طموحات صينية مبكرة بمزاحمة أميركا في الشرق الأوسط

19 أكتوبر 2024
أبو مرزوق (حماس)، وانغ يي، العالول (فتح)، بكين، 23 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتزايد التساؤلات حول قدرة الصين على ملء الفراغ في الشرق الأوسط مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يواجه المرشحان تحديات تتعلق بتراجع النفوذ الأميركي وتأثير ذلك على الناخبين العرب الأميركيين في الولايات المتأرجحة.
- تسعى الصين لدور مسؤول في الشرق الأوسط عبر الحوار والوساطة، كما يظهر في جهودها بين الرياض وطهران والفصائل الفلسطينية، مما يعكس استراتيجيتها في إحلال السلام بعيداً عن الهيمنة العسكرية.
- يشير بعض الباحثين إلى أن الحديث عن دور صيني في المنطقة سابق لأوانه، حيث تقتصر جهود الصين على مبادرات سلمية شفهية دون التزام أمني حقيقي، مما يعكس تنافساً سياسياً مع الولايات المتحدة.

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي يتنافس فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، تتزايد الأسئلة في الأوساط الصينية عما إذا كانت بكين قادرة على ملء الفراغ في الشرق الأوسط في وقت يحاول فيه الرئيس الأميركي المقبل، برأيها، معالجة مسألة تراجع النفوذ في المنطقة. وقالت وسائل إعلام صينية، الخميس 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، إن ترامب وهاريس سيضطران إلى التصالح مع سعي بكين إلى دور أكبر مع فقدان واشنطن نفوذها في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية على جبهات متعددة. ولفتت إلى أن الصراع المتسع في الشرق الأوسط يعد إحدى القضايا الرئيسية التي تهيمن على النقاش الأميركي الحالي حول السياسة الخارجية، إذ دفع قرار إرسال قوات ودفاعات صاروخية متقدمة إلى إسرائيل، إيران إلى التحذير من أن الولايات المتحدة تعرّض حياة قواتها للخطر. وبالتالي قد يكون لذلك تأثير مباشر على نتيجة الانتخابات الرئاسية، وسط الغضب من موقف البيت الأبيض المؤيد لإسرائيل، والذي يهدد فرص هاريس في الفوز بولاية ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة رئيسية تضم نسبة كبيرة من الناخبين العرب الأميركيين.

في ضوء ذلك، يعتقد مراقبون صينيون أنه بغض النظر عن النتيجة، فإن الرئيس الأميركي المقبل سيواجه الحقيقة الصارخة، بأن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة سيصبح محدوداً على نحو متزايد، وستشعر واشنطن أنها بحاجة متزايدة إلى تركيز المزيد من الموارد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتنافسها المتزايد مع الصين. لكن في المقابل، يبدو أن الدور المتنامي لبكين في الشرق الأوسط قد يحوّل المنطقة إلى ساحة معركة أخرى في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

لي تشونغ: وساطات الصين في ملفات الشرق الأوسط توضح ملامح الاستراتيجية الصينية في المنطقة

تحقيق اختراق في الشرق الأوسط

 في رده على سؤال لـ"العربي الجديد"، عمّا إذا كانت بكين فعلاً جادة في أخذ دور في منطقة الشرق الأوسط، وضمن أي حدود، يقول الباحث الصيني في الشؤون الدولية لي تشونغ، إن "تحرك الصين في الشرق الأوسط ينطلق من دورها دولة مسؤولة وعضوا دائما في مجلس الأمن، وقد تجلى ذلك في مواقفها الثابتة لحل الصراعات والنزاعات عبر المفاوضات والحوار، سواء ما يتصل بالحرب على غزة، أو الحرب على لبنان". ويضيف أن "بكين نجحت في تحقيق اختراق سياسي كبير أخيراً حين توسطت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران العام الماضي، وأيضاً كانت هناك اختراقات في ملف المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة بكين في يوليو/تموز الماضي". ويبيّن أن "هذه الجهود توضح ملامح الاستراتيجية الصينية في المنطقة الساعية إلى إحلال السلام وإدارة الخلافات عبر الوسائل السلمية بما يحقق مبدأ التعايش السلمي المشترك بين الجميع". وبرأيه فذلك "من دون الاحتراب أو الاحتكام لقوة السلاح وعقلية الردع والهيمنة التي تمثلها الولايات المتحدة والقوة الغربية التي تدعم طرف على حساب آخر، دون أي اعتبار لتكلفة الحرب البشرية والمادية".

لونغ يوان: واشنطن لم تخل مسؤوليتها ولم ترفع يدها عن المنطقة

دور الصين المناكف لأميركا

في المقابل، يرى لونغ يوان، الباحث الزميل في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان)، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن دور لبكين في الشرق الأوسط، لأن ذلك سيفترض أن واشنطن أخلت مسؤوليتها ورفعت يدها عن المنطقة، وهذا غير صحيح". ويوضح أنه "قبل الحرب على غزة كان التركيز الأميركي منصباً على منطقة المحيطين الهادئ والهندي لمحاصرة الصين، خصوصاً أن الإدارة الأميركية السابقة مهدت الطريق لذلك عبر تهدئة الأجواء بمحيط مضطرب (الشرق الأوسط) من خلال إبرام اتفاقيات سلام بين دول المنطقة وإسرائيل، وربما كانت السعودية آخر الدول المنضمة لاتفاقيات إبراهيم (السلام) لولا ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي". لكن بعد الحرب، بحسب لونغ يوان، و"التي طاولت شرارتها دول الجوار، سيجد الرئيس الأميركي المقبل نفسه ملزماً بإعادة ترتيب أولوياته السياسية حتى ولو كان ذلك على حساب احتواء الصين"، وذلك "من خلال ضخ المزيد من الجهود لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية". ويضيف أنه "بناء على ذلك لن تسمح واشنطن لبكين في لعب دور محوري في المنطقة، وقد نشهد خلال الفترة المقبلة وجوداً أكبر للقوات الأميركية في البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط.

تشاو يين: الدور الصيني يقتصر على تقديم مبادرات وحلول سلمية شفهية

من جهته، يعتبر الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ، تشاو يين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "دور بكين في الشرق الأوسط لا يعدو كونه دوراً مناكفاً للسياسات الأميركية في المنطقة، ولا يعكس رغبة حقيقية في القيام بدور حيوي". ويوضح أن "الدور الصيني يقتصر على تقديم مبادرات وحلول سلمية شفهية تستخدم عادة للاستهلاك الإعلامي في محاولة تسويق صورة الصين أمام المجتمع الدولي بأنها دولة داعية للسلام على خلاف الصورة التي يرغب الغرب في ترسيخها إعلامياً". ويضيف أن "الغاية من الحراك الدبلوماسي في ملفات مأزومة مثل الحرب على غزة وكذلك الأزمة الأوكرانية، هي مجرد تسجيل نقاط سياسية على حساب واشنطن". وبرأيه فإن "ذلك لا يعتبر كافياً للقول إن بكين على استعداد للانخراط بشكل أكبر في أزمات الشرق الأوسط وتولي أدوار أمنية وعسكرية على غرار واشنطن التي ترسل حاملات طائراتها إلى المنطقة وتقدم الدعم العسكري والمادي لحليفتها إسرائيل، وتتعهد بحمايتها من التهديدات الإيرانية".  لكن تشاو يين يلفت في الوقت نفسه، إلى أن "بكين قد تكون من خلال هذه الجهود تجس النبض الأميركي لمعرفة كيفية ردة الفعل والهامش الذي يمكن أن تناور فيه لو فكرت مستقبلاً في الانخراط بشكل أكبر في المنطقة".