عزوف الشباب التونسي عن السياسة: لا اقتناع بمسار سعيّد

29 ديسمبر 2022
بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 17 ديسمبر 11.22% (Getty)
+ الخط -

حمّلت منظمات وجمعيات تونسية، رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مسؤولية عزوف الشباب والنساء عن المشاركة في الشأن العام، بعد المشاركة الهزيلة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 ديسمبر/كانون الأول، وحتى في باقي المحطات السياسية كالاستفتاء. كما أكدت المنظمات أن القوانين التي تم وضعها منذ 25 يوليو/تموز 2021، مثل قانون الانتخابات، ذات طابع إقصائي، ولم تفلح في جلب فئات عدة من المجتمع وإقناعها بالمسار الذي اختاره سعيّد.

وكانت نسبة المشاركة في انتخابات 17 ديسمبر بلغت 11.22 في المائة، بحسب ما أعلنت هيئة الانتخابات. كما لم تتجاوز نسبة النساء المرشحات للانتخابات 15 في المائة من إجمالي المرشحين، مقابل 85 في المائة من الرجال.

أسباب عزوف الشباب عن السياسة

في هذه الأثناء، أكدت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في بيان الاثنين الماضي، أن "رئيس الجمهورية وحكومته يتحمّلان مسؤولية عزوف النساء والشباب عن المشاركة في الشأن العام". ولفتت إلى أن ذلك يعود إلى "عدم خلق مناخ اجتماعي ضامن للكرامة والشغل، وحام للحقوق والحريات، ولاعتماده قانونا انتخابيا لا يحترم مبدأ التناصف بين الجنسين".

وعبّرت الجمعية عن "استيائها العميق من التصريحات المشيطنة لكل نفس حر عبّر عن موقف مختلف، وهو عنف سياسي يجرّمه القانون". ورأت أن "مقاطعة الانتخابات التشريعية تعبّر عن موقف سياسي رافض ومحتج"، مشيرةً إلى أن "العزوف يعبّر عن فقدان الأمل في التغيير، وهو ردّ حاسم وواضح ابتكره الشعب التونسي لمعاقبة الطبقة السياسية برمّتها خصوصاً الحالية".

سحيق: منذ الثورة لم يتمكن أي حزب سياسي من استقطاب الشباب

بدورها، قالت عضو الجمعية سمر سحيق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أسباباً عدة وراء العزوف، وهناك دلالات على السلطة أن تعيها عند وضع أي قانون انتخابي". وأشارت إلى أن "مشاركة المواطنين والمواطنات في الانتخابات التشريعية كانت ضعيفة، والنسبة الأكبر من الشعب لم تنتخب، خلافاً للانتخابات الرئاسية عام 2019 حين ساند الشباب سعيّد وشاركوا في الانتخابات".

وأكدت سحيق أنه "بعد 25 يوليو 2021 وفي ظل المسار الفردي الذي اختاره الرئيس، حصلت خيبة أمل، يضاف إلى ذلك الدستور والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد". وأوضحت أن "الأزمات عادةً تلقي بظلالها على الفئات الهشة، خصوصاً النساء والشباب، أكثر الفئات تهميشاً في البلاد".

ولفتت إلى "فقدان ثقة الشباب في سعيّد، فهناك قضايا عدة لم يتخذ الرئيس فيها أي موقف، ولم يكن فاعلاً، ومنها قضية الشاب عمر العبيدي الذي قتل على أيدي الشرطة أثناء تشجيع فريقه الرياضي". كما أشارت إلى "تنامي ظاهرة ومشاكل الهجرة السرية، وجل هذه القضايا تمر وكأن شيئا لا يحدث، وهو ما تكرر في منطقة جرجيس بعد فقدان عشرات الشباب".

وشددت سحيق على أن "كل هذه العوامل كانت محركاً لعزوف الشباب والنساء عن الانتخابات وعن المشاركة في الحياة السياسية، خصوصاً أنه منذ الثورة إلى الآن لم يتمكن أي حزب سياسي أو من يمسكون بالسلطة من استقطاب الشباب ووضعهم في صدارة الأولويات". وأكدت أنه "لم يتم وضع أي استراتيجية للهجرة أو لفائدة الشباب العاطل عن العمل أو برامج للتشغيل".

كما دعت سحيق السلطة إلى "قراءة هذه الرسائل جيداً، فالقانون الانتخابي والشروط الموضوعة فيه ساهمت في إبعاد الشباب والنساء عن مواقع القرار". ولفتت إلى أن "المسؤولية تقع على عاتق السلطة التي ينبغي أن تعي جيداً عند كتابة أي قانون أو عند وضع سياسة ما وضع هذه الفئات الهشة فيها، ومن واجب الدولة التفكير في استراتيجيات تدفع هؤلاء للمشاركة في الحياة السياسية لا أن تقصيهم".

تأثير قانون الانتخابات على مشاركة الشباب

من جهته، أكد المدير التنفيذي لـ"مرصد شاهد"، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الشباب دُعم في الانتخابات البلدية بالقانون الذي يشترط وجوده في كل قائمة، ولكن بعد 2019 خصوصاً في باقي المحطات حصل تراجع، لأن الشباب شعر أنه غير معني بالعملية الانتخابية". وأوضح أن "القانون لم يشجع ولم يفرض ضمانات لهم وساهم نظام الاقتراع على الأفراد في مزيد من العزوف".

وأشار الهرابي إلى أن "الشباب العاطل عن العمل، وأصحاب الوضعيات الهشة، يرون أنهم مقصيون وغير معنيين بالعملية السياسية، وكانت أقل نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية 2022، لأن الشباب والنساء لم يجدوا أنفسهم في هذا النظام". وبيّن أن "الفئات الأكبر سناً توجّهت إلى صناديق الاقتراع، في حين ترك الشباب فراغاً لأن الوعود التي أطلقت سابقاً لم تنفذ، خصوصاً ما يتعلق بالتشغيل والوضع الاقتصادي، كما أن القانون لا يحتوي على ضمانات تفرض تشريكهم".

ولفت الهرابي إلى أن "هناك عزوفاً تاماً لأن الشباب يعتبر نفسه خارج العملية السياسية والإطار الانتخابي وأصبح غائباً تماماً عن الشأن العام، وغير معني بالعمل السياسي في البلاد". كما أكد أنهم "يتوقعون عزوفاً ومقاطعة أيضاً خلال الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية".

وعلى مستوى البرلمان، أوضح الهرابي أن "شروط الترشح، كفرض سن أدنى بـ23 عاماً ومنع التمويل العمومي، شكّلت عائقاً أمام الترشح، لأنه ليس باستطاعة هذه الفئة من الشباب والطلبة مثلاً إدارة حملات انتخابية". وشدد على أنه "لم تكن هناك مساواة ولا ترغيب للشباب في المشاركة في العمل السياسي، وهو ما يبرز من خلال الترشحات".

فقدان الأمل في التغيير عبر الانتخابات

وفي السياق، أكد عضو شبكة "مراقبون"، سيف الدين العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "عزوف الشباب والمرأة لم يكن في المشاركة الانتخابية فقط بل حتى في المشاركة في الشأن السياسي ككل، فإن كانت القوانين تقصيهم من مواقع القرار ومن ممارسة السلطة فكيف ننتظر منهم المشاركة لاحقاً". ولفت العبيدي إلى أنه "في غياب الآليات والوسائل التي تضمن لهذه الفئات المشاركة في صنع القرار، فلا يجب أن نطلب منهم الحضور فقط عند وضع التزكيات أو التوجه إلى صناديق الاقتراع للانتخاب".

الهرابي: الشباب يعتبر نفسه خارج العملية السياسية

وأكد أن "القانون الانتخابي السابق كان يضم بعض الإجراءات التي تمكّن هؤلاء من المشاركة من خلال ترشح التناصف الأفقي في الانتخابات التشريعية والعمودي في البلدية، ولكن للأسف كل هذا نُسف بالقانون الانتخابي الجديد وبالمرسوم 55". وشدد على أن "الشباب كانوا على الأقل موجودين في القائمات البلدية ولو في المرتبة الثالثة والثانية، ولكن تم التخلي عن ذلك، وهو ما عزز غيابهم، فضلاً عن العزوف العام الذي برز في انتخابات 17 ديسمبر".

وأوضح أن" أغلب الدراسات التي قاموا بها في الشبكة بيّنت أن الانتخابات لم تعد عنصر جذب، والمواطنين لا يرون أن الانتخابات ستغير أوضاعهم". وأشار إلى أن "هؤلاء شاركوا في الانتخابات في عدة محطات ولم تكن آلية من آليات التغيير".

من ناحيته، قال الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس، الناشط السياسي وائل نوار، لـ"العربي الجديد"، إن "عزوف النساء والشباب عن المشاركة في الشأن العام، والانتخابات بصفة خاصة، ناتج عن اليأس من تغيير الأوضاع". ولفت إلى أنه "منذ الثورة تقريباً توجّه التونسيون طيلة 12 عاماً إلى صناديق الاقتراع وكانوا موجودين في عدة مناسبات تشريعية ورئاسية وبلدية ولكن لم يتغير شيء، بل زاد وضعهم صعوبة، خصوصاً بعد 25 يوليو".

وأشار نوار إلى أن "كل الوعود كانت كاذبة وزائفة، وعلى الرغم من نجاح سعيّد في خداع جزء من التونسيين وإيهامهم بأنه مختلف عمن حكموا سابقاً، ولكن بعد سنة ونصف اكتشف الناس أن الأوضاع تتجه للأسوأ وأنه يعمل على مشروعه الخاص للاستفراد بالسلطة".

وشدد على أن "كل هذه العوامل جعلت العزوف أكبر من السابق، والنتائج المسجلة في نسب المشاركة تؤكد هذه المقاطعة الواسعة". كما أكد أن "هذا يكشف حالة اليأس، إذ لم يكن هناك تنافس بين المرشحين، وأغلبهم موالون لسعيّد". وأوضح أن "الأوضاع عندما تسوء أكثر فلا يمكن تغييرها بصناديق الاقتراع، بل بثورة، فبعد 30 عاماً من قمع الحريات قام التونسيون بثورة 2011 لافتكاك مكتسبات جديدة وتغيير الوضع".

وأشار إلى أن "الشعب التونسي ازداد نضجاً بعد 12 عاماً من الثورة، ولا يمكن خداعه بأي مسائل شعبوية أو صراع حول الهوية، بل لا بد من تغيير الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى، وهي مسائل لا مناص منها." ورأى أن "المقاطعة كانت الحل الأنسب بدل المشاركة في انتخابات على الأفراد اختيار موالين لبرلمان سعيّد الذي لا صلاحية له، وبالتالي المراهنة على الانتخابات بقوانين سعيّد هي إعطاء أمل زائف وتعميق للأزمة".

المساهمون