صمت سياسي وغياب للأحزاب عن نقاشات البرلمان في الجزائر

صمت سياسي وغياب للأحزاب عن نقاشات البرلمان في الجزائر

06 ابريل 2023
البرلمان يناقش حزمة قوانين سياسية واقتصادية حساسة(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

في مشهد لافت غابت الأحزاب السياسية في الجزائر عن المناقشات التي تجرى خلف أبواب البرلمان، أخيراً، على الرغم من أنها تبحث حزمة قوانين حيوية وحساسة بالنسبة للمسائل السياسية والاقتصادية، والتي كانت تستدعي نقاشات سياسية بشأنها.

وبشكل أثارت تساؤلات المراقبين اختارت القوى السياسية في الجزائر الانكفاء، وغيبت نفسها عن النشاط أو المساهمة في نقاش يخص القضايا السياسية والاجتماعية المطروحة في البلاد.

وخفت حضور الأحزاب سياسياً أكثر منذ بداية شهر رمضان، فعدا عدد قليل منها فرضت عليها ظروف تنظيمية تتعلق بعقد مؤتمراتها العامة، الاستمرار في حركية داخلية.

وبات المشهد السياسي الجزائري فقيراً، بحسب مطلعين، وسيطرت عليه الأنشطة الحكومية، مقارنة ببعض القضايا الطارئة اجتماعياً كارتفاع أسعار السلع، وكذا بحجم القوانين المطروحة للتصويت في البرلمان، خاصة تلك التي لديها صلة بالمسألة الديمقراطية، كقانون الإعلام، والقانون المنظم للنشاط النقابي، وقانون الصرف والنقد والقانون المنظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان.

وعلى الرغم من أهمية هذه القوانين وتأثيراتها المباشرة على تنظيم النشاط السياسي والنقابي والحياة المدنية في البلاد، وحساسية بعضها اقتصادياً كقانون الصرف والنقد، إلا أن هذه المسودات لم تجد لها مساحة للنقاش المستفيض وإبداء المواقف بشأنها من قبل الأحزاب السياسية، ولم تأخذ حقها من الفحص والإثراء، مقارنة بالعقود السابقة التي كان فيها الصخب السياسي يبلغ أوجه عند مناقشة هذا النوع من القوانين.

وتحاول الكتل النيابية في البرلمان تعويض هذا الغياب السياسي للأحزاب، عبر تنشيط أيام برلمانية وندوات حول القوانين التي طرحتها الحكومة للنقاش، حيث كانت عدة كتل قد نظمت لقاءات لمناقشة قوانين الإعلام ككتلة حركة مجتمع السلم، والنقابات ككتلة حركة البناء الوطني.

ودخل حزب جبهة التحرير الوطني في فترة ركود سياسي لافت، ولم يعد الحزب الذي يحوز على أكبر كتلة نيابية في البرلمان، منشغلاً بالقدر اللازم بالقضايا السياسية والمجتمعية الراهنة، وأثر الوضع والصراع الداخلي في الحزب الذي يستعد لعقد مؤتمره العام، وغموض موقف السلطات من الترخيص للقيادة الحالية للحزب بعقده.

كما لم يظهر الأمين العام للحزب أبو الفضل بعجي في المشهد منذ مدة، وينطبق الوضع نفسه على التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتوقع أن ينكمش نشاطه أكثر بعد تولي الأمين العام للحزب الطيب زيتوني منصب وزير التجارة في التعديل الحكومي الأخير منتصف الشهر المنصرم.

وانضمت أحزاب أخرى عضوة في الحزام الحكومي، على غرار صوت الشعب، وجبهة المستقبل التي غاب رئيسها عبد العزيز بلعيد منذ أشهر عن الظهور، إلى لائحة الأحزاب الصامتة.

في حين، بقيت جبهة القوى الاشتراكية التي عقدت مؤتمرها العام قبل شهرين، منشغلة بشكل خاص في إعادة ترتيب بيتها الداخلي بعد المؤتمر، وتعيين القيادة الجديدة، حافظ حزبان فقط على الحضور السياسي في المشهد، وهما حركة مجتمع السلم التي تحاول قيادتها الجديدة المنتخبة في المؤتمر العام منتصف الشهر الماضي، تقديم نفسها للجمهور السياسي عبر حوارات صحافية وتنظيم سلسلة لقاءات ولائية، وحركة البناء الوطني إضافة إلى حزب العمال الذي يحافظ على نسق تفاعل أسبوعي مع الأحداث، حيث يعقد الحزب لقاءات وتعقد أمينته العامة لويزة حنون ندوة صحافية بشكل مستمر للتعبير عن كل القضايا خاصة السياسية وتلك المرتبطة بالسياسات الاقتصادية للحكومة.

وحركت لقاءات سياسية جمعت قبل أيام بين قيادات أحزاب كتلة البديل الديمقراطي، حزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والاتحاد من أجل التغيير والرقي، ركود الساحة، خاصة مع الحديث عن مبادرة سياسية مرتقبة بين هذه الأحزاب.

ويحمل سياسيون السلطة مسؤولية التصحر السياسي الحاصل في البلاد، نتيجة ما يعتبرونه إغلاق السلطة لمنابر النقاش. وفي الشأن، قال القيادي في حزب العمال جلول جودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "غياب الأحزاب السياسية عن النشاط بالقدر الذي تتطلبه أوضاع البلاد، لا يرتبط بالأحزاب نفسها، ولكن المشكل يكمن في السلطة نفسها التي لا تريد أن تلعب الأحزاب في الجزائري، دورها السياسي والتنظيمي وفي تأطير المجتمع، وأغلقت كل وسائل الاعلام ومنابر النقاش السياسي الفعال".

ولفت إلى أن "هذا الوضع لا يخص قوى المعارضة وحدها فقط، بل يشكل حتى أحزاب السلطة نفسها".

لكن تفسيرات أخرى تعتبر أن تحميل السلطة وحدها مسؤولية الفراغ السياسي الحاصل في الجزائر، لا يستقيم مع الواقع. وقال المحلل السياسي أقاسم حجاج في تصريح لـ"العربى الجديد"، إن "الأحزاب السياسية تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب استسلامها للمناخ والقواعد التي فرضتها السلطة، وإذا كان صمت أحزاب الموالاة مفهوما لكونها لا تشوش على الحكومة والسلطة، فإن أحزاب المعارضة دورها الأساسي هو كسر هذه القواعد وتفعيل النقاش حول القضايا الوطنية والقوانين وكل ما يهم المجتمع".
واعتبر أن "حالة الارتخاء الحاصلة لدى الأحزاب تبقى وضعاً غير طبيعي وغير مطمئن وظاهرة غير صحية لا تنسجم مع الحركية التي تشهدها عملية إعادة تنظيم المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية التي تباشرها السلطة منذ فترة".