شهادات هاربين من ماريوبول المحاصرة في أوكرانيا: دفنوا الجثث في الطرق وأعطوها أرقامًا
تيمور وسيرغي ويوري وإرينا، أربعة أشخاص لا يجمع بينهم سوى أنهم من مدينة ماريوبول جنوب شرقي أوكرانيا، التي سيطرت القوات الروسية على الكثير من مساحتها، وتستعد بين لحظة وأخرى لإكمال السيطرة عليها. كما يجمع بين هذه الشخصيات، نجاحها في الهروب من مدينة ماريوبول المنكوبة كما وصفتها الأمم المتحدة، رغم القصف والحصار والمعارك المحتدمة في كافة أنحاء المدينة.
فبعد ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم الروسي على المدينة في الرابع والعشرين من فبراير/شباط، قرّر تيمور الخروج بعائلته من جحيم مدينة ماريوبول. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه قرر الخروج من المدينة مع زوجته وأطفاله مهما كانت التحديات، خصوصاً بعدما بات الوضع سيئاً للغاية، وأصبح الخروج بصعوباته أفضل من البقاء.
ويضيف تيمور أن قرار الخروج تعزز لديه عندما بدأت القوات الروسية في تدمير المدينة، وبدأت الشائعات تنتشر حول استهداف المدنيين وأي سيارة تحاول مغادرة ماريوبول، إضافة لما رآه من إطلاق النار الذي لم يتوقف، والصواريخ التي لم تترك من المباني شيئاً على حاله.
وقبل خروجهم من المدينة، ظلوا داخل ملاجئ لم تكن مجهزة بالقدر الكافي لقرابة ثلاثة أسابيع؛ كما يوضح تيمور في حديثه لـ"العربي الجديد"، حيث كانوا يشاهدون موت الناس أمام أعينهم في الشوارع والطرقات، ويسمعون صوت إطلاق الرصاص والمدافع كأنه داخل الملجأ الذي دخلوه للاحتماء من هول المعارك في المدينة.
جحيم وجثث في الشوارع
ومع مرور الأيام، يضيف تيمور أن مشاعرهم تجمّدت بصورة كبيرة، وبدأوا في استيعاب أنهم في قلب جحيم قد لا يخرجون منه قريباً، لافتاً إلى أنهم اعتادوا رؤية الجثث في الشوارع لأيام حتى تتحلّل، وذلك بعدما توقفت سيارات الإسعاف عن جمع تلك الجثامين بعد نفاد الوقود منها.
حينها، يقول تيمور إنهم قرروا دفن الجثث في الشوارع والطرقات، وقاموا بكتابة رقم البناية التي كان يسكن فيها القتيل في حال معرفتها، أو كتابة اسمه في حال العثور على بطاقة هويته، وفي بعض الأوقات كانوا يكتبون رقم سيارته على قبره إذا تمّ العثور على الشخص داخل سيارته.
وعن رحلة هروبه من ماريوبول، يقول تيمور إنهم خرجوا إلى الطريق بجانب البحر للابتعاد قدر المستطاع عن مناطق الاشتباكات، وكانوا يمرون على حواجز الجيش الروسي داخل المدينة، وحينها يتم تفتيش هواتفهم وأغراضهم وكل ما يملكونه، قبل السماح لهم بالخروج في مجموعات من السيارات خلال ساعات النهار فقط، لأن الجيش الروسي كان يطلق النار مباشرة على أي سيارة تتحرك ليلاً، إلى أن نجحوا في الوصول إلى مدينة زابوريجيا الخاضعة للسيطرة الأوكرانية.
ما عاشه تيمور للخروج من مدينة ماريوبول هو ذاته ما عاشه الأوكراني سيرغي وأفراد أسرته، حين قرروا الخروج منها، لكنهم لم يخرجوا إلا بعد تدمير منزلهم بالكامل، وقد رفضت قوات انفصاليي منطقة دونيتسك التي تخضع لها ماريوبول إدارياً، الخروج من المدينة بسيارتهم، وأجبروهم على توقيع تنازل عن تلك السيارة وممتلكاتهم في المدينة، حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
أما عن كيفية هروبه من المدينة فيحكي نجل سيرغي، يوري، أنهم خرجوا من ماريوبول تحت وقع القصف المتواصل على المدينة، بعدما نجحوا في الحصول على سيارتين من الشارع. قاموا بجمع أغراضهم فيهما، وتحركوا باتجاه مدينة بيرديانسك. وفي الطريق، يتحدث يوري لـ"العربي الجديد"، عن السيارات المدمرة على جانبي الطريق، والمنازل التي لم يبقَ منها إلا الأثر، حتى تمكنوا أخيراً من الوصول إلى حواجز الجيش الأوكراني، الذي وفّر لهم الطعام وكل ما يحتاجونه.
ويضيف يوري "أنهم لا يملكون حتى الآن وسيلة للتواصل مع من بقي من أهلهم داخل ماريوبول"، ويكمل أن "الممرات الآمنة التي يتحدث عنها الروس ليست حقيقية، بل هم من يقومون بقصف تلك الممرات وقتل كل من يريد الخروج من المدينة، أو حتى من يريد إيصال المساعدات إليهم".
ويكمل يوري: "الوضع في المدينة أشبه بالجحيم، ومن لا يستطيع الخروج منها لا يمكنه إيجاد الطعام، بل إن أفراد الأسرة الواحدة باتوا لا يعلمون من بقي على قيد الحياة ومن مات منهم"، مطالباً في حديثه مع "العربي الجديد"، المجتمع الدولي وكلّ من يستطيع المساعدة، بفك الحصار عن مدينة ماريوبول، وإخراج المدنيين منها.
بدورها، تقول والدة يوري، إرينا: "الحمد لله نجحت في الخروج من المدينة، لكننا نتمنى العودة إليها مرة أخرى، ويوماً ما لإعادة بناء منزلي المهدم، وأن يعود الأمن والأمان لمدينتي ماريوبول، التي لا يجد أهلها حتى اللحظة أي طعام لأطفالها ونسائها المحاصرين".