عام على رئاسة شيخ محمود: جولة رابحة بمواجهة "حركة الشباب"

22 مايو 2023
تستمر ولاية حسن شيخ محمود 5 سنوات حتى عام 2027 (حسن علي علمي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن العام الأول من حكم الرئيس حسن شيخ محمود الصومال، بعد توليه منصبه في 15 مايو/أيار 2022، سهلاً، في ظل تحديات ضخمة واجهتها الحكومة الفيدرالية، لكنها نجحت في تحقيق إنجازات مهمة، أبرزها طرد "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" من 70 منطقة (بين بلدة ومدينة)، من بينها جيوب ساحلية استراتيجية مطلة على المحيط الهندي كانت تغذي شريان الحركة بالسلاح، وتُشكّل مصدراً كبيراً للدخل للحركة.

يُضاف إلى ذلك فرض طوق أمني في العاصمة مقديشو بعد نشر نحو ثلاثة آلاف جندي في مداخل المدينة وتقاطعاتها الرئيسية، ما أعاد الهدوء إلى عاصمة كانت مفخخات الموت طقساً شبه يومي فيها منذ سنوات.

وفي السياق، أعلنت الحكومة الفيدرالية، مطلع مايو الحالي، عن تقلّص مستوى حجم هجمات حركة الشباب بنسبة 70 في المائة، وذلك بعد نشر قوات عسكرية جديدة في العاصمة. وقال وزير الإعلام الصومالي داود أويس، في مؤتمر صحافي في مقديشو أخيراً، إن "الأجهزة الأمنية الصومالية تمكنت من إحباط هجمات الحركة الإرهابية في مناطق متفرقة من البلاد".


نور محمد جيدي: سياسة "تصفير الأزمات" مع الجوار ستحقق توازناً داخلياً

وقال رئيس الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري، الخميس الماضي، إن حكومته تتطلع إلى ضبط أمن العاصمة، والقضاء على التهديدات الأمنية، وإعادتها إلى واحدة من أجمل العواصم الأفريقية وأكثرها أمناً، كما كانت في الثمانينيات من القرن الماضي، وهذا بعد بذل المزيد من الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب والقضاء على المخدرات في العاصمة، وفقاً له.

ويشير مراقبون إلى أن العام الرئاسي الأول لشيخ محمود (تستمر ولايته 5 سنوات حتى عام 2027)، شهد أيضاً تراجع حدة الخلافات السياسية بين الولايات الفيدرالية والحكومة المركزية، التي كانت تدور حول آلية الانتخابات المحلية وتقاسم الموارد والمناصب في الحكومة، على الرغم من أن العلاقة مع ولاية بونتلاند لا تزال متوترة نتيجة خلافات بين رئيسها سعيد عبدالله دني والرئاسة الصومالية.

وفي السياق، رأى الصحافي في مركز "آفاق للإعلام" نور محمد جيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الرئيس الصومالي حقق في عامه الأول من الرئاسة توافقاً سياسياً بين الولايات والحكومة المركزية، مشيراً إلى أن أربع ولايات (من أصل 6 في البلاد، وضمنها ولاية صوماليلاند) تملك علاقة طيبة مع الحكومة، على الرغم من أنه في السنوات الأولى من أي عهد حكومي يكون الهدوء السياسي سائداً، قبل نشوب الخلافات في الفترة الأخيرة.

وأضاف جيدي أن الرئيس يتمتع حالياً بعلاقات قوية مع زعماء الولايات الأربع، وتعامل برزانة وسياسة متوازنة معهم، لكن تقييم الاستقرار السياسي في الصومال لا يخضع لحسابات العام الأول أو الأخير.

نجاح شيخ محمود ضد "حركة الشباب"

أما أمنياً، فوفق جيدي، نجحت حكومة شيخ محمود بشكل كبير، إذ حررت أكثر من 70 منطقة، وضبطت أمن العاصمة إلى حدٍ ما، وتخطط الآن لشن حملة عسكرية ثانية ضد "حركة الشباب".

ولفت إلى أن "الحكومة قطعت شوطاً كبيراً وقصمت ظهر الإرهاب، بالتعاون مع الدول المهتمة بالصومال بما فيها الولايات المتحدة وتركيا، ومن المحتمل أن تشارك في المرحلة المقبلة دول الجوار، لهزيمة حركة الشباب". ووضع ذلك في إطار "خدمة مصالح دول القرن الأفريقي وتنمية التبادل التجاري بين دول المنطقة، فضلاً عن تحقيق مزيد من المكاسب، تحديداً في المجالين الأمني والتجاري".

وفي السياسة الخارجية، لفت جيدي إلى أن الإدارة السابقة خلقت توترات سياسية ودبلوماسية مع عدد من الدول المجاورة، وتباينت مواقفها، ما أدى في بعض الأحيان إلى أزمات دبلوماسية بين الصومال والدول المحيطة بها، خصوصاً جيبوتي وكينيا، لكنه رأى أن سياسة شيخ محمود الخارجية اتسمت بالشراكة مع تلك الدول، واتخاذ سياسة جديدة مفادها "صفر مشاكل" مع المحيط، وذلك انعكاساً لرؤية سياسية محورها الرئيسي خلق قنوات تفاهم على المستوى السياسي والإداري والشعبي أولاً، ومن ثم تحقيق توازن في سياساتها الخارجية.

وأضاف جيدي أن سياسة "تصفير الأزمات" مع الجوار ستحقق توازناً داخلياً، لأن دول الجوار كانت لها اليد الطولى في تأزيم الوضع في الصومال في العقود الثلاثة الأخيرة، كما نجحت سياسة النأي عن الصراعات الإقليمية والتوازن بين مصالح تلك الدول والتجرد في البحث عن المصلحة الصومالية والابتعاد عن تصادم المصالح بين القوى الإقليمية.

وحققت الحكومة الفيدرالية مصالحة سياسية في ولاية جنوب غربي الصومال، وكانت الخلافات تدور حول آلية الانتخابات المحلية، والتي أفضت إلى اتفاق رعته الحكومة الفيدرالية، وهو إنجاز يحسب لها، خصوصاً مع تعيين شيخ محمود مبعوثاً جديداً للتفاوض مع جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) الانفصالية غير المعترف بها دولياً.

وفي هذا الصدد، قال جيدي إن ملف المفاوضات مع أرض الصومال يخضع للحسابات السياسية في الحكومة الفيدرالية، فكلما كان الاستقرار السياسي سائداً، أمكن التوصل إلى تسوية سياسية مع هرجيسا (عاصمة صوماليلاند)، لكن حين يسود العنف السياسي والاضطرابات الأمنية، تبتعد هرجيسا عن مسار المصالحة والتفاوض مع مقديشو، بحجة أن من تشتعل فيه النيران لا يمكن الجلوس معه.

ولهذا السبب، فإن شرط المفاوضات بين الجانبين يكمن في استقرار الجنوب أولاً، وبناء نظام سياسي، وهذا ما يجعل المحادثات بين مقديشو وهرجيسا مثمرة، على الرغم من محاولات الرئيس الحالي المصالحة مع صوماليلاند.


فرحان محمد إسحاق: اتّبع شيخ محمود سياسة احتواء أبرز السياسيين

من جهته، اعتبر الباحث في مركز "الصومال للأجندة" فرحان محمد إسحاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إنجازات الرئيس الصومالي في عامه الأول يمكن أن نلمسها في المجالات الأمنية والمصالحة الداخلية، فهناك هدوء أمني في العاصمة مع نجاح الأجهزة الأمنية في جهودها لتأمين العاصمة والحد من الهجمات الانتحارية التي كانت تؤرق سكان العاصمة.

وأضاف أن الانجاز الأهم يكمن في جهود الجيش الصومالي لاستعادة مناطق شاسعة من قبضة "حركة الشباب"، وإعلان حرب شاملة ضدها، وهذا يعد إنجازاً كبيراً في تحجيم نفوذها، تحديداً الإعلامي أيضاً، وهو إنجاز طال انتظاره في الصومال.

أما سياسياً، وفق إسحاق، فقد اتّبع شيخ محمود سياسة احتواء أبرز السياسيين عبر تعيين مبعوثين ومستشارين له، انطلاقاً من فلسفة ممنهجة لديه وهي أن سفينة حكمه تتسع للجميع، وذلك من أجل استمالة أكبر قدر ممكن من السياسيين البارزين والاصطفاف في صفوف نظامه الرئاسي.

أما في ما يتعلق بملف السياسة الخارجية، فقد رأى إسحاق أنه لا يوجد حالياً نزاع دبلوماسي بين الصومال ودول الجوار، بل تحسنت العلاقات، خصوصاً مع جيبوتي وكينيا، وتعززت العلاقات أكثر مع الدول التي كانت قريبة من الصومال مثل تركيا وقطر. ووفق إسحاق، فإن ذلك يعني أن سياسة الرئيس الصومالي منفتحة للجميع، خصوصاً مع دول الخليج ذات الاهتمام البارز في الشأن الصومالي.

العلاقة بين الصومال والدول الإقليمية والخليجية

وأشار إلى أن تضارب المصالح بين الدول الخليجية تجاه الصومال يجعل شيخ محمود في موقف صعب للانحياز إلى دولة خليجية على حساب أخرى، علماً أن العلاقات الدبلوماسية بين مقديشو وأبوظبي كانت متوترة، لكنها لم تصل إلى درجة قطع العلاقات، ثم تحسنت في السنة الأولى من ولاية شيخ محمود، إذ يحاول إمساك العصا من الوسط من دون الارتماء في حضن دولة وخلق أزمة دبلوماسية مع دولة أخرى.

من جهته، لفت مدير تحرير "شبكة مستقبل ميديا" أحمد عبدي عينب، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عملية ضبط أمن البلاد وتسلم الملف الأمني من القوات الأفريقية تواجه تحديات كثيرة بعد مرور عام على انتخاب شيخ محمود رئيساً للبلاد.

واعتبر أن هناك ثغرات أمنية لا تزال "حركة الشباب" تستغلها لتوجيه ضربات عسكرية ضد الجيش الصومالي، وذلك بسبب غياب التخطيط والتنسيق العسكري، وهذا ما يجعل الحكومة الفيدرالية تدفع ثمناً باهظاً للتغلب على التحديات الأمنية.

وأضاف عينب أن الجيش الصومالي حقق تقدماً كبيراً لم يحققه في السنوات الماضية، إلا أن قلة الخبرات والكفاءات العسكرية تبطئ تقدمه لإحراز نصر عسكري في القضاء على "حركة الشباب"، لكن على العموم، تحسن الوضع الأمني في مقديشو كثيراً نتيجة الجهود الأمنية المبذولة من قبل الأجهزة الأمنية خصوصاً جهاز المخابرات.