توقّع مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، أن يكون الملف اليمني محور التغيير الجذري الذي سيظهر في السياسة الخارجية الأميركية للإدارة الجديدة، معتبراً، في سياق آخر، أن تونس رغم كل شيء، لا تزال "قصة نجاح"، وإن كان نظامها الديمقراطي مهدداً اليوم، طارحاً ثلاث مهمات طارئة يجب القيام بها لإنقاذ نظامها الديمقراطي من الخطر.
وقال بشارة، في لقاء خاص مع شبكة التلفزيون العربي، سيكون هناك تغيير في الموقف الأميركي على الصعيد الفلسطيني، وليس في السياسات العملية، مقارنة مع ما كان سائداً في حقبة دونالد ترامب وإدارته، "التي فاجأت حتى يمينيي الصهاينة في درجة صهيونيتها" على حد تعبيره. وعلّق بشارة على أخبار المفاوضات الفلسطينية - الفلسطينية في القاهرة، واصفاً إياها بأنها بعيدة عن أصل الصراع، وهو قضية التحرر الوطني الفلسطيني. وأشار إلى إمكانية حصول انتخابات "وهذا أمر جيد"، وقد تحصل مصالحة، "لكن الانتخابات هي نوع من الهروب إلى الأمام"، لافتاً إلى أنه في حال "لم ننظر إلى عمق القضية، وهي قضية التحرر الوطني، وإن صوّرنا القضية باعتبارها مسألة معيشية وبكائيات؛ فلا نستطيع أن نتوقع من العالم أن يتضامن معنا، وأن يقف ضد التطبيع ما دام محور الانقسام الفلسطيني مختصراً بقضايا سلطة ورواتب ومسائل معيشية يومية".
وكرر بشارة رأيه الذي يفيد بأنه من دون إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وللشباب الفلسطيني المنتشر في كل مكان من العالم والسماح له بالمشاركة في النضال الوطني؛ فلا أمل في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
عزمي بشارة: التغيير الحقيقي لإدارة بايدن سيظهر في الملف اليمني
وتوقف بشارة عند التأثير المحتمل للسياسات الأميركية على قضايا المنطقة العربية، ورأى أنه في الموضوع الفلسطيني، قد نشهد تغييراً أميركياً (مقارنة مع إدارة ترامب) "في الموقف لا في السياسات العملية". ولفت بشارة إلى أن إدارة بايدن قد لا تبذل جهداً في سبيل إنشاء دولة فلسطينية، لكنها "ستكون أكثر نقدية تجاه الاستيطان، من دون إعادة عجلة سياسة ترامب (في ما يتعلق بالقدس وبنقل السفارة إليها...) إلى الوراء. وعن مدى اهتمام إدارة بايدن بالتطبيع الإسرائيلي مع دول عربية، أجاب بشارة بأن الديمقراطيين لن يمانعوا التطبيع، لكنهم لن يهتموا كثيراً به.
ليبيا واليمن
وتوقع بشارة انخراطاً جدياً من قبل إدارة بايدن في ليبيا لناحية دعم العملية الدبلوماسية التي تركتها واشنطن طيلة السنوات الماضية للأوروبيين. أما التغيير الرئيسي فبتقدير بشارة سيكون في اليمن، عبر دعم "عملية سلام، وقد بدأ المسار في وقف تسليح التحالف الإماراتي السعودي، في مقابل إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية". وبرأي مدير المركز العربي، "لن يجدوا (الأميركيون) نتيجة أفضل من مخرجات الحوار الوطني اليمني" الذي بدأ في 2013 وظهرت مخرجاته عام 2014.
الاتفاق النووي
ولاحظ بشارة تناقضاً في مواقف يعلنها أركان إدارة بايدن حيال الملف النووي الإيراني، ذلك أنه من جهة، يقول وزير الخارجية (أنتوني بلينكن) إنه في حال عودة إيران إلى التزاماتها النووية، فيمكن إعادة إحياء الاتفاق النووي، بينما يتردد على ألسنة رسمية أخرى كلام عن ضرورة إبرام اتفاق جديد مع حلفاء أميركا. وبتحليل بشارة، ربما يكون ذلك تأجيلاً إلى حين وصول المحافظين الإيرانيين إلى الحكم (بعد انتخابات 18 يونيو/حزيران المقبل)، أو قد يكون هدفه زيادة الضغط على إيران، أو ثالثاً قد يكون نتيجة خلاف داخل الإدارة الأميركية بين المجموعة التي صنعت اتفاق 2015 (مثل روبرت مالي وآخرين)، وطرف ثانٍ ممثلاً بوزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
عزمي بشارة: الانتخابات الفلسطينية هروب للأمام والمصالحة الفصائلية لا علاقة لها بجوهر القضية
المصالحة الخليجية
ورداً على سؤال يتعلق بتوقيت المصالحة الخليجية (مطلع يناير/كانون الثاني الماضي)، أوضح بشارة أن قرار المصالحة كان سعودياً، ذلك أن "الحصار على قطر استُنفد ولم يحقق شيئاً، واقتنع الجميع بأن كل الأطراف متضررة منه". وبتحليله، فإن القرار السعودي انطلق من أن "مرحلة بايدن ستكون مختلفة عن حقبة ترامب، وارتأوا أن يكون القرار (بالمصالحة) سعودياً من دون ضغط أميركي". وفي حين ذكّر بشارة بأن الخلاف السياسي بين أطراف الأزمة الخليجية موجود حول السياسات الخارجية لا في طبيعة الأنظمة؛ فإنه شدد على أن هذه خلافات "تُحل بالحوار فقط"، ولاحظ أن مجلس التعاون لا يتوفر على ضمانات وآليات لمنع تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً، لذلك فإن "الأمر يتوقف على زعماء الدول".
تونس
وحول تطورات الأزمة الدستورية في تونس، تمسك بشارة بوصف تونس على أنها "قصة نجاح في تداول السلطة والانتخابات وسط محيط لا يساعد على ذلك، بثورات مضادة وحروب أهلية". وذكّر بأن المرحلة الانتقالية في تونس انتهت، و"نحن الآن أمام نظام ديمقراطي في خطر". من هنا، رأى أن الأزمة اليوم ناجمة عن عدم تطبيق الدستور وعدم سن قانون انتخابي، لأن النظام الموجود حالياً تم سنّه لانتخاب المجلس الوطني لا لانتخابات البرلمان، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية. وبينما وصف الدستور التونسي بأنه أفضل دستور عربي ديمقراطي ومن بين أفضل دساتير العالم من حيث الصياغات؛ فإنه خلص إلى أن حل الأزمة الحالية يكمن في خطوات طارئة ثلاث: الاتفاق بأسرع وقت على تأليف محكمة دستورية (نص عليها الدستور ولم يتم تشكيلها بعد)، وعلى تغيير قانون الانتخاب، وثالثاً "أن تتصرف الرئاسة بمسؤولية لا أن تصبح طرفاً في مهاجمة الحكومة والبرلمان".
وتوقف بشارة عند ظواهر شعبوية تتخلل المشهد التونسي الحالي، كوجود أحزاب تؤلب الجماهير شعبوياً "حتى وصل الأمر بسياسيين سقطوا في الانتخابات، إلى حد رفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام" مثلاً، "وهذا نوع من سلوكيات الثورات المضادة التي تمارسها فئات تدخل إلى البرلمان لتعطيله ولإعادة الاستبداد" على حد وصفه.
المؤسسات الأميركية أنهت محاولة ضرب الديمقراطية من خلال "غزوة الكابيتول" بسرعة مذهلة
وعما تبقى من الثورات العربية بعد مرور عقد على انفجارها؛ رأى بشارة أن ما بقي من الانتفاضات هو أن الشعوب العربية لم تعد تقبل بالديكتاتوريات العربية، وأن الكرامة الإنسانية أصبحت قضية جوهرية بالنسبة للناس. وتوقف عند أزمة عجز الجماهير "عن فرز كوادر ونخب جديدة"، في مقابل "عدم خروج أي طرف إصلاحي من داخل الأنظمة"، على عكس ما حصل في كل حالات الانتقال الديمقراطي جنوبي المتوسط وأميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية والبرتغال، وهو ما حصل في تونس أيضاً.
أميركياً
وفي الشأن الأميركي الداخلي، جدد بشارة رأيه بأن المؤسسات الأميركية أنهت محاولة ضرب الديمقراطية من خلال "غزوة الكابيتول" بسرعة مذهلة، "حتى أن الحزب الجمهوري بدأ يتنصل مما جرى" على حد تعبيره. ووفق كلامه، ظهرت درجة "رسوخ المؤسسات والديمقراطية الأميركية، بعدما استنفر المجتمع والمؤسسات، لكن الأهم أن ما حصل (في اقتحام مبنى السلطة التشريعية) أطلق صفارات إنذار من الخطر".
كما وضع بشارة محاكمة ترامب حالياً أمام مجلس الشيوخ في إطار النزعة الانتقامية من الرجل، ورأى أن المحاكمة كانت ستكون مفيدة لو أنها ستمنع ترامب من الترشح مرة أخرى، لأن لا أهمية لترامب من دون منصب الرئاسة، "لكن إن لم يحصل العزل، فلن تكون المحكمة إلا إيغالاً في استفزاز الحزب الجمهوري، بينما استعادة الثقة من المجتمع الأميركي أهم من ذلك" وفق توصيفه.
وفي السياق، وجد بشارة أن تعيينات بايدن الأخيرة هي مكافأة للذين يعود لهم الفضل في فوزه بالانتخابات، وهذا ربما يُشعر الفئات التي صوتت لترامب بأنها فعلاً مضطهدة، "وهو ما قد يتفاقم في حال لم يتدارك بايدن الموقف من خلال اختراق الفئات المناهضة اقتصادياً واجتماعياً لكي يشعروا بأنهم ليسوا خاسرين".