سعيّد يستهدف "جبهة الخلاص": كيف يبدو مستقبل المعارضة في تونس؟

22 ابريل 2023
قال محللون إن استهداف جبهة الخلاص يعيد البلاد إلى سياسة القمع والتخويف (Getty)
+ الخط -

يخطو الرئيس التونسي قيس سعيّد بشكل متسارع نحو إسكات صوت المعارضة نهائيا، وفقا لمراقبين، باتخاذه سلسلة إجراءات متتابعة، تمثلت في إغلاق مقر جبهة الخلاص الوطني المعارضة، ومنع اجتماعاتها، واعتقال أبرز قياداتها، وضرب مكوناتها الحزبية والمستقلة، ومحاولاتها التقارب مع مكونات سياسية أخرى.

وشكل اعتقال رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، وعدد من قياداتها الأخرى بمثابة الضربة القاسمة التي استهدفت المكون الأكثر شعبية وتنظيما من بين مكونات الجبهة.

وتضم جبهة الخلاص تحت جناحها العديد من الأحزاب المعارضة من بينها حركة النهضة، وحركة أمل، وحراك تونس الإرادة، وائتلاف الكرامة، وقلب تونس، والعمل والإنجاز، إلى جانب حركات أخرى وشخصيات مستقلة.

وكان هدف الجبهة الأساسي إسقاط الانقلاب والعودة إلى الشرعية الدستورية، ونجحت إلى حد ما في إحداث توازن في الشارع مع الانقلاب، خصوصا بعد فشل السلطة في حشد دعم شعبي في مختلف المحطات الانتخابية، بينما جندت الجبهة آلاف المتظاهرين في مناسبات عديدة، وهو ما تسبب في تصاعد غضب السلطة، وربما قرارها في ضرب هذه المعارضة نهائيا، خصوصا مع بداية نجاحها في التوسع إلى مكونات أخرى، أهمها الحزب الجمهوري الذي يرأسه المعتقل عصام الشابي.

وقال المحلل السياسي، عادل بن عبد الله لـ"العربي الجديد"، إن هذه الحملة على الجبهة تأتي "في سياق التوجه العام لرئيس الجمهورية الذي أعلن صراحة منذ حملته الانتخابية عن انتهاء زمن الأحزاب".

وأضاف عبد الله أن "جبهة الخلاص هي الشريك الحداثي للنهضة، المقبول دوليا، لضمها شخصيات يسارية وغير محسوبة على النهضة، وهو الأمر المقلق للنظام".

وأوضح المحلل السياسي أن السلطات تريد الاستفراد بحركة النهضة لأن أي تحالف مع أطراف أخرى يمثل خطرا على النظام، بفضل مكونات هذه الأطراف وتركيبتها من إسلاميين وعلمانيين". وقال إن الفرصة التي تشكلها هذه التحالفات لبناء مشروع ديمقراطي تقلق الرئيس سعيّد الذي يتخوف من أي معارضة ذات عمق شعبي متعدد الأطياف.

وأضاف أن الرئيس بصدد إبعاد الأطراف التي يمكن أن تمثل خطرا عليه، إذا ما توجه لانتخابات رئاسية في 2024.

"زمن بن علي"

وقال بن عبد الله إن الشعارات التي يطرحها النظام اليوم تشبه تلك التي ترددت في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من قبيل "مواجهة الإخوانجية والظلامية"، مع بعض التعديلات الجديدة.

وبين أن "حالة الصمت لدى جزء من المعارضة اليوم، جعلت الرئيس يتحرك بأريحية لأنه يعرف أن تناقض النهضة مع هذه الأطراف أكبر من تناقضها معه".

من جهته، اعتبر الباحث زهير اسماعيل، أحد قياديي "مواطنون ضد الانقلاب"، أن "الجبهة بما تضمّه من تشكيلات حزبية وشخصيات وطنية وأكاديمية، تمثل الإطار السياسي التعددي شبه الوحيد المدافع عن استعادة الديمقراطية بعد انقلاب 25 جويلية 2021". 

محلل تونسي: الشعارات التي يطرحها النظام اليوم تشبه تلك التي ترددت في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من قبيل "مواجهة الإخوانجية والظلامية" مع بعض التعديلات الجديدة"

وأوضح إسماعيل لـ"العربي الجديد"، أن فعاليات جبهة الخلاص الميدانية بأبعادها السياسية والثقافية جعلت الانقلاب غير قادر على الخروج إلى مرحلة "ما بعد الانقلاب"، رغم محاولاته التقدّم في بناء نموذجه السياسي في الحكم، و"ما زال يتخبّط في عجزه عن مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تحولت إلى كارثة وطنية".

وقال إسماعيل إن استهداف الجبهة من شأنه أن يعيد البلاد إلى سياسة القمع والتخويف والحصار. 

وقبل اعتقاله ثم إطلاق سراحه، قال النائب السابق بالبرلمان، الكاتب والمحلل سياسي، محمد القوماني، إن المطالبين بالديمقراطية حسموا معركة الشارع عدديا لصالحهم من خلال الوقفات الاحتجاجية والمسيرات، مقارنة بما فعله أنصار الرئيس قيس سعيّد من المساندين لمسار 25 جويلية 2021.

وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة ساهمت في تشجيع المواطنين على حق المعارضة، وتعهدت بملف المعتقلين السياسيين دون استثناء، وأسهمت تدريجيا في تعرية السلطة وإضعافها وتراجع شعبية الرئيس ومسار 25 جويلية". 

تبدد آمال توحيد المعارضة

في مقابل ذلك، يرى القوماني أنه رغم هذه الانجازات، تواجه جبهة الخلاص الوطني تحدّيات جمّة في واقع سياسي متحرّك داخليا وإقليميا ودوليا، ما عثر توسعها، وصعّب توحيد المعارضة، في غياب المراجعات المطلوبة، وتزايد أزمة الثقة بين الأطراف بسبب "أخطاء تكتيكية"، علاوة على التأثير السلبي لحملة الاعتقالات السياسية، التي شملت عناصر هامة ذات مصداقية وتأثير في محاولات توحيد المعارضة.

وأوضح أن الجبهة فشلت في إيقاف أجندة قيس سعيّد في تفكيك منظومة عشرية الانتقال الديمقراطي بسرعة وسهولة مذهلين، وعجزت في المقابل عن إنفاذ أجندتها في وضع البديل الديمقراطي وإطلاق حوار وطني وتشكيل حكومة تتعهّد بالأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وتؤهل البلاد لانتخابات رئاسية وتشريعية، كما جاء في برنامجها المعلن.

وقال إن "تحول الجبهة من الحل الوطني دون إقصاء (كما في نص التأسيس)، إلى خطاب راديكالي وخيار القطيعة مع السلطة، أبان عن مخاطر في تهميش المعارضة والتفريط في أحد مكاسب الثورة في إدماج الجميع داخل الدولة، ما زاد مصاعب الجبهة سياسيا".

ويرى القوماني أنه "بتواصل الهوة بين المجتمع السياسي المنظم (الأحزاب والجمعيات) والمجتمع المهمش من عموم الشعب، يبدو التقاء الشارع الديمقراطي بالشارع الاجتماعي الشعبي شبه مستحيل". 

وقال القوماني إن الجبهة بحاجة لاعتماد خطاب سياسي عقلاني في مخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي وعدم محورة الخطاب حول قيس سعيّد، وذلك بالتمسك بالمطلب "المقنع" بتحديد موعد لانتخابات رئاسية تعددية دون إقصاء، لحسم أزمة شرعية الحكم.

المساهمون