شراكة غانتس ونتنياهو: 8 أشهر من التردد والخلافات والتلاعب

08 يونيو 2024
غانتس في واشنطن، 4 مارس 2024 (كيفين دياتش/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصاعد التوترات وأزمة الثقة بين بني غانتس وبنيامين نتنياهو، مما يهدد استمرار حكومة الطوارئ الإسرائيلية بعد خلافات حول قضايا مثل الحرب مع غزة وقانون التجنيد.
- تراجع الدعم الشعبي لغانتس وتأثير الضغوط الدولية والمحلية، مع توقعات بانتهاء الشراكة السياسية بين غانتس ونتنياهو بسبب الخلافات العميقة حول قضايا رئيسية.
- الضغوط الخارجية، خصوصًا من الولايات المتحدة، للحفاظ على استقرار الحكومة الإسرائيلية، والتحديات الكبيرة في تحقيق التوازن بين الضغوط الدولية والمطالب الداخلية، مع تأثيرات محتملة على الساحة الدولية والإقليمية.

ساعات قليلة تفصل إسرائيل عن الطلاق الرسمي المفترض مساء اليوم السبت، بين حزب همحانيه همملختي (المعسكر الرسمي) بزعامة الوزير بني غانتس، وحكومة الطوارئ الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، بعد ثمانية أشهر من المشاحنات والخلافات في الغرف المغلقة وعلى الملأ، بقضايا تتعلق بالحرب وحسابات سياسية. طلاق واقع على الأرجح، إلا إذا أنقذت شراكة غانتس ونتنياهو تطورات قد تطرأ في اللحظة الأخيرة، خصوصاً بعد ما سربته  القناة 11 العبرية، مساء أول من أمس الخميس، من أن الولايات المتحدة توجهت في الأيام الأخيرة إلى الوزير في الحكومة الإسرائيلية بني غانتس وفحصت معه إمكانية عدم الاستقالة من الحكومة أو تأخيرها، بسبب مفاوضات الصفقة الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.

وسواء حدث الانفصال أم لا، فإن علاقة شراكة غانتس ونتنياهو تبقى تشوبها أزمة ثقة كبير، على خلفية حرب غزة وقضايا إسرائيلية داخلية مثل قانون التجنيد، عدا عن الخلافات التي طفت على السطح طيلة الفترة الماضية. وإن حدث، فلن يكون هذا الطلاق الأول بينهما، ولكنه الثاني بالعودة إلى انسحاب غانتس من حكومة نتنياهو عام 2020، والتي انضم إليها في حالة طوارئ أيضاً، وتعلق في حينه بجائحة كورونا. مشهد يتكرر وتلتقي فيه الكثير من النقاط، وإن كان بأحداث مختلفة.

منحت استطلاعات الرأي غانتس تمثيلاً غير مسبوق في الكنيست مع بداية الحرب، قبل أن تتراجع الأرقام مع الوقت

وينوي بني غانتس، مساء اليوم، إعلان الاستقالة من حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي تشكّلت في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (أعلنت الحرب في السابع من أكتوبر)، بناء على التاريخ الذي كان حدّده لنتنياهو في 18 مايو/أيار الماضي، في حال عدم وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية خطة حتى الثامن من يونيو/حزيران الحالي، تتضمن ستة أهداف رئيسية، أولها إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، والقضاء على حركة حماس ونزع سلاح القطاع، وفرض سيطرة اسرائيلية وتحديد بديل سلطوي في غزة، بالإضافة إلى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم حتى الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، والذين هربوا منها مع بداية الحرب الحالية مع حزب الله اللبناني، فضلاً عن التقدم في التطبيع مع السعودية، وكذلك في خطة تجنيد "الحريديم" المتزمتين دينياً. ويتهم المحيطون بغانتس نتنياهو بأنه لم يحاول حتى منع تفكيك حكومة الطوارئ.

شراكة غانتس ونتنياهو بحكومة الطوارئ

بعد أربعة أيام من عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، أعلن نتنياهو وغانتس في 11 أكتوبر تشكيل حكومة طوارئ، لينتقل "المعسكر الرسمي" من المعارضة إلى الائتلاف الحاكم، فيما كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تزال في ذروة صدمتها. وتشكّل مجلس إدارة الحرب (كابنيت الحرب) الذي انضم إليه غانتس والوزير في حزبه غادي أيزنكوت.

نظر كثير من الإسرائيليين إلى غانتس على أنه الصوت العقلاني والراشد الذي يفضّل المصالح الوطنية على الحسابات السياسية، وكانت "مكافأته" استطلاعات الرأي، التي منحته تمثيلاً غير مسبوق في الكنيست، قبل أن تتراجع الأرقام مع الوقت.

وكما "الزواج" السابق بين نتنياهو وغانتس في عام 2020، بدأ نتنياهو بالإخلال بالاتفاقيات، كلما ابتعد عن السابع من أكتوبر وتبددت بعض الضغوط وتحسّن وضعه في استطلاعات الرأي، رغم أن غانتس منح الحكومة الإسرائيلية شرعية أكبر أمام العالم، في ظل وجود وزراء متطرفين جداً فيها، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

وساهم غانتس في توحيد صفوف الإسرائيليين المتصّدعة بعد الخلافات الكبيرة التي وصلت إلى حدّ المواجهات في الشارع الاسرائيلي، على خلفية التعديلات التي قادتها حكومة نتنياهو من أجل تقويض القضاء، وفرض قوانين وصفها معارضوها بقوانين الأنظمة الظلامية، وقد يزيد انهيار شراكة غانتس ونتنياهو زخم الاحتجاجات المعارضة للحكومة، وإن بدأت تتصاعد فعلاً حتى قبل خروجه من حكومة الطوارئ.

في المقابل، تضغط الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك عائلات لمحتجزين إسرائيليين في قطاع غزة، من أجل بقاء غانتس في الحكومة، على أمل مساهمته في تليين مواقفها لإبرام صفقة تبادل مع حركة حماس. 

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، أول من أمس الخميس، بأن الولايات المتحدة توجّهت في الأيام الأخيرة إلى الوزير في الحكومة الإسرائيلية بني غانتس، وفحصت معه إمكانية عدم الاستقالة من الحكومة أو تأخيرها بسبب مفاوضات الصفقة الجارية. ويتهم المحيطون بغانتس نتنياهو بأنه لم يحاول حتى منع تفكيك حكومة الطوارئ. وبعدما تلقّى غانتس في الأيام الأخيرة أيضاً، مطالبات من عائلات لمحتجزين إسرائيليين في قطاع غزة بعدم الاستقالة والبقاء وقتاً إضافياً في الحكومة، على الأقل حتى الحسم في موضوع مقترح الصفقة المطروح الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل نحو أسبوع، درس غانتس، خلال الأسبوع الأخير، البقاء مدة إضافية في الحكومة. وفي غضون ذلك، حدّد مكتب رئيس الحكومة جلسة للمجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (كابينت) يوم غد الأحد، يوماً واحداً بعد انتهاء المهلة التي حدّدها غانتس لنتنياهو. وكان من المفترض أن تُعقد، مساء أول من أمس، جلسة لمجلس إدارة الحرب (كابينت)، ولكنها أُلغيت. وكان من المتوقع أن تكون هذه الجلسة هي الأخيرة التي يشارك فيها الوزيران بني غانتس وغادي أيزنكوت من حزب المعسكر الرسمي قبل استقالة الحزب.  

تضغط الولايات المتحدة من أجل بقاء غانتس في الحكومة

وفي حال تنفيذ غانتس تهديداته، تكون شراكة غانتس ونتنياهو في الحكومة الحالية قد صمدت، أكثر بشهر واحد من حكومة الكورونا، التي عاشت سبعة أشهر فقط، فيما تتشابه ظروف تشكيلهما وإسقاطهما.

"إسرائيل قبل أي شيء"، أعلنها غانتس لدى انضمامه للحكومة الحالية، مبدياً موقف المترفّع عن خلافاته مع نتنياهو، بنفس روح ما أعلنه أيضاً في 26 مارس/آذار 2020، عندما حلّ حزب كحول لفان (أزرق أبيض)، وشكّل مع نتنياهو حكومة طوارئ وطنية، بالأمس بسبب كورونا، واليوم على أثر الحرب. وبعد فشل شراكة غانتس ونتنياهو في حينه، اتهم غانتس رئيس الحكومة بانتهاك الاتفاقيات، وأنه "اختار طريق الخداع"، وهي ذات الكلمات التي قد نسمعها مساء اليوم.

وعمّت الفوضى في الفترة الماضية "كابنيت الحرب" الاسرائيلي، من قبيل عدم الالتزام بعقد اجتماع لهذه الهيئة مرة كل 48 ساعة كما اتفق عليه لدى تشكيل حكومة الطوارئ، وتم تعيين مسؤولين أمنيين كبار، على الرغم من الاتفاق بعدم إجراء تعيينات من هذا النوع في فترة الحرب، وكذلك قيام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بإقالة مفوّضة السجون الإسرائيلية، كاثي بيري، رغم الاتفاق على عدم إقالة مسؤولين كبار. يضاف إلى ذلك، إرجاء نتنياهو النظر في قضايا عدة. كما بدا توتر العلاقات جلياً في خروج نتنياهو وغانتس ووزير الأمن يوآف غالانت إلى مؤتمرات صحافية كل على حدة.

وتجاهل نتنياهو طلبات غانتس المتعلقة بميزانيات الحرب وقانون تجنيد الحريديم، كما يُتهم نتنياهو بالمماطلة بمناقشة خطط استراتيجية وقضايا مهمة بشأن مصير المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.

ولعب غانتس وحزبه دوراً كبيراً في نجاح صفقة التبادل الأولى بين حركة حماس وإسرائيل بعد نحو شهرين من بداية الحرب، بعد تهديده نتنياهو بترك الحكومة إن لم تتم، في مرحلة بدا فيها نتنياهو أكثر حاجة لغانتس من اليوم. ومنذ اليوم الأول، وضع غانتس وأيزنكوت قضية المحتجزين على رأس أولوياتهما، بخلاف أولويات نتنياهو، التي وضعت قضية المحتجزين في النهاية. كما انحاز غانتس للمؤسستين الأمنية والعسكرية، في ظلّ محاولات نتنياهو التنصّل من المسؤولية وإلقاء مسؤولية الفشل عليهما. وفي الآونة الأخيرة، طالب غانتس بإقامة لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر وما تبعها من حرب، فيما يميل نتنياهو لتعيين لجنة من قبل الحكومة، تكون حريتها مقيّدة.

وتكشف مع الوقت عدم إطلاع نتنياهو الوزيرين غانتس وأيزنكوت على بعض التطورات، منها ما يتعلق بالصفقة، من قبيل قراره في إحدى المرّات عدم إرسال فريق التفاوض الإسرائيلي إلى مصر، بدون إعلامهما، رغم الحديث في حينه عن احراز تقدّم نحو صفقة محتملة.

ومنذ المهلة التي حدّدها غانتس، لم يحاول نتنياهو احتواء الموقف وبذل أي جهد يرجئ تفكك حكومة الطوارئ من خلال فضّ شراكة غانتس ونتنياهو المتوقع، فضلاً عن مهاجمته غانتس بسبب إنذاره، معتبراً الإنذار خدمة لأعداء إسرائيل.

ما أشبه اليوم بالأمس

قبل استقالته من حكومة كورونا التي انضم إليها عام 2020، أنذر غانتس نتنياهو تماماً كما أنذره قبل نحو ثلاثة أسابيع، وإن كانت المطالب مختلفة. وحاول بذلك إخبار الإسرائيليين بأنه فعل ما بوسعه للحفاظ على الحكومة دون فائدة بسبب حسابات نتنياهو السياسية، وهو المشهد الذي يتكرر اليوم بظروف أخرى في إطار شراكة غانتس ونتنياهو.

ثمة ما يشوب صورة "القائد" الحازم في شخصية غانتس، الذي تلاعب به نتنياهو مرتين

مع هذا يبدو أن ثمة ما يشوب صورة "القائد" الحازم في شخصية غانتس، الذي تلاعب به نتنياهو في حكومة كورونا، ويعيد الكرة معه في الحكومة الحالية، كما يهاجمه بشكل شخصي ويكيل له الاتهامات، في الوقت الذي يسوّق نتنياهو نفسه بصفته القائد المصمم على تحقيق "أهداف الحرب" رغم الغموض الذي يكتنفها، والذي لا يرضخ للضغوط الخارجية حتى من قبل واشنطن. تلاعب أدى في "الزواج" السابق لاستنزاف غانتس في استطلاعات الرأي، فيما بدأ يتراجع في الاستطلاعات الأخيرة أيضاً، حتى أن نتنياهو يتفوق عليه في بعضها بسؤال الأنسب لرئاسة الحكومة.

وللدلالة على تراجع غانتس في استطلاعات الرأي اليوم مقارنة بما كان عليه وضعه في بداية الحرب، تجدر العودة إلى استطلاع نشرته صحيفة معاريف يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد يومين من إعلان غانتس الانضمام إلى حكومة الطوارئ. منح الاستطلاع حزب غانتس، حينها، 41 مقعداً في الكنيست، فيما تراجع الليكود إلى 19 مقعداً. لكن الانخفاض كان متوقعاً كلما زادت المسافة عن بداية الحرب. وارتفعت هذه الأرقام وهبطت، من فترة إلى أخرى حسب المتغيّرات، وبلغ الحال بالليكود الانخفاض إلى 16 مقعداً وربما أقل في بعض الاستطلاعات. أما استطلاع "معاريف" الذي نُشر أمس الجمعة، فمنح "هماحانيه همملختي" 27 مقعداً، أكثر بمقعدين من استطلاع الأسبوع الماضي، فيما تراجع "الليكود" من 22 مقعداً إلى 20 هذا الأسبوع. ويعتقد 42% من المشاركين في الاستطلاع أن غانتس هو الأنسب لرئاسة الحكومة مقابل 34% اختاروا نتنياهو، وازدادت الفجوة بينهما من أربعة إلى 8%. مع هذا، كان الاتجاه العام في عدة استطلاعات أجريت أخيراً أن نتنياهو يواصل تقليص الفجوة، التي بلغت أكثر من 20% خلال الأيام الأولى للحرب. ومثال على ذلك، نتائج استطلاع أكتوبر أعلاه، إذ اعتقد 48% وقتئذ أن غانتس هو الأنسب مقابل 29% لنتنياهو. 

ومن أسباب ذلك، تراجع تأثير غانتس وأيزنكوت على قرارات الحكومة، واستغلال نتنياهو الفترة الماضية والابتعاد عن السابع من أكتوبر من أجل رصّ صفوف الائتلاف الحاكم الأصلي وقاعدته الجماهيرية، ممن يؤمنون بالنصر المطلق والسيطرة على قطاع غزة وتعزيز الاستيطان. كما حرّض نتنياهو وحلفاؤه على عائلات المحتجزين في أكثر من مناسبة، مستقطباً معارضي الصفقة، ولم تسلم منهم أيضاً المؤسسة الأمنية والعسكرية.

في المقابل، قد يجد غانتس انتقادات من قبل معارضي الحكومة بسبب تأخره في الخروج منها، ومن جهة أخرى قد يفقد تأييد بعض اليمينيين الذين أيدوا انضمامه إلى الحكومة وسيخيب أملهم بانسحابه منها وقت الحرب. وقد يجد غانتس نفسه بأنه لم ينجز شيئاً ملموساً خلال هذه الحرب، إلا مساهمته بالصفقة الأولى، ومنعه إلى جانب أيزنكوت حتى الآن حرباً واسعة على لبنان، تكون لها عواقب وخيمة على إسرائيل.

الاستقالة

ربما تتلخص شراكة غانتس ونتنياهو الحالية، ببضع كلمات، بعضها لوالدة أحد المحتجزين الإسرائيليين في غزة وأخرى تعود إليه. قالت والدة محتجز مخاطبة غانتس هذا الأسبوع: "لا يمكن لك الخروج لحظة قبل أن يعود ابني إلى المنزل. قلتم إنكم دخلتم الحكومة من أجل أن تكونوا الصوت العقلاني، والواعي، والمسؤول. الآن بوجود مقترح إسرائيلي أنت تعلم تفاصيله عليك أن تبقى".

في جلسة مغلقة لحزبه في الآونة الأخيرة، قال غانتس، وفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية: "لم أدخل الحكومة من أجل بيبي (بنيامين نتنياهو) ولكن من أجل الجنود والمختطفين والمختطفات".

ويحاول المحيطون بغانتس تبرير استقالته، بعدم موافقة نتنياهو على وضع استعادة المحتجزين الإسرائيليين هدفا أول، فوق أي شيء، حتى بثمن وقف الحرب مؤقتاً أو بشكل دائم، وكذلك رفضه التعاطي مع قضية اليوم التالي. ويعتبر هؤلاء أن قرار دخول الحكومة في بداية الحرب كان بمثابة خطوة صحيحة، وكذلك الخروج منها، فيما حسابات نتنياهو سياسية، على حد قولهم، ولم ينجحوا بتغيير مسار السفينة رغم محاولاتهم.

المساهمون