ارتفع منسوب التوتر في مالي، مع سقوط عشرات القتلى، من العسكريين والمسلحين المتشددين والمدنيين، خلال الأيام الماضية وسط جدل متواصل بين باريس وعسكر مالي حول توقيت خروج القوات الفرنسية من البلاد.
كما تبرز تساؤلات حول كيفية توظيف الجماعات الجهادية للتحولات ما إذا كانت ستكون قادرة للاستفادة منها لتعزيز نفوذها، على الرغم من توجه القوات الفرنسية وتلك التابعة للدول الأوروبية الأخرى المنضوية ضمن قوة "تاكوبا" (بلجيكا، وجمهورية التشيك، والدنمارك، وإستونيا، وإيطاليا، والمجر، وهولندا، والبرتغال والسويد) للانتشار في دول أخرى من منطقة الساحل.
عملية عسكرية في شمال مالي
وأعلن الجيش المالي، مساء أمس الأول الجمعة، مقتل ثمانية جنود، و"57 إرهابياً"، في عملية شارك فيها سلاح الجو، في شمال البلاد، في منطقة قُتل فيها عشرات المدنيين على أيدي متشددين.
أعلن الجيش المالي مقتل ثمانية جنود و57 إرهابياً
وذكر الجيش المالي، في بيان، أن متشددين، على متن دراجات نارية حاصروا وحدة عسكرية، مشيراً إلى أن سلاح الجوّ تدخّل لتدمير "قاعدة إرهابية" قرب بوركينا فاسو والنيجر، حيث "أسفرت معارك عنيفة بعد ذلك عن ثمانية قتلى" في صفوف الجنود، بالإضافة إلى إصابة 14 وفقدان أربعة، وأدت إلى "مقتل 57 إرهابياً".
وكانت مصادر في مالي أعلنت، أمس الأول، مقتل 40 مدنياً بيد جماعة تابعة إلى تنظيم "داعش" شمال البلاد. وقال مسؤول مدني إن "هناك ما لا يقل عن أربعين قتيلاً مدنياً في ثلاثة مواقع مختلفة" حول تيسيت على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر.
وأضاف أن الضحايا "مدنيون اتهمتهم إحدى الجماعات بالتواطؤ مع جماعة جهادية أخرى". وأكد المتحدث باسم مجموعة للجيش تنشط شمال البلاد موسى آغ أشاراتوماني حصيلة القتلى. وكانت بلدة تيسيت في منطقة غاو شهدت، في الأسابيع الأخيرة، قتالاً بين جماعات متشددة للسيطرة على المنطقة.
ووقعت عمليات القتل في منطقة المثلث الحدودي، إحدى بؤر العنف الذي يهز منطقة الساحل. وينشط هناك خصوصاً تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف لجماعات مسلحة قريبة من تنظيم "القاعدة".
تمسك عسكر مالي بانسحاب القوات الفرنسية
وفي خضم تزايد التوتر الأمني، يصرّ المجلس العسكري الحاكم في مالي على وجوب أن تسحب "بدون تأخير" جنودها من البلاد، فيما رد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن هذا الانسحاب، الذي أعلن عنه الخميس الماضي، سيتم "بطريقة منظمة"، مؤكداً أن بلاده لن "تساوم في أي لحظة على أمن جنودها".
وكان ماكرون أعلن، الخميس الماضي، أن إغلاق القواعد الثلاث في غاو وميناكا وغوسي سيمتد على أربعة إلى ستة أشهر.
وكانت فرنسا تدخلت في العام 2013 لوقف تقدم الجماعات المتشددة التي كانت تهدد باماكو، ثم شكلت عملية إقليمية كبرى "برخان" ونشرت آلاف الجنود لمكافحة الفروع المحلية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش".
وينتشر حوالي 2400 عسكري فرنسي في مالي من أصل 4600 في منطقة الساحل. وفك ارتباط هذه القوات وتفكيك قواعدها وكذلك إجلاء معداتها، بينها مئات المدرعات، يشكل في حد ذاته مهمة كبرى وخطرة.
وفي بيان تلي عبر التلفزيون الوطني، اعتبر الكولونيل عبد الله مايغا، المتحدث باسم الحكومة التي شكلها العسكريون الانقلابيون، إعلان الانسحاب الفرنسي "انتهاكاً فاضحاً" للاتفاقيات بين البلدين. وقال إنّ نتائج الوجود العسكري الفرنسي لتسع سنوات في مالي "لم تكن مرضية".
وأضاف: "نظراً لهذه الانتهاكات المتكررة لاتفاقات الدفاع، تدعو الحكومة السلطات الفرنسية إلى سحب قوات برخان وتاكوبا من الأراضي الوطنية بدون تأخير، تحت إشراف السلطات المالية".
وقال مايغا، في البيان، إن "الحكومة تذكّر بأنه مقارنة بالنتائج المنتظرة، فإنّ النتائج التي تم الحصول عليها والمعلنة رسمياً من قبل السلطات الفرنسية لم تكن مرضية"، سواء ما يتعلق بعملية "سرفال" عام 2013 أو "برخان" التي حلّت محلها.
التمسك بالانسحاب ينطوي على حملة دعائية للعسكر
وتذهب تقديرات فرنسية إلى أن إصرار المجلس العسكري في مالي، الذي وصل إلى السلطة بالقوة في أغسطس/آب 2020، على تكرار مطلب انسحاب فرنسا من دون أي تأخير ينطوي على حملة دعائية للعسكر، تركّز على أن فكرة أن فرنسا لا تغادر بمحض إرادتها، بل إن الماليين هم من يطردون المستعمر السابق، في وقت يتم إرساء شراكة جديدة مع روسيا الرسمية أو عبر مرتزقة "فاغنر" الروسية، الذين يقدر عددهم بالمئات.
وكانت باريس أعربت، أخيراً، عن غضبها من قرار المجلس العسكري في مالي دعوة مرتزقة من "فاغنر" للمساعدة في محاربة المتشددين. وقالت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي: "لن نتمكن من التعايش مع المرتزقة". في المقابل، تؤكد السلطات المالية عدم لجوئها إلى المرتزقة، وتتحدث عن تعاون بين دولة وأخرى مع روسيا.
اعتبر عسكر مالي أنّ نتائج الوجود الفرنسي لم تكن مرضية
ويأتي تمسك عسكر مالي بانسحاب القوات الفرنسية وسط تساؤلات بشأن الاستراتيجية التي ستتبناها الجماعات المتشددة خلال الفترة المقبلة، وكيفية توظيفها للفراغ الأمني بانتهاء العمليات العسكرية الفرنسية، وما إذا كان الانسحاب الفرنسي سيؤدي إلى "تأثير الدومينو"، وتحديداً ما يتعلق بالدول المشاركة في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما).
وكانت قوة "مينوسما"، التي تضم نحو 15 ألف جندي أعلنت، الخميس الماضي، أنها تدرس تأثير انسحاب فرنسا وشركائها على الأمن في البلد. والبعثة تضم بحسب آخر أرقام منشورة على موقعها، والتي تعود إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، 18108 أشخاص، الجزء الأكبر منهم عسكريون.
مع العلم أن أكثر عشر دول مساهمة في المهمة بالقوات العسكرية تتوزع على النحو التالي (تشاد 1440، بنغلاديش 1119، مصر 1072، السنغال 970، توغو 932، بوركينا فاسو 887، النيجر 869، ساحل العاج 863، غينيا 665، وألمانيا 531)، فيما غالبية هذه الدول ضمن قائمة أكثر عشر دول مساهمة في عناصر الشرطة.
وكان انتشار القوات الفرنسية في مالي حقق نجاحاً في البداية، إذ استطاع طرد المتشددين من ثلاثة مراكز في شمال البلاد، الذين انتقلوا إلى المناطق الصحراوية الشاسعة، حيث زادت هجماتهم في السنوات الأخيرة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)