تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأيام الأخيرة، من السيطرة على عدة قرى وبلدات في الريف الشمالي في محافظة السويداء، جنوبي سورية، ليحجز موطئ قدم له في المحافظة التي تُعتبر من أكثر المناطق هدوءاً في البلاد منذ انطلاق المواجهة العسكرية الشاملة بين قوات المعارضة والنظام في سورية، منذ ما يناهز ثلاث سنوات.
ويبدو أن "داعش" يفكّر بشكل جدي في مواصلة تقدّمه في المنطقة، ما يشير إلى مواجهة محتملة مع السكان الدروز في السويداء. وكان التنظيم قد سيطر في الأيام الثلاثة الأخيرة على بلدات وقرى الأصفر والصريخي وشنوان والساقيّة ورجم الدولة، وعلى بلدة القصر الواقعة على بُعد أقل من ثلاثة كيلومترات إلى الشرق من بلدة الحقف، التي تسكنها غالبية درزية، شمالي مدينة السويداء في أقصى جنوب سورية، ليتمكن من دخول محافظة السويداء للمرة الأولى منذ ظهوره في سورية قبل منتصف العام الماضي.
واستبق "داعش" هذا التقدّم، بنقل قوات كبيرة تابعة له، من مناطق سيطرته في ريف حمص الشرقي نحو منطقة الشقرانية في محافظة ريف دمشق، ليتمكّن من السيطرة عليها بسهولة ومن دون أي مقاومة، قبل أن يشتبك مع قوات من العرب البدو من سكان بلدة بير القصب الواقعة إلى الشرق من غوطة دمشق الشرقية ويتمكن من هزيمتها. ودفع ذلك عدة قبائل من السكان المحليين إلى إعلان ولائها للتنظيم خوفاً من انتقامه، بحسب ما أفادت مصادر محلية لـ "العربي الجديد".
ووقعت بعد ذلك اشتباكات بين قوات "داعش" وقوات المعارضة السورية المتمثلة بـ"جيش الإسلام"، نتج عنها سقوط قتلى من الجهتين، ليعلن المتحدث باسم "جيش الإسلام" النقيب إسلام علوش، أنّ قواته تمكّنت من قتل ما لا يقلّ عن تسعة عناصر من التنظيم في اشتباكات في محيط بير القصب.
لكن التنظيم واصل تقدّمه جنوباً، على الرغم من الاشتباكات مع المعارضة السورية في ريف دمشق الشرقي، ليتمكّن من بسط سيطرته بسهولة على عدة قرى في ريف محافظة السويداء الشمالي، بسبب عدم مقاومة السكان المحليين من العرب البدو له خوفاً من انتقامه.
وتمكنت قوات "داعش" من نشر الحواجز في منطقة الأصفر الاستراتيجية الواقعة إلى الشرق مباشرة من طريق السويداء ــ دمشق الدولي، والتي تبعد أقل من سبعة كيلومترات فقط إلى الشرق من مطار خلخلة العسكري الخاضع لسيطرة قوات النظام. وبعد ذلك، تمددت قوات "داعش" جنوباً نحو قرية القصر، وبسطت سيطرتها عليها يوم الإثنين الماضي، ونشرت حواجزها على مداخل القرية التي تبعد أقل من ثلاثة كيلومترات فقط إلى الشرق من بلدة الحقف، أقرب البلدات التي تسكنها غالبية درزية، إلى مناطق سيطرة "داعش".
ويصبح التنظيم، بعد سيطرته على قرية القصر، على بُعد أقل من أربعين كيلومتراً فقط عن مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، والتي اتخذ أغلب سكانها موقف الحياد من الصراع المستمر في سورية.
واستقبلت المدينة وريفها خلال الأعوام الثلاثة الماضية أعداداً كبيرة من النازحين الذي لجأوا إلى المنطقة بسبب هدوئها النسبي وعدم حصول مواجهات مسلّحة فيها، على عكس مناطق ريف دمشق الشرقي والجنوبي ومناطق درعا، القريبة جميعها من منطقة السويداء والتي تستمر فيها الاشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة.
وتدلّ المؤشرات على أن "داعش" يفكر جدّيا في مواصلة تقدمه في المنطقة، خصوصاً مع غياب أيّ مقاومة فعليّة تواجهها قواته التي انتشرت في ريف مدينة السويداء الشمالي. وربّما يعود ذلك إلى عدم وجود قوات محليّة قويّة تدافع عن المنطقة، كحال قوات الحماية الكرديّة شمالي البلاد، أو قوات المعارضة التي تمرّست في القتال نتيجة طول أمد النزاع.
لكن أي تقدم جديد لقوات "داعش" في ريف مدينة السويداء سيواجه صعوبات جدّية، ذلك أن التقدّم سيكون حتماً في المناطق ذات الغالبية الدرزية التي لا يمكن أن يتأقلم سكانها مع سيطرة التنظيم، الأمر الذي ينبئ بمقاومة قوية من السكان، إذا حاول التنظيم اقتحام المناطق ذات الغالبية الدرزية.
وفي هذا السياق، يتوقّع الصحافي في مدينة السويداء حافظ قرقوط، أن تصطدم قوات "داعش" بمقاومة غير مسبوقة في منطقة السويداء. ويشير لـ "العربي الجديد"، إلى "تداول الشباب الدروز، بأنه في حال تقدّم التنظيم نحو السويداء سيتفاجأ هو والنظام السوري، من أن المحافظة الصغيرة ستغيّر قواعد اللعبة"، ناقلاً عنهم "جهوزيّتهم المعنويّة لتلك المواجهة".
ويوضح قرقوط أنّ "السويداء ليست ورقة هامشيّة كما يراها البعض، فأبناؤها اليوم في قلب دمشق، والنظام يدرك أهميتها"، مشيراً إلى وجود "لجان محليّة في السويداء تهدف لحماية المناطق والقرى من أي اعتداء خارجي، وقد فشل النظام بزجّ هذه اللجان في حربه ضد المعارضة، وستكون العضد الرئيس في مقاومة داعش".
وتوجد في محافظة السويداء قطعات عسكرية عدّة تابعة لقوات النظام السوري، لعلّ أهمها مطار خلخلة العسكري ومطار الثعلة العسكري، والفرقة الخامسة عشرة، لكنّ هذه القطعات خسرت الكثير من إمكاناتها في معارك خاضتها القوات التابعة لها مع قوات المعارضة في ريف درعا الشرقي القريب وفي منطقة خربا في محافظة السويداء.
وكانت قوات النظام السوري قد نقلت منذ أيام، المعبر الوحيد الذي تسيطر عليه مع الأردن من منطقة نصيب الحدودية في ريف مدينة درعا والتي اقتربت منها كتائب المعارضة، إلى معبر رويشد الواقع جنوب مدينة السويداء، في خطوة اعتبرها بعضهم تحضيراً من قوات النظام لمعركة مقبلة في السويداء. ويقول الناشط سومر معروف أنّ قوات النظام تتوقّع بلا شك موجة نزوح كبيرة من مدينة السويداء وريفها باتجاه الأراضي الأردنية في حال اندلاع المواجهات بين "الدولة الإسلامية" من جهة، وقوات النظام واللجان المحلية في المنطقة، من جهة أخرى.
وكانت الحكومة الأردنية قد افتتحت منذ أشهر المخيم الأزرق في محافظة الزرقاء، شرقي الأردن، المقابلة لمدينة السويداء السورية، ضمن خطتها لاستيعاب دفعات جديدة من اللاجئين السوريين. وجُهّز المخيم في مرحلة استيعابه الأولى لاستقبال 45 ألف لاجئ في إطار خطة تهدف لاستيعاب مائة وثلاثين ألف لاجئ فيه، ليكون أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في دول الجوار على الإطلاق.