سيغريد كاغ... المهمة المستحيلة في غزة؟

12 يناير 2024
سيغريد كاغ، لاهاي، 2022 (Getty)
+ الخط -

تولت الوزيرة الهولندية السابقة سيغريد كاغ، الأسبوع الحالي، مهامها كمنسقة للشؤون الإنسانية في قطاع غزة وإعادة الإعمار، بتعيين من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، وذلك بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2720، والذي تبناه المجلس في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

القرار دعا لتوسيع عمليات المساعدات الإنسانية، على أن يتولى المنسق الذي يعينه الأمين العام إقامة آلية أممية "لتسريع شحنات الإغاثة الإنسانية إلى غزة عبر دول ليست طرفاً في النزاع".

لكاغ باع طويل في العمل السياسي والخبرة الأممية، إذ تقلدت العديد من المناصب المهمة في الأمم المتحدة وتعرف المنطقة جيداً، لكن التحديات التي تواجهها هي تحديات بنيوية تتعلق بطبيعة مهمتها.

ولعل السؤال في هذا السياق يتمثل في ما إذا كان منصب كاغ يحدث تغييراً جذرياً في آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أم لا. مفتاح الإجابة عن هذا السؤال يظهر جزئياً في التغييرات التي أدخلتها الولايات المتحدة على نص القرار 2720، وتخفيف لغته.

بموازاة ذلك، برز حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء الماضي من إسرائيل، خلال جولته الشرق أوسطية، والذي عبّر فيه عن دعم بلاده لمهمة كاغ.

وقال إنه في حديث هاتفي معها اتفق على خطة لإرسال بعثة تقييم للأمم المتحدة إلى شمال القطاع "ستحدد ما الذي يجب القيام به للسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة بأمان إلى منازلهم في الشمال".

وأوضح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، رداً على استفسارات "العربي الجديد" حول "بعثة التقييم"، أنها ستكون ضمن مهام كاغ، ولكن لا يعني ذلك أن الأخيرة ستكون ضمن الفريق على الأرض.

وأضاف أن "هذه ستكون مهمة تابعة للأمم المتحدة، في إطار جهودنا الرامية إلى تعيين كاغ منسقة للشؤون الإنسانية لقطاع غزة"، وهي "جزء من جهودنا الرامية إلى زيادة المساعدات الإنسانية، إذا مُنحنا المساحة لذلك". 

دوجاريك: توسيع المساعدات في شمالي القطاع يتوقف على الضمانات الإسرائيلية 

وأوضح دوجاريك حول ظروف ومهام هذه البعثة وتوقيت بدء مزاولة عملها، بالقول "نأمل بتنفيذ مهمة التقييم هذه في أسرع وقت ممكن، لكن من الواضح أن الأمر يتوقف على الضمانات الأمنية التي يمكننا الحصول عليها من إسرائيل".

وتابع: "ما قيل لي هو إن إرسال بعثة تقييم سريعة ومتعددة القطاعات أمر بالغ الأهمية للتخطيط لتوسيع نطاق المساعدة في الشمال. يمكن أن يحدث مثل هذا التوسع بمجرد أن يكون لدينا فهم أفضل للوضع الأمني، والحصول على تأكيدات من الجيش الإسرائيلي بأننا قادرون على العمل بأمان".

وأضاف: يأتي ذلك خصوصاً "في ظل وجود ذخائر غير منفجرة في المنطقة، وبعد تسليم المساعدات الطارئة، كالمواد الغذائية والطبية والمياه ولوازم الصرف الصحي".

ويعيد ذلك إلى المربع الأول السؤال حول ما إذا كانت ولاية كاغ تمنحها سلطات أو صلاحيات جديدة لم تكن موجودة لدى الأمم المتحدة من قبل.

ورداً على سؤال "هل ما زالت الأمم المتحدة، ومع تعيين كاغ، تحتاج لإدخال أي مساعدات لغزة، سواء عبر رفح أو كرم أبو سالم، إلى موافقة الإسرائيليين على حجم ونوعية المساعدات؟"، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة لـ"العربي الجديد": "نعم، منذ تعيينها إلى اليوم لم يطرأ أي تغيير من حيث الإجراءات، ستركز في مهامها على بناء آلية، على النحو المبين (في قرار مجلس الأمن)، بهدف إدخال مزيد من المساعدات إلى غزة وكذلك النظر في إعادة الإعمار".

قرار مجلس الأمن 2720 وإشكالياته

وأشار معين رباني، الخبير بشؤون الأمم المتحدة والعضو غير المقيم في "مركز النزاعات والدراسات الإنسانية"، في حديث لـ"العربي الجديد" من نيويورك، إلى أن "القضية الرئيسية لا علاقة لها بكفاءة كاغ كشخص، بل بطريقة إنشاء المنصب ومهامه".

وأضاف أنه بالعودة إلى نص القرار 2720، "يبدو لي وكأنها مهمة أعدت للفشل"، موضحاً أنه "لدينا تعيين لمنسق شؤون إنسانية، والذي من المفترض أن يضمن زيادة وتوسيع عمليات الإغاثة الإنسانية، لكن تحت الظروف الحالية، حتى الإغاثة الطارئة مستحيلة بسبب إسرائيل، وبدعم من الولايات المتحدة".

وأشار إلى أن الأخيرة تروج لهذا القرار "وكأنه ورقة توت تتستر على السياسة الأميركية تجاه القطاع".

ولفت رباني الانتباه لنقطة جوهرية لا ينص عليها القرار، وهي وقف إطلاق النار. وقال إنه "لهذا السبب أصر عدد من الدول على أنه لا يمكن معالجة الأزمة الإنسانية بشكل صحيح من دون معالجة الأزمة السياسية، وعلى وجه التحديد وقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه أميركا".

يُذكر أن الولايات المتحدة أفشلت في أكثر من مناسبة مشاريع قرارات في مجلس الأمن طالبت بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. وهو مطلب تدعمه الأمم المتحدة، إذ عبّر غوتيرس وعدد من المسؤولين الأمميين عن عدم قدرة الأمم المتحدة على إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل كاف من دون التوصل لوقف إنساني لإطلاق النار.

الأمم المتحدة رهينة القرار الإسرائيلي؟

هناك نقطة جوهرية أخرى أفرغت من خلالها الولايات المتحدة القرار من فاعليته مقارنة بمسودة سابقة نصت على تشكيل "الأمين العام للأمم المتحدة آلية مراقبة في قطاع غزة"، وذلك "تحت سلطة الأمين العام، للقيام حصرياً بمراقبة جميع شحنات الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة، والمقدمة عبر الطرق البرية والبحرية والجوية لتلك الدول التي ليست أطرافاً في النزاع، مع إخطار من الأمم المتحدة إلى السلطة الفلسطينية وإسرائيل من أجل التأكد من الطبيعة الإنسانية لشحنات الإغاثة هذه".

بالمقابل، فإنه في القرار الذي تم تبنيه يطلب مجلس الأمن من الأمين العام "تعيين مسؤول كبير لمنسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار يكون مسؤولاً في غزة عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شحنات الإغاثة الإنسانية" المتجهة إلى القطاع.

وبهذا يُبقي القرار إدخال المساعدات الإنسانية، بكميتها ونوعيتها، بما فيها تلك التي تدخل عن طريق معبر رفح بين مصر والقطاع، بيد إسرائيل بشكل رئيسي، لأنه يحتاج لموافقة إسرائيلية.

رباني: بلينكن يرفض الضغط لإجبار إسرائيل على حل الأزمة الإنسانية 

ويعلق معين رباني حول موضوع بعثة التقييم وتصريحات وزير الخارجية الأميركي بالقول إن "بلينكن يرفض استثمار رأس المال السياسي الذي يمتلكه لإجبار إسرائيل على حل الأزمة الإنسانية الخطيرة للغاية في شمال القطاع".

وتساءل: "كيف يمكن أن نتوقع من أي منسق للشؤون الإنسانية وآليته أن يحقق أياً من هذه الأمور؟".

ورأى أنه "أمر وهمي وغير واقعي"، في ظل "رفض بلينكن والحكومة الأميركية التحرّك أو استخدام أي نفوذ لديهم للضغط على إسرائيل، والتأكد من أن الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من شمال القطاع قادرين على العودة إليه"، بالإضافة لرفض "منع تدمير إسرائيل المنهجي للمساكن والبنية التحتية المدنية".

واعتبر أن "بقاء كاغ وفريقها رهن بموافقات إسرائيل"، من دون أن يطرأ تغيير جذري على الموافقات والموقف الأميركي "يجعل مهمتها شبه مستحيلة ويضعف قدرتها على المناورة والتحرك".

وتابع: "البعض قد استبشر خيراً في إنشاء هذه المنصب، ولكن كما يقال فإن الشيطان يكمن في التفاصيل".

مع العلم أن الضغط الشعبي يزداد في الولايات المتحدة، بالمطالبة بوقف إطلاق النار وسط تعنت أميركي وعدم اكتراث بأعداد الضحايا على الأرض، والذي فاق الـ23 ألفاً، ناهيك عن شبح المجاعة الذي يخيم على مئات الآلاف من الغزيين.

ويكاد لا يذهب أي مسؤول أميركي كبير، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، إلى أي محفل رسمي داخل أميركا من دون أن يواجهه نشطاء معارضون للحرب، مطالبين بوقف قتل الفلسطينيين ووقف إطلاق النار.

وكلما زادت تلك الانتقادات وارتفعت أصواتها يزداد تشديد الساسة الأميركيين على ضغطهم لإدخال كمية أكبر من المساعدات الإنسانية، من دون أي ترجمة على أرض الواقع.

المساهمون