يسير الملف الليبي في دوامة من الغموض المحاط باحتمالات ومآلات كثيرة، إذ تشهد ليبيا هذه الأيام صراعا مكتوما بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.
ولا يزال مصير العملية الانتخابية مجهولا، في ظل عدم توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على قاعدة دستورية توافقية تنظمها، خصوصا مع تراجع الحديث بشكل كلي عن إمكانية تجديد اللقاء بين رئيسي المجلسين، عقيلة صالح وخالد المشري، وتوقف جولات اللجنة الدستورية المشتركة بين المجلسين عند فشلها في التوافق على صيغة نهائية للإطار الدستوري، في جولات القاهرة التي جرت في يونيو/حزيران الماضي.
وبدأ باشاغا في حشد مؤيدين له، منذ تحوله من مدينة سرت، مقر حكومته المؤقت، إلى مصراته، في العشرين من يوليو/تموز الماضي، ونجح إلى حد ما في فرض ما يشبه الطوق حول طرابلس، وتنطلق نقطة ارتكازه من مدينة الزاوية، المحاذية لطرابلس غربا، التي ظهرت فيها فئات اجتماعية وسياسية مؤيدة لها. ويبدو أن انتماء وزير الداخلية في الحكومة، عصام أبو زريبة، يلعب دورا في هذا التحشيد.
وفي الجبل الغربي، توجد أكبر القوى العسكرية، بقيادة آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي، الموالي لباشاغا، والذي يمتلك تمركزات عسكرية مهمة جنوب العاصمة.
وأكمل باشاغا طوق العاصمة باستمالة الكتيبة 55، أكبر قوة في منطقة ورشفانة، جنوب غرب طرابلس، والتي يقودها معمر الضاوي المقرب من جويلي.
وفي مصراتة، مسقط رأس باشاغا والدبيبة أيضا، نظمت قوة عسكرية موالية لباشاغا، الأربعاء الماضي، استعراضا عسكريا، بمناسبة الذكرى 82 لتأسيس الجيش الليبي.
ورغم هذا الطوق والتضييق، إلا أنه لم يحدث صدام كبير بين الطرفين، إذ لا تزال القوة العسكرية الأكبر داخل طرابلس موالية للدبيبة التي نظمت بالتزامن مع استعراض قوات باشاغا في مصراته، استعراضا عسكريا في ميدان الشهداء، واتخذت هي الأخرى مسمى جامعا لها وهو "قوة دعم الدستور".
ولا تتوقف قوة الدبيبة عسكريا فقط، بل أيضا بسبب سيطرته على المؤسسات السيادية في العاصمة، وفي مقدمتها مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط التي قام بتغيير مجلس إدارتها، هذا بالإضافة لديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد.
في غضون ذلك، دعت رئاسة مجلس النواب أعضاء المجلس إلى جلسة رسمية يوم الإثنين المقبل بمقر المجلس في مدينة طبرق شرق البلاد، من دون أن توضح جدول أعمال الجلسة.
وتعد الدعوة للجلسة القادمة هي الأولى بعد إقدام عدد من المحتجين في مدينة طبرق على حرق مقر مجلس النواب، مطلع يوليو/تموز الماضي، ضمن احتجاجات شهدتها معظم المدن الليبية على سوء الخدمات المعيشية، وللمطالبة برحيل جميع الأجسام السياسية من السلطة.
الصراع قابل للاشتعال مجددا
ويعد الصراع المكتوم قابلا للاشتعال مجددا، على الصعيدين السياسي والعسكري، وفقا لرأي الصحافي والباحث السياسي سالم الورفلي، الذي يرجح أن تكون الجلسة التي دعا إليها مجلس النواب موضوعا لإعادة ملف المناصب السيادية للواجهة مجددا، بسبب الخلافات حول تحديد شاغليها منذ سنوات.
ويرى الورفلي أن "الخلافات الكبيرة ستعود بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إذا أقدم عقيلة صالح على تسمية شاغلي عدد من المناصب السيادية".
ويعبر الورفلي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، عن مخاوفه من تأثير عودة الخلاف بين المجلسين على المسار الدستوري، وانسداد الطريق أمام إمكانية عودة المجلسين لمناقشته إذا انتقل الخلاف إلى المؤسسات السيادية.
وكان صالح قد أثار ملف المناصب السيادية، في تصريحات نهاية يوليو الماضي، وطالب مجلس الدولة بسرعة البت في 13 اسما رشحهم عقيلة لكل منصب، مشددا على ضرورة أن يختار منهم مجلس الدولة ثلاثة أسماء، تمهيدا لتصويت النواب عليهم، وقال "نعتزم تسمية المناصب السيادية بشكل أحادي، في حال عدم وصول أي رد من مجلس الدولة".
ومما يزيد من توقعات اشتعال المشهد، التصريحات والتصريحات المضادة الصادرة عن الدبيبة وباشاغا، فقد وجّه باشاغا، في كلمة متلفزة ليل يوم الثلاثاء الماضي، سلسلة من الاتهامات إلى الدبيبة، وحمّله "المسؤولية الوطنية والأخلاقية والشرعية عن كل قطرة دم تسفك بسبب إصراره على الحكم بالقوة وبلا شرعية" وفق تعبيره.
وبدوره، قال الدبيبة، في كلمة له الأربعاء الماضي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش، مخاطبا مؤيديه "نحن على ثقة بأنكم لن تتسببوا في حروب جديدة تدمر البلد، وأدعو من يلوّح بالحرب أن يتعلم من تجارب الماضي".
ويضيف الورفلي "أعتقد أن استشعار عقيلة صالح وحليفه باشاغا بالهزيمة وعدم قدرتهما على إقصاء الدبيبة دفع بهما لاستغلال حالة الالتهاء الدولي بصراعات أكبر من الملف الليبي لصالحهما والتحرك ضد الدبيبة لحسم الموقف"، مشيرا إلى ضعف موقع الدبيبة في طرابلس والغرب الليبي بسبب تزايد أنصار باشاغا، سياسيا وعسكريا.
ويؤكد المحلل السياسي أشرف قدورة أن حالة الجمود والمراوحة الحالية ستستمر إلى حين اتضاح المواقف الدولية والإقليمية الجديدة، وعلى رأسها تعيين مبعوث أممي جديد للملف الليبي.
وحول قراءته للواقع الحالي في الداخل، قال قدورة متحدثا لـ"العربي الجديد": "إذا كانت لدى باشاغا قدرة عسكرية على حسم الموقف، فما الداعي لذهاب عقيلة صالح للعمل على سحب البساط من تحت أقدام الدبيبة من خلال تعيين شاغلي جدد للمناصب السيادية، يبدو الأمران متناقضين".
وأضاف "الحسم العسكري بسبب التوازنات أمر صعب، وإثارة ملف المناصب السيادية يعني أن المجلس الأعلى للدولة سيتقارب مع الدبيبة ضد مجلس النواب وباشاغا، وتعود بذلك حالة الاصطفافات الأولى، إذ أن استمرار حالة الجمود حاليا وأكثر السيناريوهات بعد الجمود هو عودة الخلافات السياسية فقط".