فيما يخيّم شبح العنف السياسي على أميركا عشية الانتخابات النصفية، هزّ اقتحام منزل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في مدينة سان فرنسيسكو، الجمعة، واشنطن، ولو أنه لم يفاجئها لأن شيئا من هذا القبيل كان متوقعاً.
المطرقة التى انقض بها المتهم على رأس بول بيلوسي وهو يصرخ: "أين نانسي؟" أعادت التذكير باقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، والذي حاول خلاله المقتحمون إلقاء القبض عليها وعلى نائب الرئيس حينها مايك بنس "لشنقهما".
ومن حسن حظ نانسي هذه المرة أيضاً أنها كانت في واشنطن، فيما أُصيب زوجها بجروح استدعت نقله إلى المستشفى. المعتدي لا يبدو أنه مرتبط بمجموعة أو بفصيل معين، حسب ما تسرب من نتائج التحقيق الأولي التي تفيد بأن كتاباته على موقعه الإلكتروني "تعكس تبنيه قناعات اليمين المتطرف، كما فكرة المؤامرة التي يلصقها هذا الأخير بالغرباء واليهود والشيوعية وتزوير الانتخابات".
ومع أن الرجل من أصحاب السوابق والمشاكل مع القانون، وأن اعتداءه هذا عمل فردي على الأرجح، إلا أنه بظروفه ولحظته ينزل في خانة العنف السياسي وخطابه السائد بقوة منذ انتخابات 2020، خصوصا في الآونة الأخيرة.
10 أيام باقية للانتخابات، وهذه المرة هي امتحان أكثر مما هي استحقاق
العنف السياسي في أميركا بضاعة قديمة، وكذلك النزاعات الانتخابية. أربعة رؤساء تم اغتيالهم بين 1865 (أبراهام لينكولن) و1963 (جون كينيدي)، وبينهما جيمس غارفيلد ووليام ماكينلي. والخامس (رونالد ريغان) نجا لحسن حظه بعد إصابته بعدة رصاصات.
الانتخابات هي الأخرى أحاطت بها أحياناً ملابسات وشكوك، وأثارت خلافات مثل انتخابات الرئاسة في 1876، والتي أثارت نزاعاً حاداً، وكذلك انتخابات عام 2000، وقبلها انتخابات مجلس الشيوخ لولاية تكساس، في 1948 وغيرها، لكن جميعها انتهت إلى حل ومخرج؛ إما عبر المحاكم أو بتجاوز الإشكال، وبالتالي تم الاعتراف بنهاياتها والتسليم بها.
الجديد أو الخطير هذه المرة، كما يحذر الكثيرون، أنه بعد انتخابات 2020 استقر الاعتقاد لدى شريحة واسعة من قاعدة الحزب الجمهوري، تصل إلى 61%، حسب استطلاع جامعة مونموث في سبتمبر/أيلول الماضي، بأن تلك الانتخابات قد "سُرقت" من الرئيس ترامب.
وخلال الانتخابات التمهيدية للترشيح في الصيف الماضي، كان هناك أكثر من 120 من الطامحين الجمهوريين بالفوز في مقعد بأحد مجلسي الكونغرس، لا يعترفون برئاسة بايدن حتى الآن. وفي ظل هذه الأجواء، صار العنف وسيلة مقبولة، بل مطلوبة بالنسبة لنواة قاعدة ترامب. وامتدت عدواه إلى صفوف بعض الديمقراطيين، ومن تجلياته محاولة الاعتداء مؤخراً على نائب ديمقراطي من ولاية كاليفورنيا وآخر في ولاية فلوريدا، وأيضاً على المرشح الجمهوري لحاكمية ولاية نيويورك وغيرهم.
تشير التوقعات إلى أن العنف يتجه نحو "التصعيد" في ظل بيئة "عدائية" متبادلة
وحسب أرقام شرطة الكونغرس، فإن النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، خاصة الديمقراطيين، تلقوا 9625 تهديداً خلال 2021، وبشكل خاص الليبراليون منهم والمحسوبون على "اليسار والاشتراكية"، وتم تصنيفهم في قائمة "الخونة". وقد تلقت النائبتان إلهان عمر وألكسندرا كورتيز الحصة الكبرى والأعنف من الترهيب والتهديدات بالقتل.
وفي هذا السياق، حصل الاعتداء على منزل وزوج نانسي بيلوسي التي يلقبها خصومها المتشددون بـ "الخائنة". واللافت أن الحادثة لم تلق الاستنكار سوى من بعض الجمهوريين في الكونغرس، فيما التزمت الأكثرية منهم بالصمت، الأمر الذي يؤشر إلى عمق النفور و"الكراهية" بين الفريقين، وإلى جدّية المخاطر المتوقعة أثناء وبعد الانتخابات.
يذكر أن بعض أقلام الاقتراع، حيث يجري التصويت المبكر منذ أيام (مثلاً في ولاية أريزونا)، يحيط بها مناصرون بالسلاح المكشوف المسموح به قانوناً، لكنه لم يسبق أن ظهر بمثل هذه الصورة الاستفزازية لإشاعة الخوف ولمضايقة وتهديد العاملين في هذه الأقلام. وفي أماكن أخرى، يجري التلويح بالرفض المسبق لنتائج الانتخابات "لو خسرنا"، كما ينذر أصحابه بزعم عدم السماح بتكرار "سرقة" 2020.
10 أيام باقية للانتخابات، وهذه المرة هي امتحان أكثر مما هي استحقاق. وتبقى على المحك الديمقراطية الأميركية المخلخلة، والبعض يقول المعتلة، والمهددة بتحوّل "الجماعات شبه العسكرية إلى فريق سياسي فيها".
وتشير التوقعات إلى أن العنف يتجه نحو "التصعيد" في ظل بيئة "عدائية" متبادلة. 80% من الحزبين يرون أن الفريق الآخر "سيدمر أميركا"، وقد تأخذ هذه الأجواء شحنة إضافية من الاحتقان لو صدر قرار اتهامي بحق الرئيس ترامب، سواء في قضية الوثائق السرية أو غيرها من القضايا التي بات قرار الادعاء العام فيها على الأبواب، وفق التكهنات والقراءات.
وحتى ذلك التاريخ، تبقى الانتخابات كل شيء في واشنطن؛ الجمهوري يستعد لتولي القيادة في الكونغرس بعد أن مالت الدفة لصالحه ولو بحوالي نقطتين، والديمقراطي يلعب آخر أوراقه ويعد نفسه بمفاجأة، وبين الاثنين وبعد حادثة بيلوسي، يبقى حبس الأنفاس سيد الموقف.