استمع إلى الملخص
- دور الإعلام في تعزيز الذاكرة الوطنية: لعب الإعلام المصري دورًا كبيرًا في إحياء ذكرى نصر أكتوبر عبر بث الأغاني الوطنية والأفلام، مما أعاد الذكرى إلى وجدان الشعب وربط الأحداث المعاصرة بإرث النصر.
- تجديد مشاعر العداء تجاه إسرائيل: جددت الأحداث مشاعر العداء تجاه إسرائيل، مؤكدة أن الصراع معها مستمر لاستعادة الحقوق العربية، مما جعل مفهوم التطبيع مرفوضًا لدى فئات أوسع من الشعب المصري.
تعتبر شريحة كبيرة من المصريين أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أطلقت روحاً جديدة من العزة والكرامة في صدورهم، خاصة الأجيال الشابة التي لم تعش لحظات نصر حرب أكتوبر 1973، لكنها استشعرت رمزيته من جديد مع وقع هذه الأحداث.
ولطالما شكلت حرب أكتوبر علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية باعتبارها نموذجاً للانتصار على العدو الإسرائيلي المحتل، ومع وقوع أحداث السابع من أكتوبر، عادت الذكرى لتتوهج مرة أخرى محملة بروح الصمود والعزة.
الأجيال الشابة التي وُلدت بعد تلك الحرب وجدت في هذه الأحداث تجسيداً حياً لإمكانية الانتصار على العدو، وهو ما أعاد إلى الأذهان تلك اللحظات البطولية التي عاشها المصريون في 1973.
تقول يارا صلاح لـ"العربي الجديد"، وهي طالبة بكلية الحقوق في جامعة القاهرة: "مرت ذكرى نصر أكتوبر 1973 العام الماضي باهتة باردة، لكن جاءت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر بعدها بيوم، لتضخ دماء جديدة في شرايين الذكرى المجيدة، وتعيد إلى الأذهان صورة النصر الذي حققته مصر والعرب على إسرائيل رغم الفارق الكبير في الإمكانات والعتاد".
إعادة الزخم إلى الذاكرة الوطنية
الإعلام المصري لم يكن بعيداً عن هذا الإحياء الجديد للذكرى، فقد ركزت وسائل الإعلام على استعادة روح أكتوبر، إذ تسابقت القنوات التلفزيونية لإعادة بث الأغاني الوطنية التي تمجد حرب أكتوبر، واسترجاع الأفلام التي وثقت لحظات النصر والعزة.
يقول إياد يونس، وهو خريج حديث من جامعة القاهرة، إن عروض الأفلام، "مثل الرصاصة لا تزال في جيبي وأبناء الصمت، عادت لتزين الشاشات من جديد، وكأنما ترسم للأجيال الجديدة لوحة شرف تحمل ملامح من أعظم انتصارات الأمة".
ولاحظ المتحدث استعادة الاهتمام بالعرض العسكري السنوي، حيث أصبح احتفالاً وطنياً كبيراً يُذكر الشعب بأهمية الحفاظ على روح أكتوبر في مواجهة العدو التاريخي، رغم ما شابه من وجود رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في الاحتفال، قائد التطبيع العربي في مواجهة المقاومة.
واعتبر حازم محمد، وهو طالب بكلية التجارة في جامعة القاهرة، أن هذا الاهتمام الإعلامي المكثف أعاد الذكرى إلى وجدان الشعب المصري، وربط الأحداث المعاصرة بإرث النصر، ما أعطى دفعة جديدة للشعور بالفخر والانتماء.
مشاعر العداء تتجدد
اللافت في هذا الإحياء هو التجديد الواضح لمشاعر العداء تجاه إسرائيل، فبعد سنوات من الفتور الذي صاحب معاهدات السلام والتطبيع الاقتصادي والسياسي، جاء السابع من أكتوبر ليعيد إلى الساحة نقاشاً طالما ظن البعض أنه قد اندثر.
"المصريون، بقلوبهم ومشاعرهم، عادوا لتأكيد موقفهم التاريخي من إسرائيل باعتبارها المحتل الذي لا يمكن الوثوق به. الشباب، الذين ربما لم يعيشوا تلك الفترة، استعادوا مشاعر آبائهم وأجدادهم في العداء لإسرائيل، وفهموا أن الصراع لا يتعلق فقط بماضٍ مضى، بل هو جزء من معركة مستمرة لاستعادة الحقوق العربية المسلوبة"، بحسب يارا.
وتابعت: "أحداث السابع من أكتوبر لم تكن مجرد اشتباك عسكري، بل كانت لحظة فارقة جددت الأمل لدى المصريين والعرب في استعادة الكرامة الوطنية، وأعادت إلى القضية الفلسطينية زخمها في قلوب المصريين".
ومضت قائلة: "هذه الأحداث أكدت للجميع أن إسرائيل لا تزال عدوًا محتلًا للأراضي العربية، وأنه مهما طال الزمن، فإن الصراع معها لا يمكن أن ينتهي إلا باستعادة الحقوق".
وتأتي هذه الأحداث في وقت يتزايد فيه النقاش حول التطبيع مع إسرائيل في بعض الأوساط العربية، لكنها وضعت حاجزاً نفسياً أمام هذه الفكرة لدى المصريين.
تقول يارا إن أحداث السابع من أكتوبر "أعادت إلى الأذهان أنه لا يمكن لأي اتفاق سياسي أن يمحو الحقيقة التاريخية للصراع مع إسرائيل، وأن المقاومة والتمسك بالحقوق هما السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل".
ويؤكد إياد يونس لـ"العربي الجديد" أن "العداء تجاه إسرائيل عاد ليكون حاضراً في قلوب المصريين، خاصة بعد أن رأوا مشاهد الدماء الفلسطينية الزكية تسيل على أيدي قوات الاحتلال، لقد بات من الواضح أن "التطبيع" أصبح مفهوماً مرفوضاً لدى فئات أوسع من الشعب المصري، حيث لا يمكن التعايش مع من يُعتبر محتلاً ومعتدياً".
ويؤكد حازم محمد أن السابع من أكتوبر 2023 أعاد صياغة العلاقة النفسية والتاريخية بين المصريين وإرث نصر أكتوبر 1973. هذا اليوم أعاد إلى الأذهان مجد الماضي، وأكد أن النصر الذي تحقق في تلك الأيام لا يزال حياً في نفوس الشعب المصري، وأنه مهما كانت التحديات، فإن روح أكتوبر لن تموت.
"وبينما تجددت مشاعر العداء تجاه إسرائيل، يتبقى في الأذهان أن الصراع لم ينتهِ بعد، وأن قضية فلسطين ستظل حية في قلوب المصريين والعرب حتى تُستعاد كافة الحقوق، وتتحقق العدالة المنشودة"، كما يقول حازم.
ضخ الدماء في عروق النصر القديم
بدوره، أكد اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع السابق وأستاذ العلوم الاستراتيجية، أن أحداث السابع من أكتوبر "أعادت مجددًا ضخ الدماء في عروق انتصار 6 أكتوبر، اعتقادًا بقدرة الدول والشعوب العربية على إلحاق الهزيمة بالعدو الإسرائيلي، مهما كان فارق الإمكانات بين قوى المقاومة في المنطقة وتل أبيب".
ولفت اللواء سالم، لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما جرى في السابع من أكتوبر "أعاد إحياء ذكرى الانتصار العظيم في أذهان الأجيال الجديدة، وكَرّس يقينًا لديهم بأنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بالعدو، كونهم حاليًا متسلحين بأهم سلاح امتلكناه في حرب أكتوبر، وهو أننا أصحاب حق، وهو ما ينطبق على حماس وكل قوى المقاومة العربية خلال أحداث السابع من أكتوبر، وحقهم في استعادة أراضيهم المحتلة من قبل العدو".
وأشار إلى أن أهم الدروس المستقاة من نصر أكتوبر وأحداث السابع من أكتوبر "هي تأكيد امتلاك العالم العربي سلاح الردع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن عالمنا العربي قادر على استعادة حقوقه ولجم الغرور الصهيوني، وهو ما حدث في النصر وأعاد إليه السابع من أكتوبر الاعتبار مجددًا".
وشدد المتحدث على أن روح نصر 6 أكتوبر "بدت واضحة في أحداث الطوفان، وأن الحدثين قد توصلّا إلى رسالة واضحة مفادها أن تمسكهم بحقوقهم في تحرير أرضهم هو السبيل الوحيد لتحقيق النصر. فضلاً عن ضرورة امتلاك المقاومة في فلسطين ولبنان كل السبل لتحقيق أهدافهم وإجبار العدو على احترام حقوقهم المشروعة وسيادتهم على ترابهم الوطني".
وفي نفس السياق، قلل رئيس جهاز الاستطلاع السابق بالجيش المصري من أهمية الحديث عن أن أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر قد أعادت الإحساس الرمزي لنصر 1973، مشيرًا في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن ذكرى انتصار الجيش المصري لم تخفت أبدًا، وكان هناك اهتمام شعبي ورسمي بإبقاء هذا الانتصار عالقًا في الذاكرة المصرية.
وأكد المتحدث أن انتصار السادس من أكتوبر حظي باهتمام إعلامي ورسمي من خلال العرض العسكري الذي شهدته الأكاديمية العسكرية بحضور رئيس الجمهورية، وتركيز وسائل الإعلام المختلفة على إحياء هذه الذكرى، خصوصًا أن المنطقة تواجه تحديات غير مسبوقة خلال هذه الفترة.
ولا يفضل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير معصوم مرزوق عقد المقارنات بين نصر أكتوبر 1973 وطوفان الأقصى، باعتبار أن "الصفحة الأنصع في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تظل هي نصر 1973"، بينما تُعتبر صفحة طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر، "صفحة مضيئة جدًا في تاريخ هذا الصراع، حيث إن كل أطراف المقاومة، بمن فيهم الحوثيون، يمثلون حلقة في سلسلة إنهاء وجود الكيان الصهيوني وخروجه من المنطقة".
وأضاف مرزوق، وهو أيضا ضابط سابق بالجيش المصري شارك في حرب 1973، أنه "لا شك أن السابع من أكتوبر أعاد الأمل في إعادة انتصار السادس من أكتوبر مجددًا، وقدم دليلاً على امتلاك الدول العربية والمقاومة سلاح الردع ضد إسرائيل".
وأشار في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن أحداث الطوفان "قد أعادت الاعتبار مجددًا لنصر أكتوبر وأحيَت الآمال لدى أجيال الشباب في مصر والمنطقة بأن هزيمة الكيان الصهيوني ممكنة إذا امتلكنا أدوات النصر مجددًا، واختفت أي مخاوف من هيمنة الكيان على المشهد السياسي، باعتبار أن الطوفان فتح المجال واسعًا أمام الجميع لمجابهة الكيان وإلحاق الهزيمة به".
ولم يخف مرزوق أنه كان متوقعًا أن تعيد أحداث طوفان الأقصى رمزية النصر الكبير في أكتوبر، "لكن الموقف العربي الرسمي لم يكن على مستوى الحدث، ولم يرقَ إلى الردع الكافي للكيان الصهيوني عن إجرامه في فلسطين ولبنان".
لم يخف مرزوق أنه كان متوقعًا أن تعيد أحداث طوفان الأقصى رمزية النصر الكبير في أكتوبر
وحول تقييمه للاهتمام الرسمي في مصر بذكرى انتصار أكتوبر 1973، أشار إلى أن الاحتفال بهذه الذكرى "لم يكن مرضيًا طوال العقود الماضية، حيث كان يقتصر الاحتفال على أيام قليلة قبل الذكرى فقط، يعاد خلالها بعض الأفلام والأغاني الوطنية، لكن هذا الاهتمام لم يرقَ إلى مستوى الحدث الذي كان يجب تضمينه بجرعة كبيرة في المناهج، وكذلك الاحتفاء بأبطال أكتوبر الذين لم يبقَ منهم الكثير على قيد الحياة، والاستماع لرواياتهم عن الحدث العظيم، تكريمًا للشهداء".
الدبلوماسي المصري السابق، والذي لا يزال معتزا بكونه أحد المقاتلين في حرب أكتوبر 1973، شدد على ضرورة إبقاء هذا النصر في الذاكرة عبر عمل فني يليق بهذه الذكرى، التي لم تُعطَ حقها سواء قبل طوفان الأقصى أو بعده.