طهران و"طالبان": صداقة الأعداء تهدّد وحدة الحركة الأفغانية

22 يونيو 2015
إيران تحاول استخدام "طالبان" ضد "داعش" (فرانس برس)
+ الخط -

مع انتعاش العلاقات بين إيران وحركة "طالبان أفغانستان" يزداد القلق في أوساط الشعب الأفغاني حيال سعي طهران لاستخدام الحركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لا سيما أن الأخير أعلن عداءه علناً للحركة التي تدهورت علاقتها مع إسلام أباد، والتي تتعرض في الفترة الاخيرة لاغتيالات في صفوف قياداتها، إضافة إلى انضمام أعداد كبيرة من قياداتها الميدانية إلى "داعش".

حركة "طالبان"، والتي لها تاريخ طويل من العداء مع إيران، تؤكد أن زيارات وفودها الأخيرة إلى طهران كانت تهدف إلى شرح موقفها إزاء القضية الأفغانية، علاوة على التباحث بشأن قضية اللاجئين الأفغان مع السلطات الإيرانية. ولكن التطورات الميدانية وتسريبات صحافية تشير إلى غير ذلك، وتؤكد أن علاقات "طالبان" بإيران قد تخطّت مرحلة الشرح والبيان، وأن قضية اللاجئين لا تهم الطرفين أصلاً في الوقت الراهن، بل الحركة بدأت تهتم بعلاقاتها مع إيران بعد أن واجهت مشاكل مع باكستان بسبب علاقات الأخيرة بأفغانستان، وإيران التي كانت تنتظر هذه الفرصة رحبت بـ"طالبان" بشكل كبير، إذ كان الوفد الأخير لطالبان الذي ترأسه طيب آغا في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، الذي كانت تصفه الحركة بألد أعداء الإٍسلام.

كذلك أسهمت الحروب الدامية بين "داعش" و"طالبان"، وإعلان الأول الحرب ضد الحركة، في تحسين علاقات الأخيرة بطهران، التي لن تتحمل وجود "داعش" على بعد بضعة كيلومترات من أراضيها، وبالتالي هي بحاجة إلى من يقف في وجه هذا التنظيم، و"طالبان" هي الخيار المفضل. في المقابل "طالبان" بحاجة إلى من يدعمها مالياً وعسكرياً، وإيران مستعدة لفعل ذلك.

وتتحدث تقارير إعلامية وتسريبات صحافية عن دعم إيران لـ"طالبان" في المجال المالي والعسكري، بل حتى تدريب المسلحين، والسعي لتجنيد الشباب الأفغان (اللاجئين في إيران) في صفوف "طالبان". ولفتت بعض وسائل الإعلام الدولية والمحلية إلى أن "طالبان" طلبت من القيادة الإيرانية فتح ممثلية لها في طهران، إلا أن الحركة نفت تلك الأنباء. وقال قيادي بارز في الحركة، فضل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إن هذا مجرد خبر لا أساس له من الصحة، لأن لـ"طالبان" ممثلية في الدوحة، وهي ليست بحاجة إلى أي ممثلية أخرى في الوقت الراهن. ولم يستبعد القيادي أن تكون طهران نفسها قد اختلقت مثل هذه الأخبار بهدف خلق فجوة بين "طالبان" وبعض دول المنطقة.

اقرأ أيضاً: "طالبان أفغانستان" تحذّر "داعش" من التدخل بشؤونها

ويثير التقارب بين "طالبان" وإيران قلق شرائح المجتمع الأفغاني، فبعد أن أثارت المنابر الإعلامية القضية وناقشها المثقفون الأفغان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت الأروقة السياسية تتحدث عن سعي إيران لاستمرار دوامة الحرب في أفغانستان لتكون فاعلاً أساسياً فيها، على غرار العراق وسورية. مجلس الشيوخ الأفغاني آخر من ناقش القضية، وأكد في جلسته الأخيرة أن إيران تتبنى سياسة مزدوجة، فهي تؤيد الحكومة الأفغانية دبلوماسياً ولكنها وراء الكواليس بدأت تؤيد حركة "طالبان" بهدف مواجهة "داعش"، وهو ما سيؤدي إلى صراع جديد على حساب أفغانستان.

وفي تعقيب له على تداعيات القضية، قال عضو مجلس الشيوخ الأفغاني، صفي الله هاشمي، إن إيران تسعى من خلال دعمها لـ"طالبان" إلى أن تجعل أفغانستان ميدان الصراع بين "داعش"، وخصمها حركة "طالبان"، لافتاً إلى أن هناك أدلة وشواهد تثبت أن طهران تتدخل في شؤون أفغانستان، وتؤيد حركة "طالبان". من جهته، أعرب عضو المجلس عبد الباقي عن قلقه الشديد إزاء التقارب بين "طالبان" وطهران، وقال إن الشعب الأفغاني سيصبح ضحية لأجل المصالح الإيرانية، مطالباً الحكومة الأفغانية باتخاذ موقف صريح وحازم إزاء سياسة إيران المزدوجة.

لكن ثمة حقائق تعرفها قيادة الحركة جيداً وهي أن التقارب بينها وبين طهران قد يكون بمثابة الانتحار لها أمام مناصريها من الأفغان. كما تعي الحركة أحوال الدول والتنظيمات التي رضيت بأن تكون حليفة إيران، مثل العراق وسورية، من هذا المنطلق رفضت شريحة كبيرة من القيادة الميدانية في الحركة "الصداقة" مع إيران، وأعربت عن تحفظاتها خلال اجتماعات الحركة، كما أوضح القيادي في الحركة لـ"العربي الجديد".

ومن الملفت أن تياراً كبيراً من السلفية داخل حركة "طالبان"، على رأس المعارضين للصداقة بين الحركة وطهران، وهناك خشية من انشقاق هذا التيار من الحركة، وبقائه منفصلاً على أحسن الأحوال، أو انضمامه إلى "داعش"، الأمر الذي لن تتحمله الحركة في الظروف الراهنة. وهناك قيادات بارزة في الحركة قد انشقت عنها أو على وشك الانشقاق، ورسالة أحد أعضاء شورى "طالبان" قاري محمد إدريس سيرت خير، دليل على ذلك، إذ تساءل عن مصير زعيم الحركة الملا عمر، وطالب قيادة الحركة بأن تبث تسجيلاً صوتياً للملا عمر خلال عشرة أيام إن كان على قيد الحياة، وإلا فإنه مع عدد من قيادات الحركة سينضم إلى تنظيم "داعش"، وسيبايع من وصفه بخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي.

وتفتح الرسالة صراعاً جديداً داخل الحركة حول حياة زعيمها الملا عمر، وخصوصاً أن الاستخبارات الأفغانية قد أعلنت قبل فترة أن الأخير لقي حتفه وأن الحركة تخفي ذلك حفظاً على وحدة الصف.

وبالنظر إلى الوضع العام في المنطقة وما تمر به "طالبان"، يبدو جلياً أن الحركة بين خيارين حيال علاقتها مع طهران، أحلاهما مرّ.

اقرأ أيضاً: تمدّد "داعش" في أفغانستان يهدّد روسيا والصين

المساهمون