سعي روسيا لتكريس وجودها في ليبيا يتجدد مع نسخة جديدة من "فاغنر"

08 يناير 2024
خليفة حفتر في زيارة لوزارة الخارجية الروسية في نوفمبر 2016 (فاسيلي ماكسيموف/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر ليبية متطابقة النقاب عن استمرار الاتصالات بين معسكر اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، وموسكو بشأن الترتيبات الخاصة لإعادة هيكلة الوجود الروسي العسكري في ليبيا، لا سيما في مناطق سيطرة حفتر جنوب شرقي ليبيا. وتتواجد روسيا عسكرياً في ليبيا بشكل غير رسمي منذ سنوات عبر مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر التي قدمت الدعم لمليشيات حفتر في عدوانه على العاصمة طرابلس، في عامي 2019  و2020، قبل أن تنسحب من جنوب طرابلس وتتمركز في عدة نقاط ومواقع عسكرية استراتيجية في ليبيا مثل سرت وسط شمالي البلاد، والجفرة وسط الجنوب، وحول سبها في الجنوب، وقاعدة الخروبة في الشرق. 

وظهرت بوادر التقارب بين روسيا وحفتر منذ يناير/كانون الثاني 2017 حين رست حاملة الطائرات الروسية "أدميرال كوزنيتسوف" في بنغازي وظهر حفتر على متنها، ثم تتالت زيارات حفتر لموسكو حيث تم استقباله بشكل رسمي ولتصبح، لاحقاً، مجموعة "فاغنر" عنواناً للشراكة والتعاون بينهما.

بعد مقتل زعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين، في أغسطس/آب الماضي، وتوجه موسكو لتفكيك المجموعة وإعادة هيكلتها ضمن الجيش الروسي، قام نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، بعدة زيارات لمعسكر حفتر وهو يعتبر المسؤول الروسي الأرفع مستوى الذي يقوم بزيارة حفتر منذ نشأة العلاقة بين الجانبين. 

وكان موقع "فيدومستي" المقرب من وزارة الدفاع الروسية، قال إن الوزارة بدأت باتخاذ خطوات فعلية، منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتشكيل "الفيلق الأفريقي" ليحل محل مقاتلي مجموعة فاغنر في عدة دول أفريقية، مشيراً إلى أن هذا الفيلق سيكون جاهزاً للعمل منتصف العام الجاري في خمس دول هي: مالي وأفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا. 

وأفاد الموقع الروسي بأن الفيلق سيكون تابعاً للإدارة العسكرية الروسية وتحت إشراف يفكوروف، الذي سيعمل على أن يكون المركز الرئيسي للفيلق في المناطق التي يسيطر عليها حفتر.

وأكدت مصادر ليبية لـ"العربي الجديد"، وهي مصادر عسكرية مقربة من معسكر حفتر وبرلمانية مقربة من لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن زيارات يفكوروف جاءت في إطار سعي موسكو لاحتواء مقاتلي فاغنر ضمن هياكل الجيش الروسي، مشيرة إلى أن الاتصالات والمشاورات بين وزارة الدفاع الروسية ومعسكر حفتر لا تزال مستمرة "لكنها خطت خطوات مهمة" في طريق وضوح الرؤية الخاصة ببقايا مقاتلي فاغنر في ليبيا. 

وكشفت المصادر العسكرية المقربة من قيادة حفتر عن ثلاث زيارات أجراها ضباط ومسؤولون من وزارة الدفاع الروسية، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى مواقع عسكرية خاضعة لسلطة حفتر، وهي قاعدة القرضابية في سرت وقاعدتا الجفرة وبراك الشاطئ في وسط الجنوب الليبي، بالإضافة لمقرات يتم استخدامها لأغراض عسكرية في ربيانة وتازربو والقطرون وتجرهي شرقي وغربي أقصى الجنوب الليبي. 

حفتر يسعى لاتفاقية دفاع مشترك مع موسكو

ولفتت المصادر إلى أن تلك الزيارات الميدانية جرت لثلاث مرات بهدف تجهيز القواعد وإعدادات الارتباط بينها وبين مركز رئيسي للقيادة من المقرر أن يكون في قاعدة الجفرة، وأوضح أحد المصادر، وهو ضابط ليبي بقاعدة براك الشاطئ، أن الاتصالات تضمنت تحديد المجال الفاصل لعمل مليشيات حفتر مع القوات الروسية. 

ومن جانب آخر، تسعى موسكو لشرعنة وجودها العسكري في ليبيا بشكل رسمي من خلال اتفاقية دفاع مشترك بينها وبين قيادة حفتر يصادق عليها مجلس النواب، بحسب مصادر مقربة من لجنة الدفاع بمجلس النواب أشارت معلوماتها إلى تداول واسع لوجود اتصالات بشأن هذا الاتفاق، الذي سيحصل حفتر بموجبه على دعم عسكري جديد من موسكو مقابل حصول الأخيرة على شرعية وجودها العسكري.

وقال أحد المصادر البرلمانية "لم يصل شيء بشكل رسمي" مشيراً إلى أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح "أبلغه القائد العام (حفتر) بنقاش واسع جرى بينه وبين الروس في موسكو حول اتفاق الدفاع المشترك، ومطالب الروس بضرورة أن يصادق عليه مجلس النواب"، وكان حفتر أجرى زيارة إلى موسكو نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، التقى خلالها وزيري الدفاع والخارجية الروسيين. 

ولا يرى الباحث في الشأن السياسي، عيسى همومه، في المساعي الروسية "لتأطير وجودها العسكري في ليبيا والاتجاه به خطوات إلى الأمام أي جديد"، وقال لـ"العربي الجديد" إن "المعطيات في العمق الأفريقي التي تشير إلى وقوف موسكو وراء التغيرات في القيادات السياسية لعدة دول، كما أن وجودها في ليبيا غير خاف، وبالتالي لا بد لها من حماية كل هذه المكاسب والمصالح". 

لكن في ذات الوقت يتساءل همومه عن مصالح حفتر، وقال "المشروع الروسي يتجاوز حفتر، ولا أعتقد أن روسيا تعول عليه بشكل أساسي، في ظل الهزات والخلافات التي يعيشها معسكره خاصة بين أبنائه وعلاقاتهم المتوترة مع عقيلة صالح"، معتبراً أن تداعيات مشروع الفيلق الروسي على ليبيا أكبر من ذلك، وقال "بالقطع فإن واشنطن وعواصم أوروبا، خاصة باريس، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الخطوة الروسية التي تهدف بوضوح الى اتخاذ ليبيا قاعدة أولى لتقوية وجودها العسكري والانطلاق نحو العمق الأفريقي بقوة أكثر". 

وفيما يلفت همومه إلى جهد دبلوماسي أميركي في العملية السياسية، يرجح اتجاه واشنطن لدعم إجراء الانتخابات في ليبيا وتجديد الشرعية للهياكل السياسية، ومنها مجلس النواب، وقال "هناك مشروع أميركي جديد نشط في مجال دمج المجموعات المسلحة في اتجاه تكوين نواة أولى للجيش الليبي، وأعتقد أنها خطوة في طريق إنشاء جسم عسكري موحد ربما لن تكون فيه الكلمة الأولى لحفتر، وبذلك على الأقل يمكن عرقلة المشروع الروسي العسكري من خلال تجديد الشرعية للجانبين السياسي والعسكري ما يجعل موسكو تستهلك وقتاً أطول للحصول على شخصية مثل حفتر يمكنها أن تعول عليها". 

ومقابل هذه القراءة، يرى الناشط السياسي، حمزة اللافي، أنه "في كل الأحوال، نجحت موسكو أم لم تنجح، فإن الأزمة الليبية تسير في اتجاه التعقيد أكثر، بتحول البلاد لمركز صراع أميركي روسي، خاصة وأن ارتهان الأطراف الليبية الى الخارج سيزيد للحفاظ على مواقعهم في السلطة"، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى وجود تركيا "كفاعل عسكري آخر في الأراضي الليبية، له مصالحه التي قد تدفعه إلى الاصطفاف مع أي من طرفي الصراع الدوليين، ووسط كل هذا ستضيع استحقاقات ترتبط بها آمال الليبيين ليس أقلها الانتخابات". 

المساهمون