"سي أن أن": أنشطة متزايدة بمواقع نووية في روسيا وأميركا والصين

22 سبتمبر 2023
تشير الأنشطة إلى استعداد روسيا والصين وأميركا لاستئناف التجارب النووية (Getty)
+ الخط -

كشف تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً لصور حصرية من أقمار اصطناعية، عن أنشطة متزايدة تجريها روسيا والصين والولايات المتحدة في مواقع نووية، ما يشير إلى استعداد هذه القوى العالمية لاستئناف التجارب النووية، في خضم حالة التوتر التي أفرزتها تطورات دولية عدة في مقدمتها الحرب في أوكرانيا.

وأظهرت صور الشبكة أنّ الأطراف الثلاثة قامت خلال السنوات الأخيرة ببناء منشآت جديدة وحفرت أنفاقاً جديدة في ثلاثة مواقع نووية، أحدها تُديره الصين في منطقة شينغيانغ في أقصى غرب البلاد، وآخر تديره روسيا في أرخبيل في المحيط المتجمد الشمالي، وآخر في صحراء نيفادا في الولايات المتحدة.

ونقلت "سي أن أن" عن جيفري لويس، الأستاذ المساعد في مركز جيمس مارتن لمنع انتشار الأسلحة النووية، قوله إن "هناك بالفعل الكثير من التلميحات التي نراها تشير إلى أن روسيا والصين والولايات المتحدة قد تستأنف التجارب النووية"، وهو أمر لم تفعله أي من تلك الدول منذ حظر التجارب النووية تحت الأرض في عام 1996، حسب الشبكة.

وفي ذات الاتجاه، يرى العقيد المتقاعد في القوات الجوية الأميركية سيدريك لايتون، في حديث للشبكة، أن هذه الأنشطة "واستثمار قدر كبير من الوقت والجهد والمال لا يأتي فقط لتحديث الترسانة النووية، إنما أيضاً لإعداد أنواع الأنشطة التي قد تكون مطلوبة لإجراء اختبار نووي".

تهديد نووي

وفي حين أن مثل هذه الأنشطة لم تكن لتلفت الأنظار في وضع آخر غير الذي يمر به العالم حالياً، رفعت الحرب في أوكرانيا مستوى المخاطر من التهديد النووي بشكل لم يسبق له مثيل، وجعلت من هذه التحركات محل شك وتخوّف.

وفي هذا الصدد، نقلت الشبكة عن مجموعة مراقبة نووية بارزة، تأسست عام 1947، قولها إن تهديدات روسيا المبطنة باستخدام الأسلحة النووية تذكر العالم بأن تصعيد الصراع، عن طريق الصدفة أو النية أو سوء التقدير، يشكّل خطراً رهيباً. وأضافت أن احتمال خروج الصراع عن سيطرة أي شخص لا يزال مرتفعاً. 

من جانبه، أشار لويس إلى أن الأداء الضعيف غير المتوقع للجيش الروسي في أوكرانيا يمكن أن يكون جزءاً من الدافع لموسكو للنظر في استئناف التجارب النووية.

وسبق أن تعهد ديمتري ميدفيديف، أحد الصقور الداعمين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنائب الحالي لرئيس مجلس الأمن الروسي، بأن موسكو "سوف تضطر إلى استخدام الأسلحة النووية" إذا نجح الهجوم المضاد في أوكرانيا، وفقاً للشبكة.

استعداد لتجربة نووية

في روسيا، قالت "سي أن أن" إنّ الصور أظهرت أن الأعمال تجرى في موقع نوفايا زيمليا في أرخبيل المحيط المتجمد الشمالي. ووفق الشبكة، استُخدم موقع نوفايا زيمليا لأول مرة من قبل الاتحاد السوفييتي لإجراء تجارب نووية في الفترة ما بين 1955-1990. 

وأظهرت الصور، وفقاً للشبكة، أن هناك أعمال بناء واسعة النطاق تجرى في الموقع من عام 2021 إلى عام 2023، وتتضمن وصول سفن وحاويات شحن جديدة وحفر أنفاق في عمق جبال القطب الشمالي.

وقال لويس إنه بالقرب من تلك المنشآت توجد أنفاق اختبرتها روسيا في الماضي. وأضاف: "في السنوات الخمس أو الست الماضية، رأينا روسيا تحفر أنفاقاً جديدة، مما يشير إلى أنها مستعدة لاستئناف التجارب النووية".

من ناحيته، قال لايتون، ضابط المخابرات السابق بالقوات الجوية الأميركية، المحلل في الشبكة حالياً: "من الواضح تماماً بالنسبة إليّ أن الروس يستعدون لإجراء تجربة نووية محتملة"، لكنه أضاف أنه "ربما يحاول الروس المضي قدماً إلى أقصى الحدود من خلال القيام بجميع الاستعدادات لإجراء تجربة نووية، لكنهم لا ينفذونها فعلياً"، وقال: "في جوهر الأمر، يفعلون ذلك من أجل إخافة الغرب".

وفي الصين، بحسب الشبكة، أظهرت صور الأقمار نشاطاً متزايداً في موقع التجارب النووية في لوب نور، وهي بحيرة مالحة جافة تقع في غرب الصين، إذ جرى حفر نفق خامس جديد تحت الأرض في السنوات الأخيرة، وتم بناء طرق جديدة.

وبعد تحليل صور الأقمار الصناعية لموقع لوب نور، خلصت مجموعة من الخبراء الصينيين في اليابان في تقرير صدر عنها في إبريل/ نيسان الماضي إلى أن "الهدف المحتمل للصين هو إجراء تجارب نووية دون الحرجة"، بحسب ما أوردت الشبكة.

وقالت المجموعة: "حقيقة أنه تم حفر نفق طويل للغاية على طول تضاريس الجبل مع انحناءات على الطريق تشير إلى أن بناء موقع الاختبار في مرحلته النهائية".

وردت وزارة الخارجية الصينية في حديث لشبكة "سي أن أن" بأن التقرير "يبالغ في التهديد النووي الصيني"، ووصفته بأنه "غير مسؤول على الإطلاق".

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي أجرت آخر تجربة لها تحت الأرض في عام 1992، فقد قال لويس إن واشنطن ظلّت منذ فترة طويلة في حالة استعداد لإجراء تجربة نووية، وعلى استعداد للرد إذا تحرك أحد منافسيها أولاً.

وأضاف: "الولايات المتحدة لديها سياسة الاستعداد لإجراء تجربة نووية في غضون مهلة قصيرة نسبياً؛ حوالي ستة أشهر".

وذكرت الشبكة أنّ صور الأقمار الصناعية التجارية لموقع نيفادا للأمن القومي، تظهر أن منشأة تحت الأرض تم توسيعها بشكل كبير بين عامي 2018 و2023.

ونقلت الشبكة عن إدارة الأمن القومي، وهي ذراع وزارة الطاقة الأميركية التي تشرف على الموقع، قولها إن المختبر مخصص لإجراء تجارب نووية "دون الحرجة"، وهي ممارسة قديمة تهدف إلى ضمان موثوقية الأسلحة الموجودة في المخزون الحالي.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي للشبكة إن المجلس يراقب عن كثب الأنشطة العسكرية الروسية، لكنه أضاف أنه "لم ير أي سبب لتعديل وضعنا النووي".

من جانبه، قال هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين، في حديث للشبكة: "في اللحظة التي تطلق فيها إحدى القوى النووية الكبرى سلاحاً نووياً في مكان ما، ستنتهي كل الرهانات، لأنه ليس هناك شك في أن الجميع سينضمون إلى هذا العمل مرة أخرى".

ونقلت الشبكة عن تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن روسيا والولايات المتحدة تمتلكان حالياً نحو 90% من جميع الأسلحة النووية في العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة تمتلك أكثر من 3700 رأس حربي، بينما تمتلك روسيا حوالي 4500 رأس نووي.

جاء في التقرير أن الصين زادت الترسانة النووية من 350 رأساً حربياً في يناير/ كانون الثاني 2022 إلى 410 في يناير 2023.

وذكر تقرير "سي أن أن" أنه "في الماضي، لم تقم الصين بالربط بين الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق، وكانت تبقي قواتها النووية في حالة تأهب منخفضة، لكن جمعية الحد من الأسلحة (ACA)، وهي منظمة غير حكومية، قالت هذا العام إن جيش التحرير الشعبي يقوم الآن بتناوب كتائب الصواريخ من حالة الاستعداد إلى حالة الاستعداد للإطلاق شهرياً".

لكن كريستنسن قال للشبكة إنّه في حين أن القوى الكبرى الثلاث انخرطت في اختبارات دون الحرجة، فإنه يعتقد أن "إجراء تجربة نووية واسعة النطاق أمر غير مرجح".

لماذ تجرى الاختبارات؟

نقلت الشبكة عن جيفري لويس، الأستاذ المساعد في مركز جيمس مارتن لمنع انتشار الأسلحة النووية، قوله إن سبب إجراء الاختبار، خاصة بالنسبة للصين، هو الحصول على مزيد من البيانات الحديثة لنماذج الكمبيوتر التي توضح ما سيفعله الانفجار النووي، لأنه في حين أجرت الولايات المتحدة وروسيا مئات الاختبارات، لم تقم الصين إلا بحوالي 40 اختباراً ولديها نقاط بيانات أقل بكثير.

ويشير آخرون إلى أن القوى الكبرى لم تختبر أسلحة نووية منخفضة القوة، والتي تنتج انفجاراً نووياً أصغر قد يستهدف وحدة أو تشكيلاً محدداً في ساحة المعركة، بدلاً من تدمير مدينة كبرى، وفقاً للشبكة.

ونقلت الشبكة عن باحثين قولهم إنه "على الرغم من أن الولايات المتحدة تمتلك الآن العديد من الأسلحة ذات القوة المنخفضة في ترسانتها، إلا أنها غير كافية من حيث الكمية والتنوّع في أنظمة الإطلاق".

وقالت الشبكة إن الولايات المتحدة، أول قوة نووية في العالم، أجرت 1032 تجربة، أولاها عام 1945 وآخرها عام 1992، بحسب بيانات الأمم المتحدة، بينما أجرى الاتحاد السوفييتي (روسيا الآن) 715 تجربة بين عامي 1949 و1990، فيما أجرت الصين 45 تجربة بين عامي 1964 و1996.