"طوفان الأقصى".. كيف يريح التأييد الأميركي المفتوح لعدوان الاحتلال بايدن؟

13 أكتوبر 2023
بايدن ونائبته كامالا هاريس وبلينكن في البيت الأبيض (براندن سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من القصف الإسرائيلي الذي يدفع قطاع غزة إلى شفا انهيار إنساني، لا يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن ضغوطاً تُذكر في الداخل الأميركي لكبح جماح الرد العسكري الإسرائيلي الانتقامي على هجوم غير مسبوق شنّته حركة "حماس" في غزة على مستوطنات غلاف القطاع في الأراضي المحتلة، يوم السبت الماضي.

بايدن يُطلق العنان لعدوان نتنياهو

وأطلق بايدن يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الوقت الراهن، للمضي قدماً في حربه ضد "حماس" وعموم قطاع غزة. وتعهد الرئيس الأميركي، الذي أعلن أنه "سيظل صديقاً لإسرائيل مدى الحياة"، بتزويدها بكل مساعدة تحتاجها. كما امتنع حتى الآن عن توجيه أي دعوة صريحة لإسرائيل للحد من ردّها، وهو نوع من التصريحات اعتاد البيت الأبيض الإدلاء به خلال الأزمات السابقة.

أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فقال خلال زيارة إلى الأراضي المحتلة، أمس الخميس، إنه يأمل أن تتخذ إسرائيل "كدولة ديمقراطية كل الاحتياطات الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين".

أظهر الجمهوريون شبه إجماع في دعم أي عمل عسكري تقرّر إسرائيل القيام به

ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن قواتهم تحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وقال مسؤول في البيت الأبيض لوكالة "رويترز"، إن مستشاري بايدن ناقشوا مخاوفهم في محادثات خاصة مع نظرائهم الإسرائيليين. وأضاف المسؤول: "ندرك أيضاً أنهم عدوانيون وعليهم أن يكونوا عدوانيين في هذه الساعات المبكرة".

لكن التهديد الإسرائيلي بشنّ هجوم برّي على القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة، والذي يرافقه ارتفاع عدد الشهداء في صفوف المدنيين في القطاع نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل عليه منذ السبت الماضي، قد يدفع بايدن إلى إعادة التفكير في هذا النهج. 

ويحظى بايدن بمساعدة كبار الديمقراطيين في السيطرة على أي معارضة داخل حزبه، سعياً إلى توجيه رسالة وحدة صفّ في هذا الملف، والذي أبدت فيه الإدارة الأميركية دعماً كاملاً لإسرائيل، على الرغم من الدعوات التي أطلقها عدد قليل من التقدميين، لحمل الأخيرة على التصرف بضبط النفس، وتجنب وقوع خسائر فادحة في صفوف سكّان غزة أثناء ما تقول إنها حربها ضد "حماس".

ويزداد التنديد الدولي يوماً بعد يوم بحملة الجيش الإسرائيلي العسكرية على القطاع، لكن حلفاء بايدن يريدون تجنب إعطاء الجمهوريين فرصة لاتهامه بتقويض الردّ العسكري لإسرائيل حليفة الولايات المتحدة، والذي قد يجعل الأزمة عبئاً سياسياً عليه في وقت يسعى إلى إعادة انتخابه رئيساً في انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة خريف عام 2024، وقد يجد نفسه مجدداً في مواجهة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة. 

وأظهر الجمهوريون، من جهتهم، شبه إجماع في دعم أي عمل عسكري تقرّر إسرائيل القيام به بعد تعرضها لهجوم مباغت وواسع من قبل مقاتلي "حماس" نهاية الأسبوع الماضي. وتخطى عدد القتلى الإسرائيليين في هذا الهجوم الألف بكثير، وأصيب الآلاف منهم، كما أسرت "حماس" العشرات من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، وعادت بهم للقطاع، ومن بينهم أميركيون. لكن عدد شهداء القطاع من المدنيين تخطى من جهته الـ1500، علماً أن الضفة الغربية أيضاً شهدت جنوناً لقوات الاحتلال ومستوطنيه، منذ بداية الأحداث، ما أسفر عن سقوط حوالي 35 شهيداً حتى صباح اليوم الجمعة.

وساهمت صور وروايات نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلق العنان لها مسؤولون إسرائيليون، من سياسيين وعسكريين، عما قيل إنها "فظائع" ارتكبها مقاتلو "حماس" في بلدات ومستوطنات إسرائيلية خلال الهجوم، في اقتصار الانتقادات الموجهة لإسرائيل ونهج بايدن على شريحة محدودة نسبياً من اليسار الأميركي، علماً أنه غالباً ما تراجع الإعلام الأميركي عن تبني مثل هذه الروايات التي لا توجد أي دلائل على مصداقيتها، بل حتى بعضه دحضها سريعاً. كما أن الإدارة الأميركية نفت أخيراً تصريحاً لبايدن قال فيه الأربعاء الماضي، إنه رأى صوراً لأطفال المستوطنين مقطوعة رؤوسهم بهجوم "حماس"، مؤكدة أن تصريح بايدن اعتمد على تقارير إعلامية ولم ير هو أو فريقه أي صور من هذا النوع.

ومع اقتراب عدد شهداء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر من ألفين، وفي ظل الاستعدادات الإسرائيلية الجارية لغزو بري وتعهد القادة الإسرائيليين بالقضاء على "حماس"، فإن الأصوات في الداخل الأميركي قد ترتفع بسهولة في الأيام المقبلة رفضاً لمواصلة قوات الاحتلال حربها، أو أقلّه رفضاً للاجتياح البرّي.

شهدت أوساط الديمقراطيين في الولايات المتحدة لسنوات توتراً بين المعتدلين المؤيدين لإسرائيل ومجموعة من التقدميين

وبينما ينتقد زعماء ديمقراطيون "حماس" ويتعهدون بدعم إسرائيل، أطلق بعضهم بالفعل رسائل تذكيرية مصوغة بعناية بضرورة التزام إسرائيل بقوانين الحرب.

وفي هذا الإطار، قال العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، غريغوري ميكس: "سنقف إلى جانب إسرائيل ونتأكد من أننا ندافع عنها ونمنحها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها"، مضيفاً رغم ذلك أنه "مع استخدام المسلحين للفلسطينيين العاديين كدروع بشرية، علينا أن نضع هؤلاء الفلسطينيين وسلامتهم وسبل عيشهم في الاعتبار بينما نسحق حماس".

سياسة أميركا: أقلّ القليل

وبالنسبة لقطاع كبير من الكونغرس الأميركي والرأي العام الأميركي، فإن تشبيه إسرائيل لهجوم "حماس" بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن كان له صدى واسع النطاق.

وأصدرت النائبة رشيدة طليب، وهي الأميركية الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، قبل أيام، بياناً أثار انتقادات لقولها إنها تحزن على فقدان أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي رسالة قوية إلى إسرائيل، اعتبرت طليب أن السبيل لإنهاء الأزمة "يجب أن يشمل رفع الحصار وإنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري الذي يخلق الظروف الخانقة والمهينة للإنسانية التي يمكن أن تؤدي إلى المقاومة".

من جهتها، وردّاً على سؤال حول انتقادات مبكرة لردّ إسرائيل من نواب ليبراليين آخرين ساووا هجوم "حماس" مع تحركات اتخذتها إسرائيل في السابق، ندّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير بمثل هذه التصريحات، ووصفتها بأنها "بغيضة"، مؤكدة للصحافيين يوم الثلاثاء الماضي "إدانتنا هي للإرهابيين بشكل مباشر".

وشهدت أوساط الديمقراطيين في الولايات المتحدة لسنوات توتراً بين المعتدلين المؤيدين لإسرائيل ومجموعة من التقدميين الذين ينتقدون إسرائيل، خصوصاً بسبب انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات.

وخلال العام الحالي، أدّت مساعي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لتنفيذ تعديلات قضائية إلى فتح الباب أمام انتقادات جديدة لإسرائيل، حيث اتفق البيت الأبيض والعديد من النواب الأميركيين مع ما ينادي به محتجون في إسرائيل نزلوا إلى الشوارع لأشهر، واصفين خطة نتنياهو بأنها تهدف إلى "تقويض القضاء".

وعلى الرغم من أن استطلاعات رأي لا تزال تظهر تعاطفاً ساحقاً في الولايات المتحدة مع إسرائيل، فقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في شهر مارس/ آذار الماضي، أن الديمقراطيين يميلون قليلاً باتجاه الفلسطينيين.

ومنذ هجوم السبت الماضي، فرضت إسرائيل حصاراً مطبقاً على قطاع غزة الذي يسكنه 2.3 مليون نسمة، وشنّت عدواناً جوياً محى أحياء بأكملها في القطاع.

ووصف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية" لدى إعلانه فرض حصار كامل على القطاع، وقطع الاحتلال الغذاء والماء والكهرباء عنه، وهو ما أدانته منظمة "هيومن رايتس ووتش" واعتبرته دعوة لارتكاب جرائم حرب في غزة.

وبعدما أبقى بايدن نفسه بمنأى عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وجد نفسه اليوم في أتون حريق مستعر في الشرق الأوسط. فهو لا يستطيع أن يتحمل استعداء الناخبين المؤيدين لإسرائيل قبل انتخابات العام المقبل، إذ يعد اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل، بقيادة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، قوة رئيسية في السياسة الأميركية، وكثيرا ما يدعم نتنياهو، وهو ما اضطر بايدن إلى الدخول مع الأخير في تحالف ليس مريحاً في وقت الحرب.

وفي حين نال دعمه القوي لإسرائيل، أقرب حليف لواشنطن في المنطقة، الثناء في العديد من الأوساط، فقد أثارت الأزمة أيضا انتقادات لعدم تكريسه اهتماماً كافياً لقضية الفلسطينيين الذين يرون آمالهم في إقامة دولة تتلاشى أكثر من أي وقت مضى في ظل الاحتلال الإسرائيلي. ويقول مسؤولون أميركيون إن الوقت غير مناسب لمحاولة استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة منذ فترة طويلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تعنت الجانبين.

واعتبر مستشار المفاوضات الفلسطينية السابق، خالد الجندي، الذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في حديث لوكالة "رويترز": "كانت فلسفتهم (الأميركيون) التي يسترشدون بها بشأن هذه القضية على مدى السنوات الثلاث الماضية، هي القيام بأقل القليل".

(رويترز)

المساهمون