عام على تمرد بريغوجين: "فاغنر" باقية تحت سلطة الكرملين

23 يونيو 2024
عنصر من "فاغنر" في روستوف، 24 يونيو 2023 (أركادي بودنيتسكي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تمرد يفغيني بريغوجين و"فاغنر" في يونيو 2023 يشكل تحديًا خطيرًا لحكم بوتين، مما يثير تساؤلات حول استقرار النظام الروسي وقدرته على الحفاظ على الأمن.
- بوتين يستجيب للتمرد بإقالة وزير الدفاع وإعادة تنظيم القوات المسلحة والمجموعات شبه العسكرية تحت إشراف الكرملين، لضمان الولاء وتحسين الكفاءة العسكرية.
- بعد عام، يبدو أن بوتين نجح في تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز سلطته، مع الحفاظ على "فاغنر" كأداة في السياسة الخارجية، لكن التحديات في الحفاظ على الاستقرار والولاء داخل النظام العسكري والأمني تظل قائمة.

منذ أشهر اختفى عملياً أي ذكر لمجموعة فاغنر ومؤسسها يفغيني بريغوجين من نشرات الأخبار الرئيسية في القنوات الحكومية الروسية. وبعد عام على تمرد بريغوجين المعروف بكونه "طباخ الكرملين" بدا وكأن بريغوجين لم يكن يوماً، لكن فكرة "فاغنر" بقيت بأسماء وضوابط جديدة رسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعناية فائقة، بما يضمن له عدم تكرار "أي طعنة في الظهر"، أو تعريض روسيا لخطر جديد، كما حدث يومي 23 و24 يونيو/حزيران 2023. هذا التمرد شكّل أخطر تهديد للنظام الذي أسسه بوتين في روسيا منذ عام 1999، وضرب صورة بوتين كضامن للاستقرار في البلاد. وليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الروسي وصف هذا الحدث حينها، بأنه الأخطر على بنية الدولة الروسية منذ عام 1917، أي عام الثورة على القيصر نيكولاي الثاني الذي أنهى قروناً من حكم عائلة رومانوف للإمبراطورية الروسية.

اليوم وعلى الرغم من اختفاء أي ذكر لمجموعة فاغنر بعد عام على تمرد بريغوجين من نشرات الأخبار الرئيسية في القنوات الحكومية الروسية، إلا أن تداعيات أحداث يومي 23 و24 يونيو 2023 بقيت حتى الأشهر الأخيرة. وربما شكلت إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو الشهر الماضي، واحدة من الخطوات المتأخرة، ولكن الأساسية، ضمن الصفحة الأخيرة في طيّ سيرة تمرد بريغوجين و"فاغنر"، لكن "مسيرة العدالة"، الاسم الذي أطلقه بريغوجين على حراكه مع مئات من مقاتليه نحو مدينة روستوف على الدون، جنوبي روسيا، ولاحقاً نحو العاصمة موسكو، للإطاحة بشويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، ما زالت مستمرة بآليات ومنفذين جدد لإرادة سيد الكرملين، وظهرت بعض معالمها باعتقال وإقالة عدد من الجنرالات الكبار في وزارة الدفاع، ممن دأب بريغوجين على اتهامهم بالعمل لمصالحهم الخاصة وجمع الأموال على حساب تسليح الجيش ومرتزقته. ولا يُستبعد أن يسقط مزيد من الرؤوس بعد عام على تمرد بريغوجين مع تعيين بوتين الاقتصادي المعروف أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع.


شكّل تمرد بريغوجين أخطر محطة في حكم بوتين منذ 1999

عام على تمرد بريغوجين

شكل تمرد بريغوجين ذروة الخلافات المتصاعدة مع شويغو وغيراسيموف منذ خريف 2022. وعلى الرغم من اللهجة القاسية الممزوجة بالشتائم في خطاب بريغوجين بحق الرجلين، فقد حافظ الكرملين على صمته علناً، ولم تصدر عنه أي إشارات واضحة برفض أو دعم أي من الطرفين. وبدا أن الأحداث التي جرت أثناء معارك السيطرة على باخموت الأوكرانية، التي استمرت أشهراً قبل السيطرة عليها في مايو/أيار 2023 عجّلت القطيعة بين بريغوجين ووزارة الدفاع. ولم تتمكن قوات فاغنر من السيطرة على وسط المدينة، إلا بعد أن أمر بوتين الجيش النظامي بتحصين مواقعها لحراسة أجنحتها من هجمات الأوكرانيين. وبات مؤكداً أن أحداث باخموت كانت نقطة البداية لنهاية "فاغنر" طرفاً مقاتلاً على الجبهة الأوكرانية، مع هامش استقلالية كبير عن تشكيلات وإدارة وزارة الدفاع. ومنذ مارس/آذار 2023 سُمح لوزارة الدفاع الروسية بالتعاقد مع المساجين والمحكومين للذهاب إلى الجبهة في أوكرانيا، ما حرم بريغوجين من خزّانه البشري الأساسي الذي استمد منه آلاف المرتزقة، بعد السماح له بتنفيذ فكرة العفو عن المساجين بعد الخدمة ستة أشهر في أوكرانيا.

وبعد الاستيلاء على باخموت، طالبت وزارة الدفاع الروسية في 10 يونيو 2023 جميع المتطوعين الذين يقاتلون في أوكرانيا بتوقيع عقود مع الوزارة. وأثارت هذه الخطوات غضب بريغوجين الذي أدرك أن دوره في أوكرانيا انتهى عسكرياً، ما قد يحرمه من عقود بالمليارات لتزويد الجيش بالمؤن والأطعمة عبر شركاته، والأهم بالنسبة لبريغوجين أنه قد يفتح على وقف الكرملين دعم "إمبراطوريته" المتنامية في سورية وأفريقيا. واستخدم بريغوجين ذريعة قصف طائرات وزارة الدفاع مواقع لـ"فاغنر" في لوغانسك، لإطلاق "مسيرة العدالة" مساء 23 يونيو 2023. وتقدم مئات المرتزقة من "فاغنر" بسرعة لافتة، واستولوا على مقر القيادة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف على الدون، مقر قيادة العملية العسكرية (الحرب) في أوكرانيا، وواصلوا تقدمهم بسرعة من دون مقاومة عملياً، إلى حدّ الاقتراب من العاصمة موسكو على مسافة نحو 200 كيلومتر. وبالسرعة نفسها التي تقدمت بها "فاغنر"، وافق بريغوجين، في 24 يونيو 2023، على إنهاء تمرده بعد وساطة ما زالت محط تساؤلات عن دوافعها وأسبابها وفيما إذا كانت منسقة مع الكرملين، قام بها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

ورغم إنهاء بوتين تمرد بريغوجين من دون خسائر بشرية كبيرة، وبسرعة لافتة، فإن النجاح في تمرد أو انقلاب، لا يشبه بالمطلق النجاة من أي منهما. وكشفت الأحداث عن نقاط سوداء كثيرة في السياسة الروسية، بعد عام على تمرد بريغوجين كونها شكلت أخطر تهديد للنظام الذي عمل بوتين على بنائه منذ اعتلائه سدة الحكم في نهاية 1999. وتداعت صورة بوتين كضامن للاستقرار في البلاد، وهو الشعار الذي استخدمته بروباغندا الكرملين حين روجت لصالح التعديلات الدستورية التي سمحت لبوتين بـ"تصفير عداد الرئاسة" في 2020 والسماح له بالبقاء، نظرياً، حتى 2036. ورغم تماسك القوات الروسية على خطوط الجبهة، وعجز أوكرانيا عن استخدام الفوضى لشن هجوم، والتقدم على حساب القوات الروسية، فتح التقدم السريع لعدة مئات من المرتزقة نحو العاصمة بسرعة كبيرة أثناء تمرد بريغوجين تساؤلات حول قوة الدفاعات الروسية، ولكن الأهم ربما التساؤلات حول قوة النظام وتماسكه، وتعزيز المخاوف من إمكانية صعود شخصية قومية متشددة من دون خبرة سياسية إلى رأس الهرم، في دولة تملك أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم.


"فاغنر" تعد أداة مهمة للغاية للسياسة الخارجية الروسية

حلّ على مراحل

بعد ساعات من خطاب ناري اتهم فيه بوتين "طباخ الكرملين" بتوجيه طعنة في الظهر، وتعهّده بمحاسبة ومعاقبة جميع المسؤولين عن التمرد، برز تغيير جذري في الموقف مع دخول لوكاشينكو على الخط، وإعلانه التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة الخطيرة، يقضي بانسحاب عناصر "فاغنر" من الأماكن التي وصلوا إليها من دون محاكمة، ومنحهم مع قياداتهم مكاناً آمناً في معسكرات في بيلاروسيا. وأعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الاتفاق تم التوصل إليه "لتجنب إراقة الدماء، وتجنب المواجهة الداخلية، وتجنب الاشتباكات ذات العواقب غير المتوقعة". وبعد إنهاء تمرد بريغوجين الفاشل، ومع وصول الصراع إلى ذروته بتحرك "فاغنر"، اضطر بوتين، بعد نأي طويل، إلى التدخل بشكل مباشر لمعالجة آثار الأزمة. وكان عليه أولاً ترميم صورته كقائد قوي وضامن للاستقرار والتوازنات قبل تسعة أشهر على الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها بولاية خامسة في مارس الماضي. ونظراً لصعوبة المهمة الكامنة في التأكيد على متانة النظام، وعدم السماح مستقبلاً بأي تهديد لزعزعة نظام الحكم، بدا أن بوتين لجأ إلى تبنّي حلّ على مراحل.

وبعد أيام فاجأ بوتين العالم باجتماع مع من وجّه "طعنة في الظهر" و34 من قيادات "فاغنر" في الكرملين بغياب قيادات وزارة الدفاع، وحضور رئيس الحرس الوطني فيكتور زولوتوف، ورئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين، ما كشف عن أهم قضايا النقاش، والغاية من الاجتماع. ولم يقرّ الكرملين بحصول اللقاء في 29 يونيو، إلا في 10 يوليو/تموز 2023، حين قال بيسكوف إن بوتين دعا قيادة المجموعة العسكرية إلى اجتماع في الكرملين، حضره 35 شخصاً يمثلون الصف الأول من القيادات العسكرية في "فاغنر"، وضمنهم بريغوجين. وبحسب بيسكوف، فإن بوتين "قدّم تقييماً لأعمال المجموعة على جبهات القتال ومشاركتها النشطة في العملية العسكرية الخاصة، كما قدم تقييمه لأحداث 24 يونيو (تمرد بريغوجين المسلح)، واستمع إلى تفسيرات القادة وعرض عليهم مزيداً من الخيارات للتعاون اللاحق". وأضاف بيسكوف أن "قادة فاغنر أكدوا ولاءهم الكامل لرئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة". وتجنّب بيسكوف الإجابة عن سؤال فيما إذا حضرت قيادة وزارة الدفاع الاجتماع أم لا، وقال "ليس لديّ ما أضيفه عن هذا الاجتماع".

ورغم عدم إشارة بيسكوف إلى مصير قوات فاغنر، من الواضح أن حقيقة عقد الاجتماع كشفت أن هناك حاجة لمقاتلي "فاغنر" في المعارك في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصاً في ظل تقارير عن أن خسائر روسيا كبيرة بين قتلى وجرحى، وكذلك حماية المناطق الحدودية في نوفغورود وبريانسك وكورسك من الهجمات الأوكرانية. كما أثبت الاجتماع أن الكرملين بدأ بعد صدمة تمرد بريغوجين في التفكير في طرق مواصلة عمل "فاغنر" في الخارج، وفي سورية وأفريقيا على وجه الخصوص. وأظهرت الوقائع اللاحقة أن بوتين أنهى الخطر المباشر بعد عام على تمرد بريغوجين من دون خسارة جهود "فاغنر" في الحرب على أوكرانيا، أو حماية المصالح الروسية في أفريقيا، وخلق فرص إضافية لتوسعها في هذه القارة، ورمم صورته كضامن للاستقرار، لكنه كان أمام معضلة أخرى وهي فقدان صورة القائد الحاسم الذي لا يمكن أن يغفر الخيانة. وبعد شهرين بالتمام والكمال، سقطت طائرة بريغوجين مع كبار مساعديه، ورغم وصف الكرملين الاتهامات له بقتل بريغوجين بأنها "سخافات"، فإن كثيراً من المراقبين رأوا أن بوتين بأقل تقدير وافق على مقترح صديقه، سكرتير مجلس الأمن الروسي حينها نيكولاي باتروشيف، على اغتيال بريغوجين، لتضاف الحادثة إلى حوادث سابقة، ربما لن يُعرف منفذوها إلا بعد انتهاء حكم بوتين.


اعتبر مراقبون أن بوتين أزاح بريغوجين بإيعاز من باتروشيف

مصير "فاغنر" في أوكرانيا

بعد أيام من التمرد، أعلن الكرملين أنه سيتم السماح لقوات فاغنر التي لم تشارك في التمرد بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع. وأنه لن تتم محاكمة أولئك الذين انضموا إلى القافلة. وأشار بيسكوف إلى أن "فاغنر" بشكلها الحالي لم تعد موجودة. واستضاف لوكاشينكو آلاف المقاتلين ممن رفضوا توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية أو شاركوا في التمرد الفاشل، لكن عددهم حالياً تراجع حسب وسائل الإعلام الغربية إلى نحو مائة فقط، يعملون كمدربين. وليس معروفاً حتى الآن عدد مقاتلي "فاغنر" ممن وافقوا على الانضمام للجيش الروسي بعد عام على تمرد بريغوجين الفاشل.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الجنرال الشيشاني أبتي ألاودينوف عن انضمام مئات المقاتلين من "فاغنر" إلى صفوف قوات "أخمات" التي أوكلت له مهمة قيادتها. وفي إبريل/نيسان الماضي، أكد ألاودينوف في تسجيل فيديو مع أحد القادة الميدانيين البارزين في "فاغنر" انضمام مئات المرتزقة إلى قواته في أوكرانيا. ووفقاً لحاكم الشيشان رمضان قديروف، كان من المفترض أن ينضم ما يصل إلى ثلاثة آلاف من مرتزقة بريغوجين السابقين إلى قوات "أخمات" الشيشانية إلى جانب القائد الميداني ألكسندر كوزنتسوف الذي ظهر مع ألاودينوف. واستفادة من درس يونيو 2023 بعد عام على تمرد بريغوجين تم جمع العشرات من مجموعات المتطوعين الذين جنّدتهم الشركات الروسية الضخمة في فرقة خاصة باسم "ريدوت" بإشراف مباشر من الجنرال فلاديمير ألكسيف، الذي ظهر في مقاطع فيديو مع بريغوجين حين سيطرت "فاغنر" على مقر قيادة القوات المسلحة الروسية الجنوبية. وفي سبتمبر 2023، التقى بوتين بحضور يونس بيك يفكوروف نائب وزير الدفاع مع أندريه تروشيف المعرف باسم "ذي الشعر الرمادي" (الشائب) وحينها طلب بوتين من تروشيف تشكيل وقيادة "وحدات تطوعية" للحرب في أوكرانيا، ما يعني أنه بات القائد الفعلي لجميع المتطوعين الروس في الحرب. ووقتها، بعد اللقاء قال بيسكوف إن تروشيف لديه منصب رسمي في وزارة الدفاع الروسية من دون تحديده.

أظهرت السنوات الأخيرة أن "فاغنر" تعد أداة مهمة للغاية للسياسة الخارجية الروسية في سورية وليبيا وعدد من البلدان الأفريقية. ونظراً لأهميتها، فقد أشرف بوتين شخصياً على إيجاد صيغة لاستمرارها بعد عام على تمرد بريغوجين ووفاته وضمان أنها ستبقى تحت رعاية الكرملين. وربما كان الدرس المستفاد من التمرد هو أن أي تشكيلات عسكرية روسية غير نظامية في الداخل والخارج يجب أن تبقى تحت السيطرة المباشرة للكرملين ووزارة الدفاع. ومنذ خريف العام الماضي، أجرى نائب وزير الدفاع يونس بيك يفكوروف، رحلات إلى سورية والدول الأفريقية بهدف إنشاء هيكل جديد من التفاعل معها.

وعمل يفكوروف بنشاط مع زعماء مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكانت نتيجة عمله أن أعلنت هذه الدول الثلاث عن إنشاء تحالف عسكري، وهو تحالف دول الساحل. وتم الإعلان لاحقاً عن "الفيلق الأفريقي" التابع لوزارة الدفاع الروسية. وفي البداية، كان من المفترض أن ينضم مرتزقة فاغنر الموجودون بالفعل في هذه البلدان إلى "الفيلق الأفريقي" ويوقّعون عقوداً مع وزارة الدفاع، ولكن لاحقاً تبيّن أن "فاغنر" ما زالت تعمل بشكل مستقل في جمهورية أفريقيا الوسطى، بالتنسيق الكامل مع وزارة الدفاع بقيادة بافل بريغوجين، ابن مؤسس المجموعة يفغيني. وفي باقي الدول الأفريقية، إضافة إلى سورية وليبيا، أصبح فرع الاستخبارات العسكرية الروسية المشرف على عمل مجموعات المرتزقة، تحت مسميات مدربين وحراس للمنشآت الحيوية. وبدا واضحاً أن بوتين اختار الانحياز إلى وزارة الدفاع على حساب بريغوجين، للمحافظة على مؤسسة مهمة في ظل "حرب وجودية" مع أوكرانيا والغرب.

ورغم كشف تمرد بريغوجين عن حجم الأزمة في إدارة الجيش الروسي وبشكل عام في النخبة العسكرية، قرر بوتين التأني لعدم الخروج بمظهر الراضخ لشروط بريغوجين، واهتمامه بترتيب أوضاع مستقبل المجموعة المهمة في السياسات الروسية وحربها مع أوكرانيا. وبدا أن التغييرات في وزارة الدفاع مقبلة بالتأكيد، ولكن إقالة شويغو وغيراسيموف، حينها، كان يمكن أن توجه رسالة سلبية لسير المعارك في ظل الحرب على أوكرانيا، وإقراراً بالفشل وإضعاف الروح المعنوية للمقاتلين وتراجع الدعم الشعبي للحرب، والخشية من أن تفهم الإقالات على أنها ضمن شروط وافق عليها بوتين في الاتفاق مع بريغوجين لوقف التمرد وتقدم قواته نحو موسكو.

والواضح أن بوتين انتهز فرصة إعادة تنصيبه رئيسا في مايو الماضي لطي صفحة تمرد بريغوجين الفاشل بإقالة شويغو، بعدما خلّصه تفجير طائرة قرب موسكو من "طباخ الكرملين". وأطلق بوتين عملية تطهير واسعة في الوزارة طاولت نواباً لشويغو، واتُهم عدد من الجنرالات الروس الآخرين بالفساد، وتم فصل بعضهم من الوزارة. وكانت إقالة شويغو دليلاً على أن الكرملين كان غير راضٍ عن الطريقة التي قاد بها شويغو الجيش من وجهة نظر اقتصادية، على الأقل. وبعد عام على تمرد بريغوجين الفاشل، بدا واضحاً أن فاغنر لم تعد عاملاً مزعزعاً للاستقرار بعد عام على تمرد بريغوجين مع انهيار إمبراطوريتها الكبيرة وتقسيمها وإدارة عملها بإشراف مباشر من الكرملين ووزارة الدفاع.