبة، والتي كانت 138 دولة.
من جهة ثانية، يعطي المشروع المطروح أيضاً، وبناء على الصلاحيات التي تملكها الجمعية العامة، فلسطين صلاحيات إضافية، وإن كانت رمزية، تتعدّى صلاحياتها الحالية كدولة مراقبة، لكنه لا يعطيها صلاحيات دولة كاملة العضوية، لأنها تحتاج إلى موافقة مجلس الأمن للحصول على ذلك. كما يشكل تبني القرار، والذي يعيد الكرة لملعب مجلس الأمن، وينص صراحة على استيفاء فلسطين جميع الشروط اللازمة للعضوية ويطلب من مجلس الأمن إعادة النظر بالطلب، ورقة ضغط لعزل الولايات المتحدة، والتي تعارض بشراسة حصول فلسطين على عضوية كاملة، بادعاء أن ذلك يجب أن يكون جزءاً من المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وأن الظروف غير مواتية لذلك.
عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
ويتطلب حصول أي دولة على عضوية كاملة في الأمم المتحدة المرور بثلاث مراحل واستيفاء عدد من الشروط. أما المراحل الثلاث فهي تقديم الطلب للأمين العام للأمم المتحدة ونظره فيه، ومن ثم يحوّله لمجلس الأمن الذي يناقش الموضوع ويوصي بالإجماع أو عن طريق قرار صادر عنه بأن تصوّت الجمعية العامة لصالح قبول تلك الدولة كعضو كامل، وأخيراً تصوّت الجمعية العامة على قرار حول ذلك. ولعل الحلقة الأهم في هذا السياق أنه لا بد لأي دولة الحصول على الموافقة من الجهات الثلاث، وأهمها مجلس الأمن الذي تعرقل فيه الولايات المتحدة اتخاذ هذا القرار. ولا يوجد تحديد لعدد المرات التي يمكن فيها إعادة تقديم الطلب لمجلس الأمن. وكانت فلسطين قد تقدمت بالطلب لأول مرة رسمياً عام 2011 عن طريق رسالة بعثها الرئيس الفلسطيني محمود عباس آنذاك للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والذي حوّله بدوره لمجلس الأمن، إلا أن الأخير وبسبب اعتراضات أميركية لم يتحرك في اتجاه رفع توصية للجمعية العامة. وبقي ملف عضوية فلسطين في الأمم المتحدة عالقاً في مجلس الأمن من دون أي خطوات فعلية.
وتقدمت فلسطين في العام الذي تلاه، 2012، بطلب الحصول على عضوية بالأمم المتحدة كدولة مراقبة، وحصلت على تأييد ثلثي الدول في الجمعية العامة، إذ صوتت أغلبية الدول الأعضاء فيها لصالح الطلب بتأييد 138 دولة. وعلى عكس مجلس الأمن، فإن كل دولة عضو في الأمم المتحدة، أي 193 دولة كاملة العضوية، يحق لها التصويت، ولا تملك أي منها حق النقض (فيتو). وتُتخذ قرارات الجمعية العامة بأغلبية الثلثين أو بأغلبية بسيطة، بحسب نوعية القرار، وفق عدد الدول الأعضاء التي تصوّت بنعم أو لا. وفي حين أن قرارات مجلس الأمن تعتبر ملزمة من ناحية القانون الدولي، فإن قرارات الجمعية العامة يُنظر إليها كتوصيات. كما أن هناك أكثر من 140 دولة اليوم تعترف بدولة فلسطين، على الرغم من أنها ليست عضواً كاملاً في الأمم المتحدة. ولا بد من لفت الانتباه إلى أن التصويت في الأمم المتحدة ليس حول "الاعتراف" بفلسطين كدولة أم لا، فهذا أمر متروك للعلاقات الثنائية بين الدول، بل هو على عضوية فلسطين الكاملة أو عدمها في الأمم المتحدة. ومنذ حصول فلسطين على موقع دولة مراقبة تمكّنت من الانضمام إلى قرابة مائة اتفاقية ومعاهدة دولية.
وفي ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قررت فلسطين الضغط وتفعيل قضية العضوية الكاملة مجدداً. وكان واضحاً أن الجانب الأميركي لن يقبل بخروج توصية عن مجلس الأمن، إذ تحتاج توصية من هذا القبيل لموافقة أو عدم اعتراض أي من الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. وقررت الجزائر، الدولة العربية العضو في مجلس الأمن بدورته الحالية وبالتشاور مع الجانب الفلسطيني والمجموعة العربية، صياغة مشروع قرار يوصي الجمعية العامة بمنح فلسطين عضوية كاملة. وفي 18 إبريل/ نيسان الماضي صوّت مجلس الأمن على المشروع الجزائري، وحصل على تأييد 12 دولة، فيما امتنعت المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، وسط الفيتو الأميركي. ويحتاج أي مشروع قرار لتسعة أصوات لتبنيه في مجلس الأمن، شرط ألا تستخدم أي من الدول دائمة العضوية، وهي فرنسا، والصين، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، الفيتو ضده.
ويعيد مشروع القرار المطروح للتصويت الكرة إلى ملعب مجلس الأمن، وهو إجراء عادي، إذ استُخدم الفيتو عشرات المرات في العقود السابقة ضد عضوية دولة ما في الأمم المتحدة. وعلى سبيل المثال استخدمت الولايات المتحدة آخر مرة الفيتو ضد دولة غير فلسطين عام 1976، والذي كان ضد عضوية فيتنام، وللمرة السادسة ضد هذه الدولة حينها. علماً أن فيتنام حصلت في السنة التالية على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
صلاحيات إدارية
ومن اللافت في نص مشروع القرار المطروح في صيغته الحالية حول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة أنه يوسع الصلاحيات "الإدارية" لفلسطين كدولة مراقبة.
قلق أميركي من التصويت على مشروع القرار في الجمعية العامة
من جهته، عبّر نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة في نيويورك روبرت وود، في تصريحات صحافية، الثلاثاء الماضي، عن قلق بلاده من هذه الخطوة والتصويت اليوم الجمعة على مشروع القرار. وقال وود "ما يقلقنا هو السابقة التي يخلقها مشروع من هذا القبيل، فهناك إجراءات محددة وواضحة ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة حول عملية الحصول على عضوية كاملة"، مضيفاً أن "أي خطوات تلتف حول ذلك هي مقلقة، وعلى بقية الدول الأعضاء أن تشعر بقلق أيضاً". واعتبر وود أن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة "تحتاج لكي تتحقق أن تكون نتاج مفاوضات ثنائية" مع إسرائيل.
لكن تصريحات الدبلوماسي الأميركي غير دقيقة لأسباب عديدة، أهمها أن المشروع في حال تبنيه اليوم في الجمعية العامة يعيد الكرة إلى ملعب مجلس الأمن، وعلى الرغم من توسيعه صلاحيات دولة فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، إلا أنه لا يمنحها عدداً من الميزات الرئيسية للدول كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ومن أبرزها حق التصويت في الجمعية العامة أو الترشح للعضوية في مجلس الأمن الدولي أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيرها، لأن تلك الحقوق تمنح للدول كاملة العضوية.
كما أن مشروع القرار ينص وبصراحة على ذلك، إذ تنص الفقرة الثالثة على أن الجمعية العامة تتخذ هذا القرار "على أساس استثنائي ومن دون إرساء سابقة". كما يشير الملحق بشكل صريح إلى أنه "لا يحق لدولة فلسطين، بصفتها دولة مراقبة، التصويت في الجمعية العامة أو التقدم بترشيحها لعضوية أجهزة الأمم المتحدة".
من غير الواضح حتى اللحظة ما إذا كانت ستطرأ تغييرات جذرية على نص مشروع القرار. علماً أنه ينص في صياغته الحالية على أن الجمعية العامة تقرر "أن دولة فلسطين مؤهلة لعضوية الأمم المتحدة وفقاً للمادة الرابعة من الميثاق، ومن ثم ينبغي قبولها في عضوية الأمم المتحدة، وبناء على ذلك، يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في هذه المسألة بشكل إيجابي، في ضوء هذا القرار وفي ضوء فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في 28 مايو/ أيار 1948، وبما يتفق تماماً مع المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة".
ويشار في هذا السياق إلى أنه من ضمن ما تنص عليه المادة الرابعة من الميثاق أن "العضوية في الأمم المتحدة مفتوحة لجميع الدول الأخرى المُحبة للسلام، والتي تأخذ بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه". ويعرب مشروع القرار "عن بالغ الأسف والقلق لأنه في 18 إبريل/ نيسان 2024، حال صوت سلبي واحد لعضو دائم في مجلس الأمن من دون اعتماد مشروع القرار الذي أيده 12 عضواً في المجلس، والذي يوصي بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة". كما "يؤكد من جديد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في إقامة دولة فلسطين المستقلة".
ويشدّد المشروع على "أن الامتثال لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترامهما يشكلان حجر الزاوية في تحقيق السلام والأمن في المنطقة"، ويدعو "المجتمع الدولي إلى بذل جهود متجددة ومنسقة تهدف إلى التوصل من دون تأخير إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967 وإلى تسوية عادلة ودائمة وسلمية لقضية فلسطين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2334 (2016)، ومرجعيات مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية". ويشير المشروع إلى التأكيد على "دعمه الثابت لحل الدولتين، والعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها، على أساس حدود ما قبل عام 1967".
ينص مشروع القرار على تفعيل عضوية فلسطين الكاملة ابتداء من الدورة المقبلة للجمعية العامة
أما في ما يخص الحقوق والامتيازات الإضافية التي ستحصل عليها فلسطين في الأمم المتحدة من خلال هذا المشروع، فإن الملحق (المشروع) ينص على تفعيلها اعتباراً من الدورة الـ79 للجمعية العامة (أي المقبلة، والدورات تبدأ عموماً في سبتمبر/ أيلول من كل عام)، من دون المساس بحقوقها وامتيازاتها الحالية. ومن أبرز الامتيازات "حق التسجيل في قائمة المتكلمين بشأن بنود جدول الأعمال غير القضايا الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط، بالترتيب الذي تشير به إلى رغبتها في الكلام، والحق في الإدلاء ببيانات نيابة عن مجموعة، بما في ذلك بين ممثلي المجموعات الرئيسية، والحق في تقديم المقترحات والتعديلات وعرضها، بما في ذلك شفوياً وبالنيابة عن المجموعة".
كما تشمل الامتيازات الإضافية لفلسطين كدولة مراقبة، والتي ينص عليها المشروع، "الحق في تقديم تعليلات التصويت نيابة عن الدول الأعضاء في المجموعة، وحق الرد في ما يتعلق بمواقف المجموعة، والحق في إثارة اقتراحات إجرائية، بما في ذلك نقاط النظام وطلبات طرح المقترحات للتصويت، بينها الطعن في قرار الرئيس وبالنيابة عن المجموعة، والحق في اقتراح بنود لإدراجها في جدول الأعمال المؤقت للدورات العادية أو الاستثنائية". يأتي ذلك إلى جانب "الحق في الترشح في الجلسات العامة واللجان الرئيسية للجمعية العامة، والحق في المشاركة الكاملة والفعالة في الاجتماعات الرفيعة المستوى والمؤتمرات الدولية التي تعقد تحت رعاية الجمعية العامة، أو غيرها من أجهزة الأمم المتحدة، فضلاً عن مؤتمرات الأمم المتحدة، بما في ذلك الحق في التصويت. لا يحق لدولة فلسطين، بصفتها دولة مراقبة، التصويت في الجمعية العامة أو التقدم بترشيحها لعضوية أجهزة الأمم المتحدة". وعلى الرغم من أن هذه الحقوق قد تبدو إدارية وبيروقراطية، وهو انطباع في مكانه، إلا أنها تعطي فلسطين إمكانية أكبر ودوراً أكثر فعالية داخل الأمم المتحدة. ولكن على ما يبدو أنه حتى هذه الحقوق "الرمزية" لا تريد الولايات المتحدة أن تحصل فلسطين عليها.