استمع إلى الملخص
- دعا وزير الدفاع الإيطالي إلى تعزيز قوات "يونيفيل" وإنشاء منطقة عازلة تحت إشرافها والجيش اللبناني، بينما أكد وزير الخارجية على أهمية انتخاب رئيس جديد للبنان وتغيير قواعد الاشتباك.
- شدد جوزيبي دينتيتشه على تعزيز قدرات الجيش اللبناني لتقليل نفوذ حزب الله، وأهمية الاعتراف بحدود برية مشتركة بين لبنان وإسرائيل لتحقيق الاستقرار.
أثارت الهجمات المتكررة للجيش الإسرائيلي على قواعد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل"، جنوبي نهر الليطاني وعلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ومن بينها قاعدتان للوحدة الإيطالية هناك، موجة عارمة من الاحتجاجات داخل إيطاليا، ليس فقط من قبل المعارضة وإنما أيضاً من قبل حكومة اليمين الإيطالي. وأعادت هذه التطورات نهر الليطاني إلى الواجهة، محوراً لمشروع إيطالي. على صعيد المقاربة الدبلوماسية، وصفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني الهجمات الإسرائيلية بأنها "غير مقبولة"، كما شاركها الرأي وزير الخارجية أنطونيو تاياني الذي أضاف أنه ينتظر "اعتذار إسرائيل" محذراً من "المساس بالجنود الإيطاليين".
أما وزير الدفاع غويدو كروسيتو فقد بدا أكثر حدة، إذ استدعى السفير الإسرائيلي في روما جوناثان بيليد وأبلغه احتجاجاً شديد اللهجة، بينما أشار على هامش زيارته إلى كوسوفو يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إلى أنه سأل زملاءه الإسرائيليين: "ماذا سيحدث المرة المقبلة؟ هل يتعين علينا أن نرد؟"، معتبراً أن "السؤال كان استفزازياً كي يدركوا خطورة ما صنعوه". ورداً على طلب إسرائيل نقل مواقع "يونيفيل"، قال كروسيتو: "لن نكون أبداً من يتزحزح عن مواقعه بناء على طلب أحد منا ذلك بالقوة"، مضيفاً "نطالب إسرائيل بالاحترام الواجب لبلد صديق مشارك في قوة لحفظ السلام".
جوزيبي دينتيتشه: من الضروري تعزيز قدرات الجيش اللبناني بما يُضعف القوة الحالية لحزب الله
تعزيز "يونيفيل"
وفي جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الإيطالي في 17 أكتوبر الحالي، قال كروسيتو إنه "ينبغي تعزيز قوات يونيفيل ومنح مزيد من المصداقية للقوات المسلحة اللبنانية (وهو ما طلبنا مساعدة إسرائيل فيه)، كما أننا بحاجة لقواعد اشتباك جديدة تلقى احتراماً واجباً من الجميع". وشدّد على "ضرورة وجود تدخل حاسم وسريع للأمم المتحدة من شأنه تمكين يونيفيل من ممارسة ردع حقيقي لاستخدام القوة، وذلك من خلال عدة خيارات عملياتية: على سبيل المثال: وجود قوة احتياطية يمكن نشرها بسرعة في جنوب لبنان وتزويدها بالمعدات والتجهيزات الملائمة للأجواء التي تعمل فيها، وبهذه الطريقة نضمن قدرة الوحدات على المناورة بحرية تامة".
وفي سياق متصل، اعتبر وزير الخارجية أنطونيو تاياني، أول من أمس الأحد، قبل يوم من زيارته إسرائيل وفلسطين، أن "ثمة إمكانية أن تشعر إسرائيل بالرضا، بعد أن انتصرت عسكرياً عبر تصفية العقل المدبر لمذبحة السابع من أكتوبر ولحركة حماس (المقصود يحيى السنوار)، وأن تتطلع باستعداد أكبر لوقف إطلاق النار في غزة، في مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا بقبضة الإرهابيين". وتابع تاياني، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إل جورنالي" الإيطالية: "مصرون على ذلك مع إسرائيل ومع لبنان الذي نركز على وقف إطلاق النار فيه أيضاً. وأعتقد أن الإسراع بانتخاب رئيس جديد للبنان أمر حيوي في سبيل التوصل لاتفاق مع إسرائيل".
وشدّد تاياني على "ضرورة تعزيز اليونيفيل والعمل على الفور على ما يمكن أن نطلق عليه (يونيفيل 3) وتغيير قواعد الاشتباك من أجل إعطاء مزيد من القدرات للتدخل من خلال الاتفاق بين الأطراف المعنية"، معرباً عن اعتقاده أن "الحل من أجل ضمان الاستقرار يجب أن يتمثل في إنشاء منطقة عازلة تحت إشراف يونيفيل بين حدود إسرائيل وحتى نهر الليطاني نحو الشمال، على أن يتمركز الجيش اللبناني من نهر الليطاني وأن يتموضع حزب الله إلى الشمال أكثر".
وأوضح تاياني أنه يقصد "إنشاء منطقة عازلة مزدوجة بمشاركة يونيفيل والجيش اللبناني ومن ثم حزب الله. وهذا أيضاً من أجل منح الدولة اللبنانية نفوذاً على أراضيها، انطلاقاً من إيماننا أن تعزيز دور وقدرات القوات المسلحة اللبنانية أمر حاسم"، مضيفاً أنّ "المقترح يتعين بحثه وقبوله من قبل جميع الأطراف المعنية. كما ينبغي أيضاً العمل على تحديد خط حدودي بري بدقة بين إسرائيل ولبنان يحظى باعتراف الجميع، على غرار ما حدث بالنسبة لترسيم الحدود البحرية بفضل الوساطة الأميركية". وأكد "أهمية دول مثل السعودية وقطر والإمارات وقطر ومصر والأردن بما هي عناصر لإقرار السلام في المنطقة"، مكرراً اقتراحه بتشكيل قوة دولية بقيادة دول عربية من أجل توحيد فلسطين.
وعن ذلك، قال كبير مستشاري مركز "ميد-أور" للأبحاث التابع لمجموعة "ليوناردو" الإيطالية لصناعات الدفاع دانييلي روفينيتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التصعيد والتمدد السريع للصراع على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية يجعلانها البقعة الأكثر سخونة في الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية وأننا في حالة ترقب للرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني". وتابع روفينيتي أن "إنشاء منطقة عازلة خالية من الصراعات، في ظل هذه الأوضاع، هو الحل الأمثل أيضاً من منطلق أن مهمة يونيفيل قائمة على هذا الأساس". واستدرك أنه "على الرغم من ذلك، فإننا لا نستطيع تجاهل أن قوة يونيفيل قد فشلت في الواقع في حماية تلك المنطقة العازلة، ومن ثم أتاحت لحزب الله التسلل إليها وتقريب أسلحته من إسرائيل". وأعرب عن اعتقاده أنّ "عدم سحب يونيفيل خيار صحيح بالتأكيد، مع ضرورة تعزيزها. ومن الممكن تحقيق ذلك، على سبيل المثال، من خلال تعديل قواعد الاشتباك لتكون قوات حفظ السلام أكثر تأثيراً وفعالية"، مشيراً إلى أنه "من أجل إنشاء تلك المنطقة العازلة بكفاءة، فإن الحاجة تستدعي إقامة حوار والتفاوض مع إسرائيل، التي حولت هذه الأراضي إلى منطقة حرب".
وأضاف "ما إن نتوصل إلى إطار دبلوماسي وقوات عسكرية منظمة، فإنه يمكن استخدام الآلية ذاتها في مقدمة أو سابقة لتحرك مماثل في قطاع غزة". وقال روفينيتي: "لا أريد، في هذا المقام، أن أمزج بين الملفات التي يرتبط كل منها بتعقيدات مختلفة، إلا أن أي شكل من أشكال الاستقرار يجب أن يمر بالتأكيد من وقف إطلاق النار. وفي هذه الحالة الثانية (غزة)، لا شك في أن إنشاء قوة دولية بدعم ورعاية الدول العربية هو حل ممتاز، بالنظر أيضاً إلى وجود أجواء من عدم الثقة حيال الغرب". وختم بقوله "يلزمنا أيضاً أن تكون لهذه الدول مصلحة في الارتقاء بمكانتها الدولية. ولكن هل هي على استعداد لعمل ذلك؟".
دانييلي روفينيتي: يونيفيل فشلت في حماية المنطقة العازلة وأتاحت لحزب الله التسلل إليها وتقريب أسلحته من إسرائيل
نهر الليطاني مجدداً
بدوره، ذكر رئيس مكتب الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية (Cesi) جوزيبي دينتيتشه أن "وزير الخارجية أنطونيو تاياني عبر عن الموقف الرسمي للحكومة الإيطالية، أي رسوخ قيمة وأهمية قوة يونيفيل في لبنان، مركزاً على تعزيزها". وتابع دينتيتشه، في حديث لـ"العربي الجديد": "لن نكون، في هذه الحالة على وجه الخصوص، بصدد قوة يونيفيل 3، بقدر ما هو تحديث لمهمة قوات حفظ السلام الأممية العاملة في جنوب لبنان". واعتبر أن "المطلوب في الواقع هو أن تتوفر لقوات حفظ السلام القدرة على العمل لصالح المهمة التي جاءت من أجلها، وقبل كل شيء رفع درجة سيادة الحكومة اللبنانية. بعبارة أخرى، أن تتصرف القوة الأممية، بين نهر الليطاني والخط الأزرق، بإسناد من الجيش اللبناني في البقعة التي من المفترض أن تكون منطقة عازلة". وأوضح أنه "من أجل إتاحة هذا الانتقال، من الضروري تعزيز قدرات الجيش اللبناني التي هي أدنى للغاية من قدرات حزب الله، بما يُضعف القوة الحالية لحزب الله، ويكون في الوقت ذاته قادراً على صدها فيما وراء نهر الليطاني وفقاً للقرار رقم 1701 (الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006)".
ورأى دينتيتشه أن "من الضروري أيضاً، عند تنفيذ ذلك، توافر إسناد قوي ومقنع لجميع اللاعبين، بمن فيهم إسرائيل وحزب الله اللذان سيتوجب عليهما قبول واحترام قرار الأمم المتحدة وضمان قيام قوات الفصل الدولية (في المنطقة العازلة) بعملها ومهمتها، وفي الوقت ذاته العمل على التوصل لاعتراف كامل بحدود برية مشتركة من شأنها ضمان الشرعية الدولية". وختم بقوله إن "النموذج الذي من الممكن أن يحتذى، في هذا السياق، من الممكن أن يكون أيضاً هو اتفاق ترسيم الحدود البحرية - الطاقوية عام 2022، عندما سمحت الولايات المتحدة لخصمين تاريخيين (لبنان وإسرائيل) بالاعتراف المتبادل بشكل ضمني للمرة الأولى، وضمان تحقيق حد أدنى من الاستقرار في هذه الرقعة الاستراتيجية للبحر المتوسط".