صمت حكومة الدبيبة حيال قضية المريمي يزيد الشكوك حول علاقتها بتسليمه لأميركا

14 ديسمبر 2022
لا تزال حكومة الدبيبة تلتزم الصمت حيال مصير وظروف وصول المريمي للولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

لا تزال حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تلتزم الصمت التام حيال مصير المواطن الليبي، أبوعجيلة المريمي، وظروف وصوله لواشنطن التي أعلنت عن وجوده في قبضتها، على الرغم من المطالبات المحلية للحكومة بضرورة توضيح ملابسات ما حدث.

وبعدما أعلنت السلطات الأميركية، الأحد، عن وجود المريمي رهن الاحتجاز في أراضيها، أعلنت وزارة العدل الأميركية عن بدء محاكمته على خلفية توجيهها اتهامات له في ديسمبر/كانون الأول 2020 باحتمال تورطه في تفجير طائرة "بان آم" فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية، مستندة إلى تقارير تشير إلى مسؤوليته عن صناعة القنبلة المستخدمة في إسقاط الطائرة.

وفيما لم تفصح السلطات الأميركية عن كيفية احتجاز المريمي وظروف وصوله إلى أراضيها، توجه عدد من الجهات المحلية الليبية إلى مطالبة حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس بضرورة الكشف عن ملابسات وصول المريمي إلى الأراضي الأميركية.

المجلس الأعلى للدولة يتهم الحكومة بتسليم المريمي

واتهم المجلس الأعلى للدولة الحكومة بتسليم المريمي بشكل "مجحف ومخجل"، وحملها "المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية الناجمة" عن ذلك. 

واشترك المجلس الأعلى للدولة، في بيانه أمس الثلاثاء، مع 80 نائباً بمجلس النواب أصدروا بياناً الإثنين الماضي في رفض إعادة فتح قضية لوكربي، باعتبار أنها أقفلت بناء على اتفاقات سابقة بين الجانبين الليبي والأميركي، وكذلك اتفق بيان المجلسين في مطالبة النائب العام بضرورة فتح تحقيق للكشف عن ملابسات قضية المريمي، والجهة المسؤولة عن تسليمه لــ"دولة أجنبية".

وحيال كل ذلك اكتفت الحكومة في طرابلس بالتزام الصمت التام، وعدم إصدار أي بيان يوضح ملابسات القضية وإنهاء حالة الجدل القائمة حولها، كما لم يتلق "العربي الجديد" أي رد من جانب مسؤولي الحكومة الذين تواصل معهم للحصول على تعليق على الحادثة.

وبدأت قضية المريمي في الظهور منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ تداولت وسائل إعلام ليبية ودولية آنذاك أنباء عن اختفائه في ظروف غامضة من مقر سكنه في طرابلس، وسط احتمالات بتسليمه من قبل سلطات حكومة الوحدة الوطنية للولايات المتحدة الأميركية، واكتفت الحكومة وقتها ببيان لوزارة العدل بها أكد أن ملف قضية لوكربي قد "أقفل بالكامل من الناحيتين السياسية والقانونية"، وأنه لا يمكن إثارته من جديد ولا يمكن العودة إليه.

لكن العديد من الظروف التي أحاطت بظروف اختفاء المريمي حدت بالعديد من الأطراف الليبية إلى اتهام الحكومة في طرابلس بمسؤوليتها عن مصيره وإمكانية وقوفها وراء مساعٍ لتسليمه للولايات المتحدة الأميركية، ومنها تصريحات لوزيرة الخارجية بالحكومة، نجلاء المنقوش، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لشبكة "بي بي سي" البريطانية، التي أبدت فيها استعداد حكومتها للتعاون في ملف القضية، وتحدثت عن إمكانية تسليم مشتبه به مطلوب من قبل الولايات المتحدة، وقالت إن حكومتها "منفتحة تماماً على التعاون مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتسليم المطلوبين".

خبير قانوني: المريمي في حكم "المختطف"

وفي متابعته للحدث يرى الخبير القانوني الليبي، مجدي الشبعاني، أن قضية المريمي لا تزال "غامضة" مع التزام حكومة طرابلس الصمت، وهي الحكومة التي كان المريمي خاضعاً لنفوذها وحمايتها. 

وبحسب ما قاله الشبعاني لـ"العربي الجديد"، فإن المريمي من الزاوية القانونية يعد في حكم "المختطف" داخل الولايات المتحدة، مستندًا في ذلك إلى ما أشيع بأنه اختطف من منزله وسط طرابلس، وأيضاً لعدم وجود إعلان بين السلطات المعنية كوزارة العدل ومكتب النائب العام بأمر تسليمه أو حتى علمهم بذلك، فضلا عن تأكيد وزارة العدل أن ملف لوكربي قد أقفل من الناحيتين السياسية والقانونية.

ويستند الشبعاني أيضاً إلى أن التشريعات الليبية وقانون الإجراءات الجنائية الليبية "تمنع مثول الليبيين للمحاكمة في دولة غير ليبيا"، مؤكدا أن تلك التشريعات تمنع "تسليم المتهمين لدولة أخرى إلا في حال وجود اتفاقيات ثنائية بين البلدين المعنيين"، مشيراً إلى عدم توقيع ليبيا أي اتفاقيات مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص. 

وحتى الاتفاق الذي سلمت ليبيا بموجبه متهمين سابقين في القضية أوضح الشبعاني لـ"العربي الجديد"، أنه تم بموجب اتفاقات ليبية وقعت مع الأمم المتحدة ضمن ملف لوكربي "وسلم فيها المشتبه فيهم لدولة ثالثة محايدة"، وهي هولندا.

وقال إن الإجراء الصحيح في مثل هذه القضايا يأتي بعد تقديم شكوى وفق الأعراف الدبلوماسية للدولة التي ينتمي إليها المشتبه به وهي التي تقبض عليه ويمثل أمام محاكمها.

وفيما أعرب الشبعاني عن رفضه للطريقة التي وصل بها المريمي للأراضي الأميركية، رجح ثلاث احتمالات، أولها إمكانية أن تكون إحدى الجهات سلمته دون علم السلطات الليبية، والثاني اختطافه من قبل الولايات المتحدة الأميركية بتواطؤ ليبيين أيضا دون علم السلطات، وفي ثالث الاحتمالات، افترض الشبعاني وجود صفقة سياسية سُلم المريمي بموجبها.

ويؤكد الشبعاني شرعية كل الاحتمالات الثلاثة وقانونيتها، إلا أنه يتساءل حول الاحتمال الثالث ومدى تخويل حكومة الوحدة الوطنية بعقد مثل هذه الصفقات، خاصة وأنها حكومة بحسب خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي من أجل مهام معينة تخص الانتخابات ولا تتعداها لملفات كهذه، كما لا يخولها نص خريطة الطريق عقد اتفاقيات يترتب عليها أي التزامات مالية على الدولة، محذرا من أن هذا الأمر قد "يفتح أبواباً يصعب سدها، كملف الأموال المجمدة والتعويضات، معقبا: "قد يقول الأميركيون إن الجريمة أكثر شناعة، ونجد أنفسنا أمام حكم قضائي بزيادة التعويضات المدفوعة سابقا".

صراع السلطة

وحول تسييس قضية المريمي يلفت المحلل السياسي، يوسف البخبخي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن كل القضايا في المشهد الليبي سياسية، ويقاربها فرقاء الأزمة في البلاد في سياق الصراع على السلطة، وبسبب ذلك فهو يرى أن تفاصيل القضايا الليبية "فقدت دلالتها الوطنية وسياقها القانوني، وقضية المريمي هي بعض هذه القضايا". 

ولا يعتقد البخبخي أن الولايات المتحدة بوارد عقد صفقة مع حكومة طرابلس، إذ إن موقفها من هذه الحكومة اتسم بالثبات والوضوح، كما أنها حكومة الانتخابات طبقا لخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي ولا ضرورة تستدعي تغييرها، بحسب قوله.

ووفق البخبخي، فإن "صمت الحكومة إزاء تسليم المريمي، سيزيد من حجم الشكوك حول دورها، أو في الحد الأدنى موافقتها على عملية التسليم، الأمر الذي يستدعي من الحكومة مواجهة حالة الارتياب التي تطاولها بهذا الخصوص وأن تضع النقاط على الحروف".

ومع نفيه سيناريو وجود صفقة بين حكومة الوحدة الوطنية والسلطات الأميركية، تطرق البخبخي لحالة الحصار السياسي التي تعيشها الحكومة من قبل مجلس النواب، ثم مجلس الدولة. 

وعلق على ذلك قائلاً: "حكومة في ظل هكذا ضغوط من السهل أن تستجيب ربما لمطالب أميركية درءا لأي غضب دولي قد يزيد من حجم الضغوطات عليها ويفاقم صعوباتها، وليس بالضرورة دعْم بقائها، فالموقف الأميركي حيال الحكومة شديد الوضوح، وخصوم الدبيبة التقطوا حالة الصمت هذه من قبل الحكومة وما أثارته من شكوك ليصعدوا من صراعهم مع الحكومة والتظاهر بحرصهم على القانون وادعاء وطنية الموقف ومن ثم تعبئة الرأي العام في هذا الاتجاه".

النائب العام يؤكد فتح تحقيق في قضية تسليم المريمي

وفي وقت لاحق، أعلن مكتب النائب العام في ليبيا، اليوم الأربعاء، مباشرة التحقيق في قضية تسليم المريمي للولايات المتحدة. 

ونقلت وكالة الأنباء الليبية (وال) عن النائب العام، الصديق الصور، قوله: "لقد باشرنا التحقيق في الشكوى المعروضة علينا من ذوي المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود بأن تسليمه جرى بدون إجراءات قضائية". وأكد الصور أن "الأمر محل تحقيق، وسنعلن عن نتائج التحقيق في حينه".

المساهمون