بعد عام على تعيينه مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، يواجه الدبلوماسي الإيطالي السويدي ستيفان دي ميستورا سنة ثانية مليئة بالتحديات، لا سيما بعدما أظهرت تحركاته في المنطقة، خلال الأشهر الماضية، أن قضية الصحراء تقف على رمال متحركة، وأن مهمة السير بحثاً عن إحراز تقدم لاستئناف بناء العملية السياسية تصطدم بحقول ألغام عدة.
وعلى بعد أيام قليلة من موعد تقديم دي ميستورا، أمام مجلس الأمن الدولي، تقريرَه بخصوص العملية السياسية في الصحراء ونتائج تحركاته في المنطقة لجس النبض، والسعي للتحضير للقاءات المستقبلية، ومحاولة تجاوز الانسداد الحاصل منذ استقالة المبعوث الشخصي السابق الألماني هورست كوهلر من مهامه لـ"دواع صحية" في عام 2019، يبرز التساؤل عن الذي يمكن أن يقدمه الرجل في عامه الثاني من أجل تحقيق أهداف مهمته الرامية إلى تسوية نزاع مزمن، بعد إخفاقات أسلافه منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي ظل تعقيدات ملف متشابك تراكمت خلال السنوات الماضية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد عيّن، في 6 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، دي ميستورا مبعوثاً شخصياً جديداً له إلى الصحراء، في حين كان المغرب قد أعلن في 15 سبتمبر/أيلول 2021 عن موافقته على تعيينه "انطلاقاً من ثقته الدائمة ودعمه الموصول لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومتوافق بشأنه".
سبق دي ميستورا إلى المنطقة سبعة مبعوثين أمميين ذهبت تحركاتهم ومساعيهم أدراج الرياح
صعوبات أمام دي ميستورا في ملف الصحراء
وقبل دي ميستورا، سبقه إلى المنطقة سبعة مبعوثين أمميين ذهبت تحركاتهم ومساعيهم أدراج الرياح بين رمال الصحراء المتحركة، ويبدو أن المبعوث الحالي، الذي يتمتع بخبرة تزيد عن 40 عاماً في الدبلوماسية والشؤون السياسية، إذ شغل منصب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، وعمل ممثلاً خاصاً للأمين العام لأفغانستان والعراق وجنوب لبنان، يحاول جاهداً تلمس طريقه المحفوف بالمطبات.
ويحاول دي ميستورا تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع (المغرب، وجبهة البوليساريو، والجزائر التي تدعم الجبهة)، وتوسيع رقعة النقاش الأممي عبر إجراء مشاورات دولية حول الملف، كان آخر فصولها اجتماعه أول من أمس الأربعاء في مدريد مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، وفي الثالث من الشهر الحالي بوزيرة خارجية بلجيكا حاجة لحبيب.
ولئن كانت الأمم المتحدة تراهن على خبرة الرجل في إحياء العملية السياسية وتجاوز الانسداد الحاصل في قضية مزمنة، فإن دي ميستورا يجد نفسه، في عامه الثاني مبعوثا شخصيا، أمام تحدي إقناع الأطراف باستئناف ما بدأه سلفه كوهلر من مساعٍ دبلوماسية، أثمرت عن جمع المغرب والجزائر وموريتانيا و"جبهة البوليساريو" على طاولة المفاوضات في سويسرا، في ديسمبر/كانون الأول 2018 وفي مارس/آذار 2019.
وتبدو مهمة دي ميستورا لدفع أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال آلية "الطاولات المستديرة" صعبة، خاصة الجزائر التي كانت قد أعلنت رفضها تلك الآلية، وطالبت بمفاوضات مباشرة ومن دون شروط، بين المغرب و"البوليساريو" فقط، في حين تعتبر الرباط جارتها الشرقية معنية بالنزاع بشكل مباشر.
تبدو مهمة دي ميستورا لدفع أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات صعبة
كما يلقي واقع التوتر السائد في علاقات الرباط والجزائر والخلافات العميقة بينهما، منذ إعلان الأخيرة، في 24 أغسطس/آب من العام الماضي، قطع علاقتها مع جارتها الغربية، بظلاله على مساعي المبعوث الشخصي لتحقيق أي اختراق في جدار ملف الصحراء.
ويزيد من صعوبة مهمته كذلك التوتر والخلافات العميقة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" منذ اندلاع أزمة معبر الكركرات (مع موريتانيا)، التي انتهت، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بإعلان الجبهة عدم التزامها بقرار وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، بعد نجاح الجيش المغربي في تأمين المعبر الحدودي، وطرد عناصر محسوبة على الجبهة منه، بعد أسابيع من تمكّنها من إغلاقه في وجه تدفق الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا.
وحرص دي ميستورا، خلال جولته الأولى إلى الرباط والجزائر ومخيمات تندوف (في الجزائر تضم لاجئين صحراويين) ونواكشوط، في يناير/كانون الثاني الماضي، والثانية إلى المغرب في يوليو/تموز الماضي، والجزائر ومخيمات تندوف وموريتانيا في سبتمبر/أيلول الماضي، على بحث سبل استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بهدف إيجاد حل سياسي متوافق بشأنه ومقبول من جميع الأطراف على طاولة النقاشات.
غير أنه كان لافتاً تأكيد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء خلال الفترة من سبتمبر 2021 إلى أغسطس/آب الماضي، والذي قُدّم الإثنين الماضي، أن "الثقة ما زالت منعدمة في المنطقة على الرغم من الجهود الدولية".
وفي ظل هذا الوضع، دعا غوتيريس، في تقريره، دول المنطقة إلى "الانخراط بحسن نية في المفاوضات السياسية من أجل إنهاء النزاع"، مبدياً استعداد المنظمة الأممية لعقد اجتماعات مكثفة مع جميع المعنيين بالملف.
التوتر بين الرباط والجزائر يلقي بظلاله على مهمة دي ميستورا
حصيلة صفرية لدي ميستورا في ملف الصحراء
في السياق، رأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتيحي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "دي ميستورا وإن كان يمتلك الكثير من المداخل لمواكبة العمل التراكمي للأمم المتحدة، لاسيما في مسألة تنظيم الطاولات المستديرة التي ابتكرها المبعوث السابق كوهلر، إلا أن حصيلة عمله إلى حد الساعة تبقى صفرية، لانعدام محاولات العمل على تنفيذ توصيات قرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار الأخير 2602، الذي تم اعتماده في 29 أكتوبر 2021".
ويشدد القرار على الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول للطرفين في مسألة الصحراء على أساس التوافق. كما يدعو الأطراف إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية دي ميستورا من دون شروط مسبقة، وبحسن نية.
وسجل الفاتحي "غياب البصمة الخاصة للمبعوث الأممي إلى الصحراء في تدبير الملف، لا سيما من حيث تنبيه الأطراف الأخرى بشأن ضرورة الوفاء بتعهداتها والتزاماتها الدولية، وكذلك التحرك لتقييم عمل الجزائر والبوليساريو في إجراء إحصاء لمخيمات الاحتجاز في تندوف".
ولفت إلى أنه "كان بإمكان دي ميستورا العمل على مناقشة تطوير مخيمات تندوف، وفق مبادئ اتفاقية جنيف (الخاصة باللاجئين)، وردع البوليساريو لانتهاكها اتفاق وقف إطلاق النار الذي سبق لها أن وقعته تحت إشراف الأمم المتحدة".
من جهته، رأى رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية"، نبيل الأندلوسي، أنه "بعد سنة على تعينه مبعوثاً أممياً إلى الصحراء، قام دي مستورا بجولتين إلى المنطقة، حاول فيهما تلطيف الأجواء والاستماع إلى مواقف وتصورات أطراف النزاع، لكن من دون أن ينجح في حلحلة الملف".
واعتبر الأندلوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الصعب عودة أطراف النزاع، في الظروف الحالية، إلى الطاولات المستديرة، بسبب رفض الجزائر هذه الآلية الأممية التي يتشبث بها المغرب".
الأندلوسي: مهمة الوسيط الأممي لم ولن تتجاوز سقف تدبير الأزمة وتلطيف الأجواء وليس حل الإشكال
وأضاف أن "مهمة الوسيط الأممي؛ سواء دي ميستورا أو غيره، لم ولن تتجاوز سقف تدبير الأزمة وتلطيف الأجواء والقيام بجولات لتوثيق مواقف أطراف النزاع المفتعل حول الصحراء، وليس حل الإشكال، على اعتبار أن الطرف الجزائري، كطرف رئيسي في معادلة الصراع، لا يتبنى الوضوح الكافي ويدفع جبهة البوليساريو للتصعيد وعرقلة أي حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومتوافق بشأنه".
واعتبر أنه "في مقابل التعنت الجزائري، نجد الإصرار واليقين المغربي في الدفاع عن هذه القضية الوطنية وذات الأولوية لدى المغرب الرسمي والشعبي على حد سواء، باعتبارها قضية وجود لا حدود".
ولفت في هذا الصدد إلى تأكيد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في الذكرى الـ46 للمسيرة الخضراء (في نوفمبر/تشرين الثاني 2021)، بأن بلده "لا يتفاوض على صحرائه"، وأن "مغربية الصحراء لم تكن يوماً، ولن تكون أبداً، مطروحة فوق طاولة المفاوضات"، مع التأكيد على التمسك بالمسار السياسي الأممي، والالتزام بالخيار السلمي، وبوقف إطلاق النار، ومواصلة التنسيق والتعاون مع بعثة "المينورسو" (بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء)، لكن من دون المساس بمغربية الصحراء.
ورأى الأندلوسي أنه "لا يمكن الرهان على الجولات واللقاءات التي يجريها دي ميستورا لحلحلة ملف الصحراء، في ظل جمود التصور الجزائري بشأنه، وحسم المغرب حدود التنازلات الممكنة، والتي حدد خطوطها العريضة مشروع الحكم الذاتي الذي قدم، في إبريل/نيسان 2007، حلا وحيدا للنزاع المفتعل بالنسبة للطرف المغربي".