يزداد الزخم بشأن أزمة المناخ العالمية، لكن التحرّك قدماً لن يكون ممكناً من دون قوتين هما الولايات المتحدة والصين، اللتين تساهمان معاً في أكثر من نصف إجمالي الانبعاثات، فيما يهيمن التوتر على العلاقة بينهما. ويشكل ذلك مصدر قلق قبل مؤتمر الأطراف بشأن المناخ السادس والعشرين (كوب 26) الذي تنظمه الأمم المتحدة، إذ ثمّة تساؤلات حول احتمال أن تؤدي التوترات الدبلوماسية الحادة بين بكين وواشنطن إلى إفشال القمة الحاسمة، التي من المقرر أن تُعقد حضورياً في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في غلاسكو، أكبر مدن اسكتلندا. في المقابل، فإن التوصل إلى اتفاق في مؤتمر اسكتلندا بين بكين وواشنطن سيعطي دفعاً قوياً لاتفاق دولي ذي أهمية قصوى، فيما يفيد خبراء بأن العلاقات الباردة جداً بين البلدين لا تشكل عائقاً لا يمكن تجاوزه، إذ إن المنافسة المحتدمة بينهما قد تحفّز مكافحة الاحترار المناخي.
تخشى واشنطن أن تلجأ الصين إلى الابتزاز المناخي للحصول على تنازلات حول قضايا شائكة أخرى
وفي هذا الإطار، تقول الباحثة في جامعة كولومبيا في نيويورك ماري نيكولز التي أشرفت على المبادرات المناخية الرئيسية في ولاية كاليفورنيا الأميركية، لوكالة "فرانس برس"، إنه "في حال لم تتوصل بكين وواشنطن إلى الاتفاق على شيء كبير، فإن هذا السيناريو لن يمنع اتخاذ إجراءات جديدة، لأن البلدين يرغبان بالقيام بأشياء كثيرة، كلّ من جانبه، وهما قادران على ذلك". لكن نيكولز تؤكد أيضاً أن "هذا لا يعني أن عدم الاتفاق لن يكون له تأثير"، موضحة أنه "من دون اتفاق صريح بين الأميركيين والصينيين، قد تتردد الدول الأخرى في التحرك".
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، حدّد الرئيس الأميركي جو بايدن أولويتين رئيسيتين في سياسته الخارجية: مواجهة النفوذ الصيني المتزايد وحل الأزمة المناخية. ومن أجل التوفيق بين هذين الهدفين، وضع بايدن سياسية خارجية على خطّين متوازيين حيال بكين، يقومان على التعاون على صعيد المناخ و"المنافسة الاستراتيجية"، التي تُذكّر بأجواء الحرب الباردة على الأصعدة الأخرى، من حقوق الإنسان ومصير جزيرة تايوان والتجارة وغيرها. وقال موفد بايدن الخاص لمفاوضات المناخ وزير الخارجية الأسبق جون كيري، قبل فترة قصيرة، إن "الخلافات الكثيرة بين الصين والولايات المتحدة ليست بسر، لكن على صعيد المناخ يشكل التعاون الطريقة الوحيدة لتجنب الانتحار الجماعي الذي يتجه إليه الجميع".
وكان كيري قد زار الصين مرتين (منذ استلامه المنصب)، في محاولة لإقناع السلطات الشيوعية خصوصاً بطيّ صفحة محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم الحجري. لكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي ردّ قائلاً إنه يعتبر "من المستحيل أن يكون التعاون الصيني - الأميركي حول المناخ بمعزل عن المناخ العام للعلاقات" بين البلدين. وتخشى واشنطن خصوصاً أن تلجأ الصين إلى الابتزاز المناخي للحصول على تنازلات حول قضايا شائكة أخرى. ويؤكد الأميركيون أنهم حذّروا الصين، خلال لقاء الأسبوع الماضي في سويسرا، من أن قطعهم التزامات بهذا الخصوص لا يشكل "خدمة" ينتظرون مكافأة عليها.
على الرغم من ذلك، فإن الحوار بين البلدين لم ينقطع. وقام الرئيس الصيني شي جين بينغ بمبادرة لافتة في هذا الخصوص، بإعلانه في سبتمبر/أيلول الماضي وقف بلاده تمويل محطات تعمل بالفحم في الخارج.
تساهم الولايات المتحدة والصين معاً في أكثر من نصف إجمالي الانبعاثات في العالم
ويرى الباحث في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس أليكس وانغ أن المنافسة على الساحة الدولية بين القوتين العظميين الخصمين قد تؤدي إلى "مزاحمة إيجابية" في المسائل البيئية. ويضيف وانغ أن كلا الطرفين لديه "أسباب ناجعة لإحراز تقدم"، خصوصاً الصين "التي تحسّن سمعتها الدولية من خلال اعتماد سلوك جيد على صعيد المناخ"، موضحاً أنه "إذا شعر المسؤولون الصينيون بأنهم متخلفون في هذا المجال، فقد يدفعهم ذلك إلى بذل المزيد".
وعلى هذا الصعيد، غيّر انتخاب بايدن خلفاً للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الوضع، ما عزّز الضغوط. واعتمد الرئيس الديمقراطي موقفاً مخالفاً لسلفه، الذي انسحب من اتفاق باريس للمناخ ودافع بشراسة عن استخدام الفحم. وتريد واشنطن الآن أن تصبح مجدداً رأس حربة مكافحة التغير المناخي، وتنوي استثمار مبالغ غير مسبوقة لهذه الغاية.
وقد يشكل المسار متعدد الأطراف، مثل مؤتمر "كوب 26" برعاية الأمم المتحدة، وسيلة للالتفاف على المواجهة الصينية – الأميركية، بحسب جايكوب ستوكس الخبير في "مركز الأمن الأميركي الجديد"، وهو مركز بحثي. ويؤكد ستوكس أن "أياً من المعسكرين لا يريد أن يعطي الانطباع بأنه يتحرك لإرضاء المعسكر المقابل"، مشدداً على أنه يجدر بالمسؤولين الأميركيين أن يركزوا على الجهود الدبلوماسية مع أفقر دول العالم. ويتساءل: "ما الأهم؟ بذل جهود جبارة للحصول على تنازلات من بكين، أو محاولة تمويل مصادر الطاقة النظيفة في بقية الدول النامية التي تحتاج إلى كميات طاقة كبيرة لتحقيق التنمية؟".
(فرانس برس)