سعيّد بمواجهة الضغوط الدولية: فرض أمر واقع وكسب للوقت

07 ابريل 2022
الرئيس التونسي قيس سعيّد (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الدولية على الرئيس التونسي قيس سعيّد، ولا سيما بعد إجراءاته ضد النواب المنتخبين عقب الجلسة البرلمانية الأخيرة، تبدو استراتيجية سعيّد مراوحة بين التشدد داخلياً عبر رفض الحوار والمضي في قراراته التي اتخذها منفرداً، ومهادنة الغرب عبر خطاب دبلوماسي تصالحي تبدو الغاية منه كسب الوقت من أجل فرض الأمر الواقع الذي كرّسه سعيّد منذ قراراته الانقلابية.

وكان وزير الخارجية التونسية، عثمان الجرندي، قد أعرب عن أمله في مساندة الجانب الأميركي للمسار الذي انتهجته تونس "من أجل إرساء ديمقراطية حقيقيّة"، على حد قوله.

وأكد لضيفه، السفير الأميركي دونالد بلوم، بمناسبة انتهاء مهامه، الأربعاء، "وضوح الرؤية المستقبلية لتونس والتزام المضيّ قدماً في تكريس المسار الديمقراطي التشاركي".

ويعكس أمل الوزير التونسي رغبة بلاده في الحد من الخلاف مع الجانب الأميركي وتقليص ضغوطها والقبول بخريطة الطريق ورفع الحجر عن المعونات الاقتصادية والعودة إلى مسار الدعم السابق منذ سنوات.

وقد لقي السفير الأميركي حظوة لافتة لدى المسؤولين التونسيين بمناسبة انتهاء مهامه سفيراً لبلده في تونس، حيث استُقبل من وزير الخارجية ورئيسة الحكومة، نجلاء بودن، والرئيس سعيّد، الذي قلده وساماً عالي الدرجة، تكريماً له.

السفير بلوم، بعد لقاءات مهمة مع المسؤولين التونسيين، نشر ليلة الأربعاء على صفحة السفارة بياناً حثّ فيه "على عودة تونس السريعة إلى الحكم الدستوري الديمقراطي، بما في ذلك برلمان منتخب". وأكد الحاجة إلى "عملية إصلاح تشمل أصوات الأطياف السياسية والمجتمع المدني المختلفة. وجدد السفير بلوم دعم الولايات المتحدة لتطلعات الشعب التونسي إلى حكومة فعالة، ديمقراطية ومتجاوبة".

وليست الولايات المتحدة وحدها تطالب بذلك وتلح عليه، فقد نشرت الخارجية الفرنسية على موقعها الإلكتروني إجابة وزيرها، خلال ندوة صحافية الثلاثاء، عن سؤال يتعلّق بموقف الخارجية الفرنسية من حلّ البرلمان في تونس، أين أكّد الوزير أنّ "فرنسا تعرب عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في تونس، وتؤكد ضرورة التمسك باحترام سيادة القانون واستقلال العدالة".

ونقل عن وزير الخارجية الفرنسي أن "فرنسا تأمل العودة، في أقرب وقت ممكن، إلى العمل الطبيعي للمؤسسات حتى تكون قادرة على الاستجابة لحالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية".

ودعت فرنسا أيضاً "مع الاحترام الكامل لسيادة تونس، جميع القوى السياسية في البلاد إلى الانخراط في حوار شامل، وتجنب جميع أشكال العنف، والحفاظ على الإنجازات الديمقراطية في البلاد"، وفق وزير الخارجية الفرنسي.

وفي مقابل كل هذه الدعوات الدولية لحل تشاركي جماعي، شدد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الأربعاء من مدينة المنستير، على أنه لن يكون هناك حوار مع "الانقلابيين"، في إشارة إلى الأحزاب التي شاركت في جلسة البرلمان يوم 30 مارس/آذار الماضي، وألغى فيه التدابير الاستثنائية.

وأضاف سعيّد من أمام ضريح الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة: "تعلمون موقف الرئيس بورقيبة من أي تدخل أجنبي، بالرغم من المغريات، لكنه لم يسلم في أي ذرة من الوطن".

وبدا الرئيس التونسي غاضباً جداً من الموقف التركي الذي دعا أيضاً إلى عودة البرلمان.

وفجر الأربعاء، عبّرت وزارة الخارجيّة التونسية عن "بالغ استغرابها من التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي بخصوص تونس"، واعتبرته "تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي، ويتعارض تماماً مع الروابط الأخويّة التي تجمع البلدين والشعبين ومع مبدأ الاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول".

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعرب عن أسفه "لحل البرلمان الذي عقد جلسة عامة في تونس، ولبدء تحقيق بحق النواب الذين شاركوا في الجلسة".

وأكد ثقته بأن "العملية الانتقالية لا يمكن أن تنجح إلا من خلال حوار شامل وهادف تشارك فيه شرائح المجتمع كافة، بما في ذلك البرلمان الذي يجسد الإرادة الوطنية".

وتعليقاً على هذه المواقف الدولية المتواترة، يعتبر الوزير الأسبق ورئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، أن "الضغط الدولي سيتزايد خلال المرحلة القادمة في ارتباط باستفحال الأزمة الاقتصادية والمالية من جهة، وازدياد حاجة تونس إلى دعم مالي إقليمي ودولي عاجل، فقد كرّرت الأطراف الدولية الكبرى، أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ذات الموقف طوال الأشهر الماضية، أن لا دعم دون عودة للمسار الدستوري الديمقراطي وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية الضرورية، غير أن سعيّد يحاول المناورة ربمّا حفاظاً على ماء الوجه، إذ لطالما أطلق الرجل تصريحات نارية بعضها غير مسؤول في علاقة بهذه الأطراف، كما أن سلوكه كثيراً ما اتسم بالازدواجية، فمن حيث التصريحات غالباً ما تبنّى خطاباً ثورياً معادياً للغرب، بينما يسمع في لقاءاته بالمسؤولين الأميركيين والأوربيين، كلاماً يتفق مع مطالبهم".

ويضيف شوكات بخصوص إصرار سعيّد على مضيّه في تطبيق مخططه أن "مرده طبيعته الشخصية غير التفاعلية مع الواقع، كما أنه نوع من العناد والهروب إلى الأمام، فأي معنى لحوار مشروط ومسبق النتائج غير مزيد توسيع الهوة مع الفرقاء، في وقت تكون فيه البلاد في أمسّ الحاجة للوحدة الوطنية، وأي معنى لحوار مسبق النتائج سوى الإمعان في تأزيم الأمور؟".

ويوضح أن سعيّد "يراهن في رأيي على فرض أمر واقع على الدول الغربية من خلال فرض مخططه بطريقة أحادية، وبما يرتّب آثاراً لا يمكن إلا القبول بها في نهاية الأمر كما يعتقد، وهذا تقدير خاطئ سيكون مكلفاً للبلاد ومصالحها العليا لأنه ليس للضعيف أن يفرض إرادته على القوي مهما كان".

ويؤكد شوكات أن "سعيّد سيكتشف هذه الحقيقة قريباً عندما سيعود وفد تونس المفاوض لصندوق النقد الدولي بخفي حنين من واشنطن نهاية هذا الشهر، تماماً كما سيقف على أن الأحزاب حقيقة واقعة فاعلة لا يمكن بجرّة قلم أن يلغيها، حتى وإن كانت فقدت شعبيتها خلال السنوات العشر الماضية، جراء تجربة الحكم، وهو نفسه فقد المصداقية باستشارته الإلكترونية الفاشلة التي لم يشارك فيها أكثر من خمسة بالمائة من الذين يحق لهم المشاركة".

دلالات