- الاعتقالات شملت آلاف المدنيين خلال الحرب البرية في غزة، حيث تم تقسيم المعتقل إلى حاويات للضغط الجسدي ومستشفى ميداني للجرحى، مع تأكيدات من المبلغين والأسرى المفرج عنهم على الانتهاكات والتعذيب بدافع الانتقام.
- شهادات من عشرة معتقلين سابقين والطبيب محمد الران تحدثت عن ظروف قاسية وتعذيب، بما في ذلك تجوال الكلاب على أجساد السجناء وإلقاء قنابل صوت، مع تأكيد حماس على أن التحقيق يكشف جزءًا ضئيلاً من الفظائع المرتكبة.
تحقيق "سي أن أن" كشف عن تعرّض معتقلي غزة لتعذيب وحشي في سدي تيمان
بفعل التعذيب استشهد 18 فلسطينيا بالمعتقل بينهم الطبيب عدنان البرش
أسير طلب إبلاغ أسرته بأن الشهادة في غزة أفضل لهم من الاعتقال
كشف تحقيق لشبكة "سي أن أن" الأميركية، أمس الجمعة، عن تعرّض معتقلي غزة لتعذيب بصور وأشكال وحشية متعددة في معتقل سدي تيمان الذي كان في السابق عبارة عن قاعدة عسكرية في صحراء النقب، قبل أن تحوله إسرائيل إلى مركز احتجاز منذ بدء الحرب على القطاع المحاصر.
ونقلت الشبكة في تحقيقها شهادات لثلاثة إسرائيليين كانوا من ضمن طاقم السجانين في المعتقل الذي شبهته تقارير سابقة بـ"غوانتانامو جديد"، على غرار سجن غوانتانامو الأميركي سيئ السمعة.
"مقيدون ومعصوبو الأعين باستمرار، ولا يسمح لهم بالتحرك، بينما يستلقون على ظهورهم ووجوهم إلى الأعلى، ويرتدون الحفاضات"، هكذا وصف المتحدثون للشبكة الأميركية بعضاً من صور التعذيب الحاصلة.
وقال أحد المتحدثين في التحقيق، إنّ الأطباء في بعض الأحيان يبترون أطراف السجناء بسبب الإصابات الناتجة من تقييد اليدين باستمرار، ونتيجة للإجراءات الطبية التي يقوم بها أحياناً مسعفون غير مؤهلين، فيما يمتلئ الهواء برائحة الجروح المهملة المتروكة لتتعفن.
واعتقلت إسرائيل آلاف المدنيين من قطاع غزة خلال الحرب البرية المستمرة في القطاع، وانتشرت صور الاعتقال المهينة للكرامة البشرية على نطاق واسع عالمياً، حيث جُرِّد المعتقلون من ملابسهم سوى الداخلية السفلية، واقتيدوا أمام الملأ في طوابير بأحياء غزة.
وبحسب التحقيق، يُقسَّم معتقل سدي تيمان الواقع على بعد 30 كيلومتراً من حدود غزة إلى قسمين: "حاويات حيث يُوضع حوالى 70 معتقلاً فلسطينياً تحت ضغط جسدي شديد، ومستشفى ميداني حيث يُربط المعتقلون الجرحى بأسرّتهم، ويرتدون حفاضات".
وقال أحد المبلغين الإسرائيليين عن الانتهاكات، الذي كان يعمل مسعفاً في المستشفى الميداني بالمنشأة: "لقد جردوهم من أي شيء إنساني"، وفقاً للتحقيق. وقال آخر: (الضرب) لم يكن بهدف جمع المعلومات الاستخبارية، لقد حدث ذلك بدافع الانتقام".
وتطابقت شهادات المبلغين الإسرائيليين مع روايات أسرى مفرج عنهم تعرّضوا لتجربة الاعتقال في سدي تيمان، حيث يدّعي جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه "يضمن السلوك المناسب تجاه المعتقلين المحتجزين". وفي الوقت نفسه لم ينكر، رداً على الشبكة، الروايات عن تجريد الأشخاص من ملابسهم أو وضع حفاضات لهم. وبدلاً من ذلك، قال إنّ ملابس المحتجزين تُعاد لهم بمجرد أن يقرر الجيش أنهم لا يشكّلون أي خطر أمني.
وفي وقت سابق منع جيش الاحتلال "سي أن أن" من الوصول إلى المعتقل، واحتجز فريقها في أثناء تغطيته احتجاجاً لنشطاء سلام طالبوا بإغلاق المنشأة، وطلب مشاهدة اللقطات التي صورها مصور الشبكة.
وبحسب التحقيق، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحويل 3 منشآت عسكرية إلى معسكرات اعتقال للفلسطينيين من غزة منذ بدء الحرب على غزة، وهي: سدي تيمان في صحراء النقب، بالإضافة إلى قاعدتي عناتوت وعوفر العسكريتين في الضفة الغربية المحتلة.
وبفعل أعمال التعذيب الوحشية، استشهد 18 معتقلاً فلسطينياً في هذه المنشآت وفقاً لمنظمات حقوقية فلسطينية، بينهم الطبيب البارز في غزة عدنان البرش، مشيرة إلى أن هذا العدد يشمل من أُعلن استشهادهم في السجون، فيما لا يزال مصير عدد كبير من المعتقلين مجهولاً.
شهادات من سدي تيمان
وأورد تحقيق "سي أن أن" شهادات لعشرة معتقلين سابقين من غزة بعد الإفراج عنهم من هذه المعسكرات، من بينهم الطبيب محمد الران، وهو فلسطيني يحمل الجنسية البوسنية، يرأس وحدة الجراحة في المستشفى الإندونيسي بشمال غزة، وهي من أوائل المستشفيات التي دمرتها إسرائيل في حملتها على القطاع الصحي خلال الحرب.
وقال الران إنه اعتُقل في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خارج المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، حيث عمل لمدة ثلاثة أيام بعد فراره من المستشفى في شمال القطاع الذي تعرّض لقصف إسرائيلي شديد. وقد جُرِّد من ملابسه، باستثناء ملابسه الداخلية، وعُصِبَت عيناه وقُيِّد معصماه، ثم أُلقي في شاحنة من الخلف.
وقال الطبيب لشبكة "سي أن أن" إنه احتُجز في مركز اعتقال عسكري لمدة 44 يوماً، وأضاف: "امتلأت أيامنا بالصلاة والدموع والتضرع، وهو ما خفف من عذابنا". وأردف مضيفاً: "بكينا وبكينا وبكينا. بكينا على أنفسنا، وبكينا على أمتنا، وبكينا على مجتمعنا، وبكينا على أحبائنا. وبكينا على كل ما يخطر ببالنا".
وبعد أسبوع من سجنه، أمرته سلطات معسكر الاعتقال بالعمل وسيطاً بين الحراس والسجناء، لكونه يتحدث العبرية، وفقاً للتحقيق. وبحسب المبلغين الإسرائيليين، فإن الوسيط عادة ما يكون سجيناً بُرِّئ من الاشتباه بصلاته بحماس بعد استجوابه. وبحسب التحقيق، نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي احتجاز المعتقلين دون داعٍ أو استخدامهم لأغراض الترجمة. وقال في بيان: "إذا لم يكن هناك سبب لاستمرار الاعتقال، يُطلَق سراح المعتقلين إلى غزة".
لكن روايات المبلغين التي أوردها التحقيق تشير إلى عكس ذلك. وقال الران إنه خدم في منصب الوسيط لعدة أسابيع بعد تبرئته من علاقته بحماس، وهو ما أكده المبلغون الإسرائيليون. ولهذا السبب، قال الران إنه حصل على امتياز خاص: "تمت إزالة العصابة عن عينيه"، واصفاً ذلك بأنّه "نوع آخر من الجحيم".
وقال: "جزء من تعذيبي كان قدرتي على رؤية كيف يُعذّب الناس، في البداية، لا يمكنك النظر إلى ما يجري. لا تستطيع رؤية التعذيب والانتقام والقمع". وأردف: "عندما أزالوا العصابة عن عينيّ، استطعت أن أرى مدى الذل والإهانة... استطعت أن أرى إلى أيّ حد كانوا ينظرون إلينا كحيوانات وليس كبشر".
ويُؤمر السجين الذي يرتكب خطأً، مثل التحدث إلى شخص آخر، برفع ذراعيه فوق رأسه لمدة تصل إلى ساعة. وأحياناً كانت تُربَط يدا السجين إلى سياج لضمان عدم الكفّ عن الوضع المجهد، وفق التحقيق، وبالنسبة إلى أولئك الذين رفضوا مراراً وتكراراً حظر الكلام والحركة، أصبحت العقوبة أشد. ففي بعض الأحيان، كان الحراس الإسرائيليون يأخذون السجين إلى منطقة خارج السياج ويضربونه بقوة، وفقاً لاثنين من المبلغين عن المخالفات والطبيب الران. وقال أحد المبلغين الذي كان يعمل حارساً، إنه رأى رجلاً يتعرض للضرب على أسنانه، وبعض عظامه مكسورة، على ما يبدو، على حد ما جاء في تحقيق "سي أن أن".
وأفاد محمد الران ومعتقلون آخرون أُفرج عنهم، بالإضافة إلى المبلغين الإسرائيليين عن صور عدة من التعذيب، من بينها تجوّل الكلاب فوق أجساد السجناء ليلاً وإلقاء قنابل صوت قبل اقتحام موقع الاحتجاز.
كذلك شملت عمليات التعذيب أشكالاً أخرى، أحدها إجراء إجراءات طبية على معتقلين من قبل مسعفين غير مؤهلين ودون أي مخدر. وقال معتقلون عاشوا التجربة القاسية إنهم كانوا مكبّلين طوال الوقت في مركز الاحتجاز، فيما طلب أحدهم هامساً للطبيب محمد الران الذي كان سيُفرَج عنه قريباً، أن يقول لزوجته وأولاده إن الشهادة في غزة أفضل لهم من أن يتعرّضوا للاعتقال.
وذكر تحقيق الشبكة أنّ صور أقمار اصطناعية أظهرت أعمال بناء في سدي تيمان متطابقة مع أعمال أخرى في مركزي الاحتجاز الآخرين في الضفة الغربية، وأشار التحقيق إلى أنّ العدد الأكبر من المعتقلين يحتجز في سدي تيمان.
واليوم السبت، أكدت حركة حماس أنّ ما كشفه تحقيق شبكة "سي أن أن"، "ليس إلا جزءاً ضئيلاً من الفظائع التي تُقترف بحق هؤلاء المعتقلين"، مشيرة إلى أنّ جيش الاحتلال يحتجز المعتقلين الفلسطينيين في معتقلات سرية، لا تخضع لأية رقابة، "ويرتكب فيها أبشع أشكال التعذيب والسادية التي لا يمكن للإنسانية أن تستوعبها".