في عام 2012، قدّم بلقاسم عجاج، الذي يعمل في قطاع التطوير والتنمية البشرية، ترشحه للانتخابات النيابية ضمن تحالف حزبي بولاية تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، لكن تزوير الانتخابات من قبل السلطة، منعه من الحصول على مقعده. لم تشجّع هذه النتيجة، وظروف إدارة الانتخابات، عجاج على معاودة الترشح في انتخابات 2017. لكن التطورات التي حصلت بعد الحراك الشعبي، وانتقال إدارة الانتخابات إلى سلطة مستقلة، ووجود بعض التدابير في القانون الانتخابي الموجهة بشكل خاص للقوائم المستقلة، شجّعت الشباب والكفاءات على خوض المغامرة الانتخابية، كما شجّعت عجاج على تشكيل قائمة كفاءات لدخول المنافسة في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، بحسب ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، خصوصاً أنّ قانون الانتخابات الأخير خفّض، بشكل استثنائي ضمن أحكام انتقالية تطبق فقط في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حجم التواقيع والاكتتابات المطلوبة لقبول القوائم، بنسبة 150 في المائة. إذ كان القانون السابق يفرض جمع 250 توقيعاً عن كل مقعد مطروح للمنافسة في الولاية التي تترشح فيها القائمة، بينما يفرض القانون الحالي الحصول على 100 توقيع فقط، ما يعني أنّ قائمة مرشحة في ولاية تحوز 10 مقاعد في البرلمان، باتت مطالبة بجمع ألف اكتتاب من الناخبين، بدلاً من 2500 اكتتاب.
أكثر من ألف قائمة مستقلة قدمت ترشيحها حتى يوم الخميس الماضي
وإضافة إلى ذلك، شجّع الرئيس عبد المجيد تبون، في تعليماته الأخيرة، بشأن توفير كل الدعم المادي لتمويل حملات الشباب المرشحين في القوائم المستقلة، على إقدام هؤلاء على الترشح، إذ تمنح السلطات دعماً مالياً وتعويضات للمرشحين المستقلين. كما أمر تبون في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، الأحد ما قبل الماضي، حكّام الولايات بتوفير القاعات التي تنظّم فيها التجمعات الانتخابية لصالح القوائم المستقلة للشباب مجاناً، وكذا التكفل بطبع الملصقات والإعلانات الدعائية والإشهارية مجاناً لصالحهم، بخلاف القوائم التي ستترشح باسم الأحزاب السياسية. وهي جملة إغراءات عزّزت رغبة جامحة لدى الشباب في الولايات للترشح ومنافسة قوائم الأحزاب.
وتشهد الساحة السياسية بروز طوفان من القوائم المستقلة عن الأحزاب السياسية، بشكل يدعو إلى التساؤل عن خلفيات وملابسات هذه الظاهرة السياسية، ومدى تأثيرها على مستوى المنافسة الانتخابية ومصداقية الانتخابات من جهة، ومن جهة ثانية ما إذا كانت مقصودة من قبل السلطة، لهندسة النتائج بشكل غير مباشر وتشتيت مقاعد البرلمان المقبل، وعرقلة فوز الأحزاب المعارضة المنتظمة بالانتخابات، ومنعها من تشكيل حكومة ما بعد يونيو المقبل. وتؤكد آخر تصريحات لرئيس هيئة الانتخابات محمد شرفي وجود أكثر من ألف قائمة مستقلة قدمت ترشيحها حتى يوم الخميس الماضي.
ويبرز عامل سياسي آخر تسبب في توالد القوائم المستقلة المترشحة للانتخابات المقبلة، ويرتبط بالأزمة الهيكلية والداخلية لحزبي السلطة في الجزائر: "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي". إذ دفع تخلّي السلطة عن الحزبين اللذين كانا يستفيدان من دعمها السياسي ومن هندسة النتائج لصالحها، ووجود هيئة مستقلة تدير الانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية، العشرات من كوادر الحزبين إلى القفز من السفينة المثقوبة، خصوصاً بعد الرفض الشعبي الكبير للحزبين والمطالبات بحلهما، بسبب تحميلهما مسؤولية النكبات السياسية والاقتصادية التي حلت بالبلاد. ومع التوقعات بهزيمة كبيرة للحزبين، لجأت كوادرهما، لاسيما من الصف الثاني والشباب، إلى تشكيل قوائم مستقلة، إذ برزت في ولاية تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، عشرة قوائم مستقلة شكلها كوادر وشباب من "جبهة التحرير". كما شكلت كوادر "التجمع الديمقراطي" في العاصمة 12 قائمة.
في السياق، ربط الناشط السياسي، الصحافي نور الدين بلهواري، ظاهرة البروز الكثيف للقوائم المستقلة بـ"وجود غايات سياسية ونوايا مسبقة ومبكرة للسلطة منذ فترة، لتعويم العملية الانتخابية، والنفخ في القوائم المستقلة". وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أنّ السلطة تلعب ورقة القوائم المستقلة المرشحة باسم الكفاءات أو جمعيات المجتمع المدني، تعويضاً عن أحزابها التي باتت محل مقاطعة ورفض شعبي كبير". لكن بلهواري رأى في الوقت نفسه، أنّ "الإقبال الشبابي على الترشح قد يكون أمراً طبيعياً، إذ إن هناك جيلاً جديداً يعتقد أنّ العملية تتعلق بتوظيف وصعود اجتماعي، وأفترض أنّ السلطة تعمّدت الإيحاء بذلك، للضغط على القوى المعارضة المقاطعة للانتخابات".
وأشار إلى أنّ "هذا المشهد المتخم بالقوائم المرشحة، يمكن فهمه بأنه تقنية من تقنيات التزوير المسبق التي تقوم بها السلطة، بهدف صناعة مشهد جديد وهندسة برلمان مشتت من كتل صغيرة من المستقلين وممثلي الجمعيات، يكون بديلاً عن أحزاب الموالاة، ويسمح للسلطة بالحفاظ على حق تشكيل حكومة الرئيس بعد الانتخابات. وهو في الوقت نفسه، تشويش وتعتيم على قوى المعارضة المنظمة والمهيكلة المشاركة في الانتخابات، مثل حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، التي أتوقع أن تتوجه للمشاركة أيضاً، وتعطيل أي إمكانية لفوزها بالانتخابات أو تشكيل حكومة مستقلة بعد ذلك".
لجأت كوادر حزبي السلطة السابقين إلى تشكيل قوائم مستقلة
في المقابل، يرى بعض المراقبين أنّ وجود القوائم المستقلة وقوائم المجتمع المدني في الانتخابات الجزائرية، قد يرفع سقف المنافسة الانتخابية إلى أعلى مستوى، ويعزز من حدة الصراع على المقاعد في الولايات، خصوصاً بعد تقليص قانون الدوائر الانتخابية لعدد مقاعد البرلمان عن كل ولاية. إذ خسرت ولاية كالعاصمة الجزائرية مثلاً عشرة مقاعد من 44 مقعداً في الانتخابات الماضية (2017)، إلى 34 مقعداً في انتخابات يونيو المقبل.
وفي السياق، قال مدير تحرير شبكة "أخبار الوطن" رياض هويلي، في حديث لـ"العربي الجديد": "على الرغم من أنه لن يتم قبول كل القوائم، فإنني أعتقد أنّ هناك عاملين ساهما في وجود إقبال كبير على الترشيحات والقوائم المستقلة. الأول، يرتبط بمسألة تمويل الخزينة العمومية لحملة المرشحين الشباب، وهي مسألة يمكن وصفها بالخدعة. أما العامل الثاني، فيتعلق باعتماد القائمة الاسمية عكس القائمة المغلقة، وهو ما أعطى الأمل للبعض بفوز محتمل". وأضاف هويلي أنّ "وجود هذا الكم من القوائم المستقلة، سيؤدي أولاً إلى رفع المنافسة الانتخابية إلى سقف أعلى في الولايات، ثمّ سيؤدي آلياً إلى القضاء على ما نسميه الأغلبية النيابية، إذ سنكون بصدد مشهد فسيفسائي، وبالتالي ستبرز التحالفات داخل البرلمان. سنكون أمام مشهد يصعب ضبط ملامحه". ولفت إلى أنّ "انخفاض نسبة المشاركة، سيجعل من التمثيل الانتخابي لكل مقعد ضعيفاً، إذ يمكن أن يصبح المقعد البرلماني في ولاية ما يساوي ألف صوت، بدلاً من سبعة آلاف صوت لو كانت نسبة المشاركة قوية".
وعلى الرغم من أنّ مجموع القوائم المستقلة المرشحة ما زالت في طور جمع التواقيع وتشكيل ملفات الترشّح لتقديمها إلى هيئة الانتخابات، من أجل تقييمها، ومن ثم قبولها أو رفض ترشيحها قبل الإعلان عن اللوائح النهائية، فإنّ كثافة وجودها في المشهد الانتخابي ستتسبب في تفعيل أكبر للمعطيات المحلية؛ من ولاءات قبلية وحزبية ولوبيات وغيرها، وبالنتيجة إحداث تشتيت كبير في صفوف الناخبين. وهو ما يؤدي إلى إقصاء عدد كبير من القوائم من مرحلة توزيع المقاعد بعد الفرز، إذ يقصي القانون الانتخابي كل قائمة لا تحصل على نسبة خمسة في المائة من مجموع الأصوات المعبّر عنها من قبل الناخبين في الصندوق. ففي ولاية صغيرة مثلاً، تتنافس فيها 20 قائمة، بحال حصلت 15 قائمة على أقل من خمسة في المائة من الأصوات، فإن ذلك سيكون لصالح القوائم الخمس المتبقية التي فازت بأكثر من خمسة في المائة، والتي ستقتسم المقاعد في ما بينها.