يتواصل حبس قيادات المعارضة التونسية منذ أشهر، دون أي بوادر للإفراج عنهم، في مقدمتهم زعماء حزبي "النهضة" و"الدستوري الحر"، قطبي المعارضة الأهم، ما أفرغ الساحة السياسية تقريباً من معارضي نظام الرئيس قيس سعيّد.
وتزداد الساحة السياسية انحساراً، مع تقلص حضور المعارضين، وتراجع حجم وامتداد التظاهرات السياسية المناهضة للانقلاب، خصوصاً بانشغال كل أطياف المجتمع التونسي بالقضية الفلسطينية والعدوان الغاشم على غزة.
وباستبعاد أبرز المعارضين ورموزها، تزداد إمكانات خوض سعيّد انتخابات الرئاسة العام المقبل في غياب معارضة وازنة، حيث ينتظر أن تنتظم انتخابات الرئاسة التونسية في خريف 2024، بنهاية ولاية الرئيس التونسي قيس سعيّد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام المقبل، بعد أن يتم بذلك 5 سنوات منذ توليه الرئاسة في 23 أكتوبر 2019.
وتستعد هيئة الانتخابات بدورها لتنظيم انتخابات الرئاسة، حيث ناقشت الهيئة أمام البرلمان، أمس الخميس، نفقات موازنتها لسنة 2024 التي ضُبطت في ما يناهز 192,5 مليون دينار، مقابل 74 مليون دينار للعام 2023، مفسرة الزيادة بأنها تتضمن نفقات التأجير والإعداد للانتخابات الرئاسية، وكذلك الدور الثاني من الانتخابات المحلية.
وتُعدّ رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، أول من أعلن نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أنه تم توقيفها منذ أكثر من شهر بتهم "تعطيل حرّية العمل، ومعالجة معطيات شخصيّة دون إذن صاحبها، والاعتداء المقصود به الهرج بالبلاد التونسية على معنى الفصل 72". والتهمة الأخيرة بحسب محاميها "تُعدّ جناية، وقد تصل العقوبة فيها إلى الإعدام".
ونبّه "الدستوري الحر"، في بيانه أخيراً، "من محاولة افتعال أو اختلاق أي أسباب أو موانع قانونية لإزاحتها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وأكد عضو الديوان السياسي للحزب ثامر سعد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الداني والقاصي يعلم جيداً أن إيقاف عبير موسي هو إيقاف سياسي بامتياز، وحتى طريقة الإيقاف حسب رجال القانون أكدت أن الإجراءات غير قانونية وسابقة في تاريخ تونس، وهو إيقاف سياسي، والسبب الرئيسي أن موسي هي رئيسة حزب سياسي وازن وكبير، وله امتداد شعبي في كلّ أنحاء البلاد".
وأفاد بأن سبب الإيقاف أيضاً أن "عبير موسي مرشحة وازنة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والبارز والمختلف عن باقي المترشحين أن موسي يقف وراءها حزب كبير ومنظومة انتخابية قوية"، بحسب تقديره.
وشدد سعد على أن "هذا الاحتجاز القسري لموسي هو محاولة إزاحة منافسة ذات قيمة كبيرة في البلاد، ولديها حزب قوي، وقد لاحظ الجميع مسيرة 15 أكتوبر الماضي بحضور آلاف المواطنين، وبحضور مساندين من شمال البلاد وجنوبها، وهو ما كذّب مقولة فصل الرأس عن الجسد حتى يسقط الحزب، وقد أثبت ذلك أن الحزب متماسك وقوي، ومبني على الفكر البورقيبي الحداثي".
من جهة أخرى، يستمرّ حبس رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي منذ 206 أيام، حيث يواجه نحو 9 قضايا، وحوكم استئنافياً في إحداها بأكثر من سنة سجن.
كما تعج السجون بقيادات معارضة وازنة، تضم شخصيات سياسية، ووزراء سابقين، ونوابا في البرلمان المنحل، وهي تنتظر المحاكمة منذ نحو 8 أشهر، منهم منسق "جبهة الخلاص" جوهر بن مبارك، والمحامي رضا بلحاج، ورموز معارضة آخرون هم منافسون بارزون على الساحة السياسية، على غرار الأمين العام السابق لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، وأمين عام "الحزب الجمهوري" عصام الشّابي.
كما يواجه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، المتواجد خارج البلاد، حكماً غيابياً بـ4 سنوات، بتهم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وهو يُعدّ من المعارضين البارزين لنظام سعيّد.
وعلاوة على المساجين السياسيين واللاجئين خارج البلاد، تواجه العديد من القيادات قضايا مختلفة، فيما خُيّر الكثير من الناشطين السياسيين بين الانسحاب تماماً من الساحة السياسية خشية الملاحقة، أو الدخول في صدام مع السلطة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم حزب "تونس الإرادة" عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استهداف القوى المعارضة في "جبهة الخلاص" و"النهضة"، ومن مختلف مكونات الطيف السياسي، وتواصل حبس رموز المعارضة، هو عملية تصحير واسعة للساحة السياسية، وإفراغ ممنهج للساحة الانتخابية من أي منافسة تذكر".
وبيّن أن "استهداف "جبهة الخلاص" و"حزب النهضة"، باعتبارهما أبرز مكونات القوى المعارضة، يعود لاعتبار وزنها الشعبي والسياسي والاعتباري، ما يفسّر إزاحتها عن الساحة عبر تواصل الإيقافات والمحاكمات، وغلق المقرات، وتخويف الأنصار".
وتابع أن "انتهاج سياسة تصحير الساحة السياسية قبل الانتخابات المقبلة، إذا سلّمنا بأن الانتخابات الرئاسية ستنعقد في موعدها، يبيّن خشية السلطة من المنافسة، دون اعتبارات الحصار السياسي والقوانين المصوغة على المقاس، والهيئة الانتخابية المعيّنة".