استمع إلى الملخص
- فان جونز يشبه الكوفية الفلسطينية بعلم الكونفدرالية، مما يسلط الضوء على استخدام الرموز الثقافية في الصراع السياسي ويعزز خطابًا سامًا ضد القضية الفلسطينية.
- ازدياد مبيعات الكوفية والملابس الفلسطينية في الولايات المتحدة يعكس تضامنًا متزايدًا مع فلسطين، خاصة بين الشباب الأميركي، ويشير إلى تغير في الوعي العام وتحدي للخطابات المشوهة للقضية.
في يناير/كانون الثاني 2022، أي قبل أكثر من عام ونصف العام على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في قطاع غزة وغلافه، هاجمت قناة فوكس نيوز الأميركية اليمينية، عارضة الأزياء الأميركية الفلسطينية بيلا حديد، لارتدائها قلادة تحمل اسم فلسطين، واتهمتها بأنها تبث رسائل خفية داعمة للشعب الفلسطيني. لكن الأشهر الأخيرة الماضية، التي أعقبت شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على غزة، أظهرت أنه ليس اليمينيون فقط في الولايات المتحدة هم من يستخدمون هذه اللغة، بل حتى الليبراليون يلجأون إليها لمهاجمة وانتقاد الكوفية الفلسطينية والقلادات التي تحمل اسم فلسطين، كما لمهاجمة المتظاهرين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة.
الكوفية الفلسطينية وتشويه الحقائق
وشبّه المستشار السابق للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فان جونز، في تصريحات له على قناة "سي أن أن"، منذ أيام، الكوفية الفلسطينية بعلم الكونفدرالية الذي يرمز إلى العنصرية والاعتداء في أميركا. وقال: "إذا ظهرت وأنت ترتدي الكوفية وقناع الوجه في حي يهودي وأنت تهتف من النهر إلى البحر، فإن هذا يشبه شخصاً أبيض يركض حاملاً علم الكونفدرالية في منطقة هارلم (تقع في مدينة نيويورك)، أنت تحاول بدء القتال".
يحاول الإعلام الأميركي أيضاً تشويه شعار "من النهر إلى البحر"
جاءت تصريحات جونز تعليقاً على مناوشات أمام كنيس يهودي في لوس أنجليس (كاليفورنيا) يعرض في مزاد منازل الفلسطينيين المسروقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد تظاهر الآلاف من الناشطين، ضد البيع. واستضافت "سي أن أن" محلّلين، وجّهوا انتقادات حادة إلى المتظاهرين المعترضين على تسهيل بيع أراض مسروقة، فيما لم يناقش أحد مدى انتهاك بيع الأراضي الفلسطينية بعد سرقتها، لقوانين مكافحة التمييز المحلية والقانون الدولي.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها مسؤول سابق في إدارة أوباما، الكوفية الفلسطينية، حيث وصف المساعد الخاص السابق لأوباما، جوناثان غرينبلات (والذي يترأس حالياً مجموعة مناصرة لإسرائيل تطلق على نفسها اسم "رابطة مكافحة التشهير") ارتداء الكوفية الفلسطينية بأنه يماثل رسم صليب معقوف نازي على اليد، وذلك في برنامج "غودمورنينغ جو"، على قناة "أم أس أن بي سي"، من دون أن يتطرق أحد من مقدمي البرنامج إلى خطأ المقارنة وتأثيرها. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تداول مستخدمون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيديو بث مباشر، لإيف غاربر، زوجة البروفسور في جامعة هارفارد، المستشار السابق في إدارة أوباما، جايسون فورمان، تصف فيه ارتداء طالبة للكوفية بأنه وشاح إرهابي.
ADL’s Jonathan Greenblatt compares wearing a Palestinian keffiyeh to wearing a swastika on their arm. He should be removed from his influential role. This is anti Arab at every level. https://t.co/a4jn1tBFp8
— Zain Habboo 🪬 (@zainyh) April 2, 2024
وكانت ولاية فيرمونت قد شهدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هجوماً على ثلاثة طلاب بالرصاص لمجرد ارتدائهم الكوفية، ما أدى إلى إصابة أحدهم بالشلل، كما تمّ القبض في ولاية نيويورك على سيدة قامت بإلقاء القهوة على شخص كان يرتدي الكوفية ومهاجمته. وفي السابع من مايو/أيار الماضي، جرى اعتقال شخص حاول دهس متظاهرين من أجل فلسطين يرتدون كوفيات، ويرفعون شعارات مؤيدة لفلسطين في ولاية نيويورك. ورغم ذلك، فإن مبيعات الكوفية الفلسطينية والملابس الفلسطينية، ازدادت بشكل كبير في الولايات المتحدة، بحسب ما أفاد موزعون، رغم تأكيد البعض ممن يرتدون الوشاح أنهم يتعرضون للأذى النفسي واللفظي.
وعلى مدار السنوات الماضية، تهاجم الصحافة والقنوات الأميركية اليمينية الكوفية والأزياء الفلسطينية، ولكن عقب 7 أكتوبر الماضي ارتفعت حدة الهجوم، وطالبت صحيفة نيويورك بوست في 13 يونيو/حزيران الماضي، بضرورة حظر ارتداء الأقنعة، مبررة ذلك "بسبب هؤلاء الحمقى المعادين للسامية". ووصفت الصحيفة استخدام المتظاهرين السلميين من أجل فلسطين، القناع، بأنه نفس أسلوب "كو كلوكس كلان" (جماعة عنصرية متطرفة برزت بعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة)، رغم أن هذه الحركة كانت تؤمن بتفوق اللون الأبيض وتمارس العنصرية والعنف والقتل وصلب الأميركيين الأفارقة، بالإضافة إلى معاداتها للسامية.
ولا يقتصر الأمر على الصحافة والتلفزيون، وإنما امتد إلى السينما، حيث قدمت منصة نتفليكس فيلم "تريغر وارنينغ" Trigger Warning الذي بدأ عرضه منذ أيام قليلة، والذي يظهر عرباً على أنهم إرهابيون يرتدون الكوفية ويهاجمون أميركيين في شاحنة مساعدات في سورية، وهو ما دفع الكثيرين للمطالبة بمقاطعة المنصة. وانتشرت الكوفية طوال الأشهر الماضية في التظاهرات التي خرجت في أنحاء الولايات المتحدة دعماً لغزة، وكذلك خلال حراك طلّاب الجامعات الأميركية، وذلك جنباً إلى جنب مع العلم الأميركي والقلادات على شكل خريطة فلسطين، بالإضافة إلى الملابس الفلسطينية التقليدية التي انتشرت بكثرة.
خطاب سامّ وتشويه متعمد
وتعليقاً على هذه الحالة، رأى الأستاذ المشارك في كلية الإعلام والشؤون العامة بجامعة جورج واشنطن، البروفيسور وليام يومانز، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن تشبيه الكوفية بشكل ساخر ومكروه في الولايات المتحدة، له علاقة بالخطاب السامّ للغاية داخل البلاد تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، مضيفاً أن هناك محاولة متعمدة لتشويه الكوفية وتصويرها على أنها رمز للكراهية، مثلما يحاول الإعلام تشويه شعار "من النهر إلى البحر"، رغم أن كليهما رمز من أجل الحرية.
وقال يومانز: "هناك الكثير من السياسيين ووسائل الإعلام الذين يزعمون أن هناك معاداة للسامية في الحرم الجامعي، وأن هناك مناخاً من الكراهية ضد اليهود بسبب التظاهر من أجل فلسطين، والرئيس السابق دونالد ترامب قال خلال المناظرة مع الرئيس جو بايدن (الخميس الماضي)، إن هناك ألف مدينة شارلوتسفيل (فرجينيا) في عهد بايدن، مقارناً الحادث الإرهابي العنصري في شارلوتسفيل عام 2017 (حين اندلعت اشتباكات عنيفة بين متظاهرين من اليمين المتطرف ومعارضين لهم وقتل شخص معارض لمسيرة المتطرفين وأصيب آخرون دهساً) في تظاهرات الطلاب من أجل التضامن مع فلسطين".
شبّه المستشار السابق لباراك أوباما، فان جونز، الكوفية الفلسطينية بعلم الكونفدرالية الذي يرمز إلى العنصرية والاعتداء في أميركا
ولكن، برأي الأستاذ الجامعي، فإنه "عندما ننظر فعلياً إلى أعمال العنف التي يتم ارتكابها، سنجد أن هناك الكثير منها موجه بشكل مباشر نحو الفلسطينيين". وأضاف أنه "على سبيل المثال، محاولة سيّدة إغراق طفل فلسطيني ومهاجمة الأم في تكساس، والطفل البالغ من العمر ست سنوات (وديع الفيومي) الذي قُتل في شيكاغو الخريف الماضي، وطلاب الجامعة الذين أصيبوا بالنار في فيرمونت، وأيضا مهاجمة المتظاهرين بالسيارات في كاليفورنيا وأوهايو، والمتظاهرون الذي هاجموا معسكر الطلاب في كاليفورنيا، واستخدام مادة كيميائية للهجوم على الطلاب في جامعة كولومبيا، وفي الوقت ذاته، لا نرى مستوى العنف ذاته موجهاً نحو مؤيدي إسرائيل".
ووصف يومانز تعليق فان جونز بأنه غير مسؤول، وأنه تجاهل تماماً مثل كثير من المعلقين، أن المتظاهرين كانوا مستاءين من عملية بيع الأراضي الفلسطينية المسروقة في مزاد داخل الكنيس، وأنهم لم يكونوا هناك للاحتجاج على الكنيس ذاته. وكشف أن فان جونز نفسه ارتدى الكوفية الفلسطينية في فترة ما من حياته، حيث قال: يجب على شخص مثل فان جونز أن يبرر بشكل أفضل، لأنه اعتاد على وجه التحديد على ارتداء الكوفية وحضور احتجاجات بها، وأتذكر أنني رأيت ذلك بنفسي، هو يعرف ما يحدث، لكنه يقول ذلك لأن هذا جزء مما يعنيه استمراره في مكانه في الإعلام، كما يفعل على قناة سي أن أن". وأضاف أن "هذا النوع من الهراء الذي قاله فان جونز"، على حد تعبيره، "يناسب الرأي العام الأميركي السائد، رغم ما فيه من ظلم، لأنه لا يساعد الناس على فهم أي شيء بشكل أفضل".
وشرح كيف يتم تضليل الوعي العام في الولايات المتحدة، معتبراً أن "ما يحدث هو أن حزب الأشخاص الذين يدعمون الظلم ويدعمون الإبادة الجماعية، أقوى من الأشخاص الذين يدعمون الموقف العادل، لذلك إذا تناولت أي قضية وكان هناك جانب واحد على خطأ وجانب آخر على حق، وإذا كان الجانب المخطئ أكثر قوة ولديه المزيد من المال، فستبدو دائماً وكأنها قضية مربكة، رغم أنه في الواقع، يصبح الأمر أكثر إرباكا، لأنه بعد ذلك يُطلب منا ألا نثق بأعيننا وألا نصدق الأشياء التي نشهدها، ومن ثم يتم خلق المبررات لفعل أشياء فظيعة مثل قتل الأطفال أو مهاجمة النساء بالكلاب".
وبرأي الأستاذ الجامعي، فإن "الأمر يتعلق فقط بمن لديه السلطة والقوة والمال، وهذا أمر مؤسف"، معرباً عن اعتقاده رغم ذلك "بأنه مع الأجيال الشابة التي تتعامل في كل مرة مع هذه القضية بعيون جديدة، فإنها أقل عرضة للخداع من قبل أصحاب السلطة، لكن هذا النوع من الفساد يفيد من هم في السلطة، والنخبة ستفيد النخبة، ولذا فهم الأكثر تحيزاً ضد الحق، في حين أن الشباب ليسوا فاسدين بعد، وقادرون على قول ما يرونه صحيحا".
وأشار يومانز إلى أن هناك أزمة ثقة أكبر تحدث مع المؤسسات التقليدية، سواء وسائل الإعلام أو الحكومة، وأنهم فقدوا مصداقيتهم في أعين الشباب، لأن رسائلهم وطريقتهم في تصوير قضايا مثل فلسطين منفصلة تماماً عما يمكن أن يشاهده الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وقال حول ذلك: "من الصعب أخذ وسائل الإعلام التقليدية حالياً على محمل الجد، لقد دمّروا مصداقيتهم، من خلال تحيّزهم، فنحن لم نعد في الثمانينيات، ويمكن للناس الوصول المباشر للمعلومة دون وساطة"، مضيفاً "أنه في الوقت ذاته، هناك مشكلة كبيرة، وهي أن معظم الناس في الولايات المتحدة لا ينتبهون ولا يعرفون ولا يهتمون".