على الفلسطينيين توحيد صفوفهم لأنهم منقسمون
في مرحلة ما في جنوب أفريقيا لم يأمل أحد أن التغيير ممكن ولكنه حدث
ما نحتاجه حقاً هو تجاوز الكلمات، والمبادرة لشيء لتحقيق السلام
يتطرق السفير السنغالي في نيويورك، رئيس "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف"، شيخ نيانغ، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، إلى عدد من القضايا المتعلقة بعمل اللجنة ومسؤولية المجتمع الدولي، كما المصالحة الفلسطينية وغيرها.
أُسست اللجنة في عام 1975 بموجب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة. وستحيي الجمعية العامة هذه السنة ذكرى مرور 75 عاماً على نكبة فلسطين (15 مايو/أيار الحالي). وعلى الرغم من أن اللجنة، كما بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، سبق أن نظمت فعاليات لإحياء ذكرى النكبة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يأتي ذلك بناء على تفويض من الجمعية العامة.
*دعنا نبدأ من رئاستكم وعمل "لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف". إذا أمكن أن ترصد لنا بدايةً أهمية تأسيس هذه اللجنة وولاياتها؟ وما هي التحديات التي تواجهكم؟
اللجنة عبارة عن هيئة فرعية تابعة للجمعية العامة. ومن مهامنا التأكد أننا قادرون على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتعزيزها، بما فيها الحق في الاستقلال، وحق عودة اللاجئين، وكذلك المساعدة في إحياء عملية التفاوض، وإحياء اللجنة الرباعية (مكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة)، وأنه يمكننا تحقيق حل دائم بين إسرائيل وفلسطين، من أجل أن يكون هناك شرق أوسط ينعم بسلام حقيقي. وهذه هي الأسس لتفويضنا ولدينا معايير واضحة لتطبيق ذلك ونعمل على القيام به.
شيخ نيانغ: ما يولّد الإحباط هو أن لدينا قرارات لم تُنفّذ
في ما يخص التحديات، نحتاج إلى التزام قوي من جميع الفاعلين، الذين يمكنهم أن يلعبوا دوراً ذا مغزى... ما علينا التأكد منه هو أن كل هؤلاء يمكنهم التحرك بالفعل لممارسة الضغط على إسرائيل لقبول قرارات الأمم المتحدة أو الامتثال لها. لكن ما نراه (وما يولّد) الإحباط، هو أن لدينا قرارات لم تُنفّذ. الطريق والحل واضحان جداً. ما نفتقر إليه حقاً هو الانخراط، ولا سيما من قبل إسرائيل. ولكن نحن لا نضغط فقط على إسرائيل، حيث إن الجانب الفلسطيني عليه أن يقوم بدوره.
*من أبسط الأمور المتعلقة بالتنفيذ إذا أخذنا مثلاً مجرد عقد اجتماعات للرباعية، فإن هذه الرباعية لم تلتق منذ مدة طويلة على مستوى وزاري. والسبب وراء ذلك عدم رغبة الولايات المتحدة بعقد هذه الاجتماعات. ما تعليقكم؟ وهل ترون أنها تعيق ذلك بالفعل؟
إذا نظرتِ إلى تصريحات الحكومة الأميركية حول الوضع في الشرق الأوسط بين فلسطين وإسرائيل، فإنها تدعم حلّ الدولتين، كما تدعو إلى استئناف المحادثات. لذلك، لا يمكنني أن أكون سلبياً بشأن موقفها. ما نحتاجه حقاً هو تجاوز الكلمات، والتحرك فعلاً للتأكد والمبادرة لشيء لتحقيق السلام.
*إذاً، لماذا لا توجد أفعال أو تحرك؟
هذا سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. ربما تستطيع الولايات المتحدة الإجابة... ولكن ما نحتاج القيام به أنه مهما كانت التحديات كبيرة، والمخاوف قوية، يتعين علينا الاستمرار في الحديث مع جميع الشركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة. هذا ما نفعله طوال الوقت.
*تحدثت عن الضغط أيضاً على الجانب الفلسطيني. هل تقصد بذلك المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"؟
بالضبط، عليهم توحيد صفوفهم، لأنهم منقسمون، وهذا لا يخدم قضيتهم. أعلم أنه ليس من السهل فعل ذلك، لأنه ربما توجد بعض الخطوط الأيديولوجية التي تفصل بينهما، ولكن من أجل القضية عليهم بذل جهد، كما يجب تنظيم انتخابات بانتظام من أجل مصداقية السلطة الفلسطينية.
*إذا نظرنا إلى تعامل الدول الغربية مع الغزو الروسي لأوكرانيا ومقارنة ذلك بتعاملها مع الملف الفلسطيني وغيرها من الصراعات، فإن الكثيرين يرون أن هناك ازدواجاً في المعايير. هل توافقون؟
لقد سمعت هذه المواقف في الأمم المتحدة من العديد من السفراء خلال عدد من الاجتماعات أو المناسبات. يذكرون أن هناك اهتماماً بأوكرانيا أكثر من القضايا الأخرى، وأثيرت هذه الانتقادات. وأعتقد أنه يجب على الجميع التأكد، بما في ذلك تلك البلدان المنخرطة بقوة في القضية الأوكرانية، ألا يتولد انطباع من هذا القبيل، لأن هذا سيئ للغاية لمصداقية المنظمة (الأمم المتحدة) والثقة بها.
*مجلس الأمن منقسم ولا يتحرك بشكل فعّال في ما يخص عدداً من الملفات، بما في ذلك فلسطين. في ظل هذا الانقسام، هل ترى أن الجمعية العامة يجب أن تلعب دوراً أكثر فاعلية، وخصوصاً في ما يتعلق بفلسطين؟
مهما كان الوضع، يجب أن تنظر الجمعية العامة دائماً في هذه المسألة. كما أن هناك ما نسميه الآن مبادرة حق النقض (فيتو)، وبموجبها (قرار للجمعية العامة تبنته عام 2022) يجب أن تعقد جلسة للجمعية العامة في حال استخدمت إحدى الدول دائمة العضوية الفيتو. وعلى تلك الدول أن تعلّل السبب لاستخدامها الفيتو وتتخذ قراراً. قد تساعد هذه المبادرة على انخراط مجلس الأمن بشكل أكبر في ما يخص القضية الفلسطينية كذلك.
الجيد كذلك في سياق القضية الفلسطينية أنني لا أرى أياً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما في ذلك الدول دائمة العضوية، لا يعترف بالحاجة إلى حل دائم بين فلسطين وإسرائيل، أو لا يدعم عملية السلام، أو غير مستعدة للانخراط. مهمتنا أن يتمكنوا حقاً من الانخراط وإحياء العملية، لأن العملية راكدة.
*يقدر عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من 700 ألف. ألا تعتقد أن الاستيطان المستمر دون هوادة يقتل "حل الدولتين"؟
بناء المستوطنات توجه يهدف إلى قتل حل الدولتين باعتقادي. لا يمكننا أن نشعر باليأس... علينا أن نحارب ذلك. وإذا وصلنا في نهاية المطاف إلى وضع علينا أن نتوصل فيه إلى حل، فإنه يجب حل تلك المستوطنات ولا تمكن استدامتها، حيث إنه يجب تفكيكها في مرحلة ما، كي نتأكد أن حل الدولتين قابل للتنفيذ. هذه قناعتي الشخصية، ولم أناقش هذه الحيثيات مع مكتبي (اللجنة). لكنني أعتقد أن هذا شيء يتعين علينا القيام به. لدينا تفويض، والمعايير واضحة للغاية، حل الدولتين، وما يفعلونه غير قانوني. لذا، ما هو غير قانوني يجب تصحيحه في الوقت المناسب.
نيانغ: مبادرة حق النقض قد تساعد على انخراط مجلس الأمن بشكل أكبر في ما يخص القضية الفلسطينية كذلك
وما أقوله للشعب الفلسطيني هو أن الحقيقة ستنتصر يوماً، وأدرك أن الوضع صعب للغاية… في أماكن أخرى، كانت هناك أوضاع مشابهة، ولكن انتهت. سنحيي قريباً الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، وهذا كثير. ولكن على الشعب الفلسطيني أن يبقى على إيمانه بنفسه ودولته. في مرحلة ما في جنوب أفريقيا، لم يأمل أحد أن التغيير ممكن، ولكنه حدث.
نبذة مختصرة:
شيخ نيانغ دبلوماسي سنغالي وسفير بلاده لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك منذ عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، يترأس نيانغ حالياً "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف". عمل سفيراً لبلاده في عدد من الدول كاليابان والولايات المتحدة. شغل عدداً من المناصب الإضافية المهمة في السلك الدبلوماسي السنغالي، من بينها رئيس القسم الأفريقي في وزارة الخارجية السنغالية.